بنك المعلوماتالمجلة

غذاء أفضل ودواء فعّال.. حلم معلق بالبيوتكنولوجي..

يعقد العلماء آمالا كبيرة على التقنية الحيوية أو (البيوتكنولوجي) في تطوير جودة كثير من المنتجات الزراعية والغذائية، كما يأملون أن تكون هذه التقنية الطريق الأمثل لتطوير أدوية وعلاجات فعالة لأمراض مثل الإيدز وآلزهايمر والسكري والتهاب المفاصل وغيرها من الأمراض المزمنة التي لا يزال الطب عاجزا عن تطوير علاجات فعالة لها.

هذا ما اتفق عليه المشاركون في “يوم التقنية الحيوية” الذي نظمه برنامج “التقنية الحيوية والكيمياء الحيوية الجزئية” بكلية العلوم جامعة القاهرة السبت 28 مارس 2009، وكان بمثابة تظاهرة علمية شارك فيها العلماء والأساتذة والطلاب وممثلون عن القطاعات الإنتاجية.

حول الهدف من برنامج “التقنية الحيوية” بالجامعة قال الأستاذ الدكتور حسين زهدي منسق البرنامج: “نهدف إلى إعداد خريجين متميزين في مجال التقنية الحيوية التي أصبحت الآن مرشحة لأن تكون في القريب العاجل ضمن الجوانب الرئيسية التي يقاس بها تطور وتقدم الدول، كما حدث في مجال ثورات الحاسب الآلي والإلكترونيات والمعلوماتية؛ لذا تتسابق الدول الكبرى حاليا على تبني موضوع التقنية الحيوية وجعله ضمن أولوياتها البحثية والتطويرية”.

فيما أوضح الدكتور طارق قابيل – المنسق الإعلامي العلمي للبرنامج – أن الغرض الرئيسي من الفعالية هو محاولة تقديم وتعريف طلاب البرنامج بمراحله المختلفة لرجال الصناعة بمصر، كما أن تواجد رجال الصناعة والشركات والمصانع المعنية بالتقنية الحيوية جنبا إلى جنب مع أساتذة الجامعات وعلماء المراكز البحثية والطلاب سوف يحدث حالة من الحراك العلمي والمعرفي في المجالات التي تتيحها التقنية الحيوية.

تطور تاريخي

في بداية الاحتفالية ألقى الدكتور إبراهيم عبد المقصود العميد السابق لمعهد الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية بجامعة المنوفية محاضرة عن الخلفية التاريخية للتكنولوجيا الحيوية في مصر والمستقبل الذي ينتظرها، حيث أكد أن مصر عرفت التكنولوجيا الحيوية منذ عهد الفراعنة، وكان لديها الكثير من المنتجات الزراعية التي أنتجت من خلال هذه التقنية، ولكن مع تقدم علوم الكيمياء والوراثة في العصر الحديث لم تنتبه مصر إلى التقنية الحيوية إلا في أوائل السبعينيات حين بدأت كلية الزراعة العمل في هذا المجال وتطويره بالتعاون مع الجامعات العالمية.

وأوضح أن العمل بهذه التقنية بدأ بزراعة الخلايا والأنسجة والأعضاء النباتية، وذلك حتى أواخر الثمانينيات، حيث انتقلت مصر إلى مرحلة الإنتاج بعدما ترجمت هذه التقنية من المعامل والأبحاث إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي ثم التصدير، وذلك بعد استخدام الخلايا النباتية لإنتاج نباتات أو أدوية ذات مواصفات معينة، عبر تغيير التراكيب الوراثية للخلايا.

وضرب الدكتور عبد المقصود مثالا في هذا الجانب بالأخطار التي كانت تواجه النخيل، حيث توصلت المعامل المصرية إلى إيجاد حلول لها بواسطة التقنية الحيوية أدت إلى تحسين جودة الإنتاج وزيادة نسبته بالآلاف. وأشار إلى أن الجانب الآخر في التقنية الحيوية هو استخدامها في صناعة الدواء، بحيث أصبح طريق شركات الأدوية المستقبلي مبنيا على التكنولوجيا الحيوية والتحكم في الخلية لإنتاج مركبات ثانوية، الأمر الذي يجعل العلماء الآن يعقدون آمالا كبيرة على هذه التقنية في القضاء على الأمراض المزمنة مثل الأورام السرطانية والسكري وفيروس سي وغيرها.

أسرار الجينوم البشري

وتحدث الأستاذ الدكتور محمد سيد سلامة عميد كلية العلوم جامعة عين شمس حول “التكنولوجيا الحيوية والصناعات الدوائية في الطب”، مؤكدا أن هناك الكثير من الأسرار التي لا زالت مخبأة في جيناتنا الوراثية ولا زلنا نحبو نحو اكتشافها، وسيكون انتهاء مشروع “الجينوم البشري” الذي يجري عليه العمل في الولايات المتحدة حاليا بمثابة ثورة علمية ستقود العلماء إلى اكتشاف الكثير من أسرار الإنسان التي نجهلها الآن.

وكشفت الأبحاث العلمية مؤخرا عن أن الجسد البشري يوجد به 22 ألف جين مسئولة عن إدارة حياة الإنسان منذ ولادته وحتى وفاته، وهذه الجينات موزعة على أعضاء الجسد ويوجد بداخلها لغة مكتوبة مكونة من جمل لها بداية ونهاية، وهذه الجمل تحوي كل المعلومات الخاصة بجسد الإنسان، بل إنها تحوي أيضا ما سيصيب الشخص من الأمراض الوراثية مستقبلا.

