عبد الله يوسف علي | لئن كانت ترجمته للقرآن إلى اللغة الإنجليزية هي ما بقي من ذكر وذكرى لهذا الرجل، على الرغم مما سبقها وتلاها من ترجمات، إلا أن حياة هذا الرجل كانت حياة مضطربة تدعو للتأمل.
Table of Contents
عبد الله يوسف علي الأسرة والتعليم
اضطرابا داخليا في الهوية، بين انتمائه للإسلام والأمة الإسلامية من جهة، والتي تجلت في أعماله وكتاباته في هذا الجانب، ومنها ترجمته للقرآن، وبين موالاته للإمبراطورية البريطانية الذي تجلى في الكثير من مواقفه وآرائه.
واضطرابا خارجيا، وتحديدا على المستوى الأسري، إذ تزوج مرتين بامرأتين إنجليزيتين، أنجب من الأولى 4 من الأبناء، ومن الثانية ابنا آخر، وانتهت الزيجتان بالفشل، وتنكر له أبناؤه من هذه الزيجة وتلك، حتى أنه قضى أيامه الأخيرة وحيدا، ومات وحيدا، ولم يسأل عنه أحد، لا من عائلته، ولا من الإنجليز، حتى تكفل سفير باكستان في بريطانيا بإتمام مراسم جنازته ودفنه.
إنه عبد الله يوسف علي Abdullah Yusuf Ali الذي ولد في أبريل من عام 1872 في بومباي بالهند فترة الحكم البريطاني، وعندما كان طفلاً، التحق بمدرسة أنجومان حماية الإسلام، ثم درس لاحقا في المدرسة التبشيرية بكلية ويلسون، وكلاهما في بومباي. كما تلقى تعليما دينيا وتمكن في النهاية من قراءة القرآن كاملاً عن ظهر قلب. كان يتحدث اللغتين العربية والإنجليزية بطلاقة. حصل علي على درجة بكالوريوس الآداب من الدرجة الأولى في الأدب الإنجليزي من جامعة بومباي في يناير 1891 وعمره 19 عامًا وحصل على منحة للدراسة في جامعة كامبريدج في إنجلترا.
عبد الله يوسف علي وزمالة الجمعية المليكة للفنون
ذهب علي لأول مرة إلى بريطانيا في عام 1891 لدراسة القانون في كلية سانت جون، بجامعة كامبريدج، وبعد حصوله على البكالوريوس والليسانس في الحقوق في عام 1895، عاد إلى الهند في نفس العام بمنصب في الخدمة المدنية الهندية (ICS)، ثم حصل على الماجستير في القانون عام 1901. وفي عام 1905 عاد إلى بريطانيا في إجازة لمدة عامين من الخدمة المدنية، وخلال هذه الفترة تم انتخابه زميلا في الجمعية الملكية للفنون، والجمعية الملكية للآداب.
لفت علي انتباه الرأي العام لأول مرة في بريطانيا بعد أن ألقى محاضرة في الجمعية الملكية للفنون في لندن عام 1906، نظمها معلمه السير جورج بيردوود. وكان معلمه الآخر هو اللورد جيمس ميستون، نائب حاكم المقاطعات المتحدة سابقًا، والذي، عندما تم تعيينه عضوًا ماليًا في حكومة الهند، قام بتعيين علي في مناصب في مناطق مختلفة في الهند والتي تضمنت أيضًا فترتين قصيرتين كوكيل الوزارة بالإنابة (1907). ومن ثم نائب السكرتير (1911-1912) في الإدارة المالية لحكومة الهند.
عبد الله يوسف علي والانقسام العنصري
كتب عنه أحد كتاب سيرته “كان عبد الله يوسف علي ينتمي إلى جماعة من مسلمي الهند من عائلات مهنية يهمهم المقام والمكانة. وفي سعيه لتحقيق طموحه في التأثير، أصبح الإذعان، إن لم يكن الخضوع الصريح، سمة أساسية لعلاقته مع البريطانيين. وخلال المرحلة التكوينية من حياته، اختلط بشكل رئيسي بدوائر الطبقة العليا، وعمل بجد على تنمية العلاقات مع أعضاء النخبة الإنجليزية. وتأثر بشكل خاص بالسلوك اللطيف والود الذي أظهره أولئك الذين ارتبط بهم، ونتيجة لذلك، أصبح محبًا للإنجليز بشكل لا يمكن إصلاحه، بما تجلى في زواجه من تيريزا شولدرز حسب طقوس كنيسة إنجلترا، واستضافته حفلات الاستقبال للخير والعظماء، وذوقه في التحف والثقافة الهيلينية وانبهاره بأبطالها، وإعجابه بالماسونية في الهند كوسيلة للتجسير. وكان الانقسام العنصري والاجتماعي، ودعوته لنشر الفكر العقلاني والحداثي من خلال التعليم العلماني، كلها محاولات حقيقية للاندماج في المجتمع البريطاني”.
في عام 1914 استقال علي من الخدمة المدنية واستقر في بريطانيا حيث أصبح أمينًا لمسجد شاه جيهان في ووكينج، وفي عام 1921 أصبح أمينًا لصندوق بناء مسجد شرق لندن.
ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى، وعلى عكس العديد من المسلمين في بريطانيا الذين شعروا بعدم الارتياح لدعم المجهود الحربي البريطاني ضد إخوانهم المسلمين في الإمبراطورية العثمانية، كان علي مؤيدًا متحمسًا للمساهمة الهندية في المجهود الحربي، ولتحقيق هذه الغاية كتب المقالات وألقى الخطب العامة وقام بجولة محاضرات في الدول الاسكندنافية وحصل على رتبة الإمبراطورية البريطانية في عام 1917 لخدماته لهذه القضية. وفي نفس العام انضم إلى طاقم مدرسة الدراسات الشرقية كمحاضر في اللغة الهندوستانية.
وبالرغم من مواقفه تلك، فإنه وقد صدمه اقتراح تقسيم فلسطين، كما كان التقسيم العشوائي للإمبراطورية العثمانية وإنشاء إسرائيل أمرا مقلقا له، وفي عام 1937 حضر العديد من الاجتماعات والمؤتمرات التي دافعت عن قضية الفلسطينيين وحذر القوى الغربية من إنشاء دولة يهودية على أرض إسلامية. وقد كتب في قصيدته فلسطين التي صدرت في كانون الثاني/ يناير 1938:
“طريقة واحدة وحدها يمكن أن تجلب لك السلام:
هي ألا يتم قمع الحقوق القديمة،
وأن يتوقف الأجانب عن التعديات،
وأن تحظى القدس براحتها المستحقة”.
مأساة فلسطين
مع ذلك، فإن مأساة فلسطين لم تكن كافية لردع ولائه للبريطانيين حيث سافر إلى الهند بناءً على طلب من وزارة الإعلام البريطانية لحشد الدعم الإسلامي بعد إعلان الحرب على ألمانيا في عام 1939. وعند عودته، كتب مقالات وألقى خطابات، مطالبا الهنود بالاتحاد دفاعًا عن الإمبراطورية والتخلي عن مطلبهم بالإصلاحات السياسية. لكن ظهوره كلاعب مهم في الأحداث الدولية سرعان ما تلاشى بعد انتهاء الحرب عام 1944.
على الوجه المقابل كان عبد الله يوسف علي مثقفًا محترمًا في الهند، حيث عينه محمد إقبال مديرًا للكلية الإسلامية في لاهور، حيث خدم فيها من عام 1925 إلى عام 1927 ومرة أخرى من عام 1935 إلى عام 1937. وكان أيضًا زميلًا في جامعة البنجاب من 1925 إلى 1928، ومن عام 1935 إلى عام 1939، وعضوا في لجنة التحقيق بجامعة البنجاب (1932–33).
وقد ألف عددا من الكتب حول الإسلام، منها: المثل التربوية الإسلامية Muslim Educational Ideals (1923)، وأساسيات الإسلام Fundamentals of Islam (1929)، والتربية الأخلاقية: الأهداف والأساليب Moral Education: Aims and Methods (1930)، وشخصية الإنسان في الإسلام Personality of Man in Islam (1931)، ورسالة الإسلام The Message of Islam (1940).
أشهر أعماله العلمية
أما أشهر أعماله العلمية فهو كما قلنا ترجمته للقرآن الكريم إلى الإنجليزية وتفسيره الصادرة بعنوان: القرآن الكريم: النص والترجمة والتعليق The Holy Quran: Text, Translation, and Commentary والتي أنجزت في الفترة من 1934 إلى عام 1937؛ وصدرت منها طبعة منقحة ما بين عامي 1939 و1940.
وفي ملاحظاته على تلك الطبعات المبكرة من الترجمة، أشار عبد الله يوسف علي إلى الجهود السابقة للمسلمين في ترجمة القرآن إلى الإنجليزية، وأبدى ملاحظاته عليها، كما تناول ترجمات القرآن بلغات المسلمين، الأردو، والفارسي، والتركي، إضافة إلى تاريخ ترجمات القرآن إلى اللاتينية، وختم ملاحظاته بالقول إنه “نظرا لانتشار اللغة الإنجليزية على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم، فإن العديد من الأشخاص المهتمين بالإسلام سيحصلون على أفكارهم حول القرآن من الترجمات الإنجليزية. ومن الجيد أن يحاول المسلمون المؤهلون – لذلك – تقديم صورة عن رؤيتهم العقلية والروحية لأنفسهم.
مضيفا أن “النظام التعليمي الهندي جعل اللغة الإنجليزية لغة ثقافية مشتركة لسكان يبلغ عددهم 350 مليون نسمة. فالأكثر تعليماً من بين 80 مليون مسلم – ما لم يكونوا يعرفون اللغة العربية – ينظرون إلى اللغة الإنجليزية باعتبارها وسيلة التعبير الأكثر ثقافة. ويحكم أبناء وطنهم غير المسلمين على دينهم – وعادة ما يسيئون الحكم – من خلال المواد المتاحة لهم باللغة الإنجليزية. يجب علينا تحسين هذه المادة وزيادتها قدر الإمكان وبأكبر عدد ممكن من وجهات النظر.
وقد قررت بعض الدول الإسلامية – مثل الأتراك – الآن توفير مؤلفاتها الدينية (بما في ذلك الكتاب المقدس) بلغتها الوطنية. ومن أجل إبقائهم على اتصال بأفكار ووجهات نظر إخوانهم في الإيمان، ستكون اللغة الإنجليزية في ظل الظروف الحالية هي الوسيلة الأكثر ملاءمة. هذه هي الاعتبارات التي دفعت عبد الله يوسف علي حسب تعبيره “للقيام بالمهمة الهائلة المتمثلة في تقديم تفسير إنجليزي للقرآن الكريم. أدعو أن أوت القوة والنور حتى أتمكن من النجاح في هذه الخدمة للإسلام”.
ومن ثم فقد نشأت أجيال من المسلمين في البلدان الناطقة باللغة الإنجليزية وهم يقرؤون ترجمة وتفسير يوسف علي للقرآن، والتي نشر منها أكثر من 200 طبعة حتى الآن، مما يجعلها الترجمة الأكثر قراءة في أي لغة غير العربية.
ورغم حياته الصاخبة المليئة بالأحداث والمواقف المثيرة للجدل ورغم الإنتاج العلمي، فقد عاش عبد الله يوسف علي العقد الأخير من حياته وحيدا، يجوب شوارع لندن، وفي 9 ديسمبر من عام 1953، عثرت الشرطة عليه مغشيا عليه على أحد المقاعد العامة، وفي اليوم التالي أصيب بنوبة قلبية في مستشفى في فولهام وتوفي وحيدا في نفس اليوم، ولم يطالب أي من أقاربه بالجثة، لكن ولأنه كان معروفًا لدى المفوضية العليا الباكستانية؛ قاموا بترتيب جنازته ودفنه في القسم الإسلامي بمقبرة بروكوود بالقرب من ووكينج.