من أهم كتاب القرن العشرين في مجالات المسرح، والرواية، عبر ادبه بصدق عن مشاكل إنسان هذا العصر، وشغلت كتاباته الأوساط الثقافية لأكثر من نصف قرن من الزمان، ووصم عصرا بأكمله بفلسفته العبثية، ليؤكد من جديد علي أن الزمن الذي نحياه هو نفسه الذي عاشه ورسمه في أعماله، فالناس ما زالت تنتظر خلاص البشرية من براثن العبثية المدمرة.
ولد الكاتب الايرلندي صمويل بار كلى بكيت في 13 أبريل من عام 1906م بدبلن في أيرلندا لأبوين من البروتستانت وهو الابن الثاني لهما، كان منذ صغره متفوقاً في دراسته ومهتماً بالرياضة خاصة لعبة الكريكيت وكان يهوى مشاهدة الأفلام الأمريكية الصامتة كأفلام شارلي شابلن وبوستر كيتون وكان أثر هذه السينما الصامتة كبيراً على أدبه فيما بعد.
التحق بيكيت بكلية ترينيتى بدبلن في عام 1923م وتخصص في الآداب الفرنسية والإيطالية وحصل على الليسانس فيهما عام 1927م، وتوجه فى عام 1928م إلى باريس، حيث عمل أستاذاً للغة الإنجليزية بإحدى المدارس ، وفى هذه الأثناء تعرف على الأديب الأيرلندي الكبير جيمس جويس صاحب رواية “يوليسيس” وأصبح عضواً بارزاً في جماعته الأدبية وصديقاً شخصياً له.
وفي عام 1930 كتب بيكيت دراسة عن الروائي الفرنسي مارسيل بروست صاحب رواية “البحث عن الزمن المفقود” ثم عاد إلى أيرلندا ليقوم بتدريس الفرنسية بكلية ترينيتى لكنه لم يفضل العمل الأكاديمي وسرعان ما قدّم استقالته.
وفى عام 1933م توفى والد بيكيت وترك له ميراثاً صغيراً، وفى هذه الأثناء كتب المجموعة القصصية “وخزات أكثر من ركلات” والتي دارت قصصها عن مغامرات طالب أيرلندي يدعى “بيلاكوا”، وفي عام 1935م كتب روايته الأولى “مورفى”، وحينما اندلعت نيران الحرب العالمية الثانية عاد بيكيت إلى فرنسا واشترك في صفوف المقاومة هناك كمراسل ومترجم لكن بعد تقدم الألمان واكتشافهم للخلية التى يعمل بها هرب إلى جنوب فرنسا في بلدة “روسيليان” وعمل بكيت مزارعا،ً وفى هذا الوقت كتب روايته “وات” التى تدور حول البطل “وات” الذى يقوم برحلة إلى بيت السيد نوت ويعمل عنده ويقضى أيامه في محاولة التعرف على عالم السيد نوت اللغز وشخصية السيد نوت المعقدة.
وفى عام 1946م كتب بيكيت روايته “ميرسيه وكاميه” وتدور احداثها حول عجوزين يتواعدان للقيام برحلة إلى الريف وما أن يصلا هناك حتى يشعران بالحنين للمدينة ويستمر هذا الإرتحال المتواصل، وبعد هذه الرواية كتب بكيت ثلاثيته الروائية الشهيرة “مولوى” و”مالونى يموت” و”اللامسمى”، وكتب الروايات باللغة الفرنسية ثم ترجمها إلى الإنجليزية،
وفى عام 1947م كتب مسرحيته الشهيرة “فى انتظار جودو” و تدور احداثها حول شخصيات معدمة مهمشة ومنعزلة تنتظر شخص يدعى (جودو) ليغير حياتهم نحو الأفضل وبعد فصلين من اللغو والأداء الحركي والحوار غير المتواصل لايأتى جودو أبداً، والمسرحية محملة برموز دينية مسيحية هذا غير اعتمادها المكثف على التراث الكلاسيكي الغربي، والمسرحية تعبر بصدق عن حال إنسان ما بعد الحرب العالمية الثانية والخواء الذى يعانى منه العالم إلى الآن.
وفى عام 1951م كتب المجموعة القصصية الرائعة “قصص ونصوص من أجل لاشئ”، وفي عام 1954م كتب مسرحية “نهاية اللعبة” وصاغها في فصلين ثم عاد وجعلها من فصل واحد وتم عرضها في لندن بنفس العام، والمسرحية تدور حول شخصيات مصابة بالعمى والشلل وتعيش في صناديق القمامة و مكتوب عليها العمل الدائم دون الحصول على راحة، والمسرحية مثلها مثل “فى انتظار جودو” فقيرة في الديكور وفى عدد الشخصيات ومعظم النقاد يرون أن هذه المسرحية أعلى من “في انتظار جودو” من حيث المضمون والتكنيك المسرحي، رغم تفوق شهرة الثانية.
وفي عام 1958م كتب مسرحية “شريط كراب الأخير” وعرضت بلندن بنفس العام والمسرحية تتميز بخصوصيتها الشكلية لأنها تقوم على المونولوج فقط وبطلها شخص واحد يستمع إلى مذكراته التى سجلها على شرائط، مضمون المسرحية يدور أيضاً حول العزلة والشيخوخة والعجز النفسي، وفى نهاية الخمسينيات توجه بكيت للكتابة الإذاعية فكتب لإذاعة البى بى سى أعمال مهمة ومتميزة مثل “كل الساقطين”، “الجمرات”، “الأيام السعيدة”.
وشهد عام 1963م كتابة بيكيت لمسرحية بإسم “مسرحية” وسيناريو فيلم قصير بإسم “فيلم” أخرجه المخرج الذى تخصص في إخراج أفلام تلفزيونية عن أعمال بيكيت (ألان شنايدر) وقام ببطولته النجم الأمريكي (بوستر كيتون)، وتوجه بيكيت إلى أمريكا (للمرة الوحيدة في حياته) ليشرف على الفيلم الذي حصل على جائزة النقاد في مهرجان فينيسيا عام 1965.
وفي عام 1969م حصل بكيت على جائزة نوبل للأدب وكتب مسرحية “ليس أنا” عام 1972م والتى عرضت في نفس العام، وفي عام 1977م كتب أعمال جزء من مونولوج “صحبة”.
وقضى بكيت فترة الثمانينات منعزلاً في بيته الهادئ وكان أحياناً يتردد على مقهى قريب ليلتقي برفقة أدبية صغيرة وفى عام 1989م ماتت زوجته سوزان وبعدها بعدة اشهر وبالتحديد في 22 ديسمبر 1989م مات بكيت بعد تعرضه لأزمة في جهازه التنفسي.