فعلى سبيل المثال نجد أن الشكل الفراغي الذي يأخذه الإنسان ويتباين من شخص إلى آخر، ما هو إلا محصلة قيام خلايانا بعرض المعلومات المسجلة على الجينات الخاصة بنا، كما أن الشخص حينما يصاب بجرح غائر في جسده يرجع العضو المصاب إلى طبيعته، وذلك لأن الجينات الخاصة به مسجل عليها عدد ومواصفات الخلايا المكونة لهذا العضو.

وبالمثل الأورام السرطانية، حيث إن الذاكرة الوراثية الخاصة بالإنسان مسجل عليها أعداد الخلايا المكونة للأعضاء، وحينما يحدث خلل ما وتنقسم إحدى هذه الخلايا دون أن يكون هذا الانقسام موجود في الذاكرة الوراثية، فإنها لا تلتحم مع العضو وإذا استمر الخلل فإن هذه الخلايا المجهولة تتجمع لتُسبب الورم السرطاني.

آمال بلا حدود

وأوضح الدكتور سلامة أن دخول الجينات إلى المجال الطبي سيجعل الصيدليات في المستقبل بمثابة بنوك للجينات وليست محالا لبيع الدواء؛ فبما أن المرض هو خلل في “جين” ما، فإن أبحاث العلماء الآن تسير حول إمكانية إعطاء المريض نسخة “جين” سليمة بدلا من “الجين” المعطوب.

فعلى سبيل المثال يسعى بعض العلماء الغربيين حاليا إلى عدم إجراء عمليات جراحية لمرضى انسداد الشرايين التاجية التي تضخ الدماء للقلب، ويرغبون في إعطاء هؤلاء المرضى جينات تعمل على تكوين أوعية دموية جديدة.

ووصل الأمر إلى أن هناك أبحاثا تجرى في الولايات المتحدة حول ما يسمى بـ”الحمل المخطط” والذي يهدف إلى تعديل الصفات الوراثية للأجنة بحيث يخرج في النهاية أطفال بمواصفات معينة كالذكاء ولون البشرة وما إلى ذلك؛ وإذا نجحت هذه التجارب فسوف يكون هناك نوعان من البشر.. النوع المحسن في الدول المتقدمة.. والنوع العادي في الدول النامية!!

الهوهوبا.. “الذهب الأخضر”

من ناحية أخرى، تحدث المهندس نبيل الموجي رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية للزيوت الطبيعية عن التطبيقات العملية لاستخدام التقنية الحيوية في تحسين وزيادة إنتاج النباتات من خلال تجربته مع نبات “الهوهوبا” أو “الجوجوبا”، وهو نبات بري يزرع في الأراضي الجديدة الجيدة أو الأراضي القاحلة وشبه القاحلة، حيث أنشأ الموجي أول شركة مصرية وعربية متخصصة في زراعة وتصنيع هذا النبات عام 1996.

وشدد الموجي على أن نبات “الهوهوبا” يمثل أحد الآمال الهامة الجديدة لتنمية الصحارى المصرية والعربية، حيث إن هذا النبات يعد “ذهبا أخضر”، وذلك لما له من فوائد كثيرة أهمها أنه أفضل البدائل للبترول؛ حيث يمكن استخدام زيت الهوهوبا كوقود أو زيوت محركات أو في مجال البتروكيماويات.

وأوضح أن العالم يتجه حاليا إلى استخدام الخامات الطبيعية في جميع أوجه الحياة تحت شعار “العودة للطبيعة”، وزيت الهوهوبا أحد أهم الخامات التي تستخدم في مجالات الطب والتجميل والصناعة والمبيدات وغيرها، مما سيزيد الطلب العالمي عليها أضعافا خلال السنوات القادمة.

وتوصلت الأبحاث التي أجراها الموجي مع الجامعات المصرية إلى تسجيل وإنتاج أول مركب تجميلي للشعر يحتوى على أكثر من 95% زيت هوهوبا، وتسجيل وإنتاج أول مركب طبيعي للقضاء على حشرات المن والذبابة البيضاء وصانعات الأنفاق والعنكبوت الأحمر، والتوصل من خلال أبحاث جامعة حلوان إلى وقود حيوي للسيارات (بديلا للبنزين) ووقود حيوي لمحركات الديزل (بديلا للسولار) وغيرها الكثير من الأبحاث التي تعطي مؤشرات إيجابية عن فوائد هذا النبات في عشرات المجالات.

واختتم حديثه بأن مناطق زراعة الهوهوبا في العالم محدودة جدا، وتعتبر مصر والعالم العربي من أفضل هذه الأماكن، ولذا ينبغي أن تتكاتف الجهود لتعمير الصحراء المصرية والعربية بهذا النبات، مما يتيح لنا استغلال مصادر قوتنا وفتح آفاق جديدة للتنمية الزراعية والتصنيع الزراعي من خلال البحث العلمي للوصول إلى منتجات جديدة صديقة للبيئة في جميع المجالات وقادرة على المنافسة العالمية.

شريف عبد المنعم
عن إسلام أون لاين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى