Table of Contents
طرق اكتساب الحس الأخلاقي
بعد ظهور علم الجينات في القرن العشرين، التساؤل حول منشأ الحس الأخلاقي، وهل هو فطري أو مكتسب؟ وكان اعتقاد السلوكيين وأتباعهم هو اننا نولد كصفحة بيضاء، وأن كل أعمالنا تتم نتيجة للتعليم.
وعلى العكس من ذلك كان علماء الأخلاق- وبخاصة علماء بيولوجيا المجتمع- يميلون إلى الاعتقاد بأن وراء تصرفات كل فرد برنامجا جينيا، تحدث هذه التصرفات في حدود بنوده المقررة سلفا. فما القرائن التي يسوقها كل فريق لتأييد زعمه.
يسوق السلوكيون شواهد مختلفة عدة منها: التباين الهائل بين أخلاقيات مختلف القبائل أو الفصائل العرقية، والانهيار الكلي لمبدأ الأخلاق تحت سيطرة نظم السياسية بعينها أو بعد الكوارث الاقتصادية، وممارسة الاضطهاد الأقليات وبخاصة العبيد، والوحشية في معاملة الأيتام بتسخيرهم في أنشطة مشبوهة.
كل هذا أدى بالسلوكيين إلى إنكار أي دور للفطرة في تشكيل الحس الأخلاقي، والاعتماد في خضوع كل السلوكيات الأخلاقية لتدخل الإنسان وفقا لما تمليه ظروف البيئة، ولكن أصحاب الرأي المضاد يرجحون وجود عامل جيني يولد مع الفرد ويوجه تصرفاته.
وفي خلال العقود الأخيرة تجمعت شواهد تبين أن القيم الأخلاقية في نظر الفرد تحدد نتيجة لمحصلة تأثير عاملين: النزعات الفطرية والتعليم الذي له الدور الأخير في خلق الحس الأخلاقي لدى الأفراد (وإن اختلفوا كثيرا في مدى قدرتهم على الاستفادة مما تعلموه)، وهذه القدرة تتناسب إيجابيا مع قابلية الفرد لاعتناق أعراف جديدة تسد ثغرات النقص في المبادئ المتوارثة أو تحل محلها جزئيا.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض الأطفال تبدو عليهم أمارات استعداد وراثي لأن يكونوا أشرارا أو أخيارا، وبالفعل أثبتت بعض الدراسات الحديثة وجود عامل جيني (وراثي) وراء هذه الظاهرة، ومن ناحية أخرى كشفت الأبحاث التي أجراها علماء نفس الأحداث عن وجود تباين في المسارات الأخلاقية لا تتغير في أثناء مرحلة المراهقة، مما يعزز فكرة الاستعداد الوراثي للخير أو الشر.
غير أن إثبات إمكان توارث الصفات الحميدة يبدو مع الأسف أكثر صعوبة من إثبات توارث الصفات الذميمة. وليس هذا بجديد، فقد سبق أن سجله “دارون” منذ أكثر من قرن ونصف بناء على ما لاحظه في بعض العائلات ذات الثراء، حيث يولد الأطفال وبداخلهم نزعة عدوانية (يعتقد “دارون” أنها انتقلت إلى الإنسان من أسلافه من الرئيسيات التي تعيش في إقطاعياتTerritories )، وهي الآن تفصح عن نفسها في صورة تفشي العنف بين الناس، وقد أعرب “دارون” عن أمله أن يكون الاستعداد للصفات الحميدة أيضا قابلا للتوارث.
ولكن الوراثة ليست هي كل شيء، فالمسارات الخلقية تتأثر بعوامل أخرى تطرأ بعد الولادة، في مقدمتها القدوة والظروف الاجتماعية كما تدل على ذلك التحاليل والإحصائيات. والأمر مازال في حاجة إلى المزيد من البحوث لتحديد دور كل من الوراثة والاكتساب في تكوين الأخلاقيات الإنسانية.
المصدر: عالم المعرفة
مقالات اخري قد تهمك :
دراسة: “ماهو سييء للقلب هو سيئ أيضا للدماغ”
الطب النفسي يكشف أسرار البنات