استعادت الطبيبة المصرية فادية عبدالجواد، استشاري الأمراض الجلدية والتجميل سمعها بعد 41 سنة بعد ولادتها بالصمم, كانت تعتمد على قرأة الشفاه، قبل سن 11 عام، كانت طفلة طبيعية، إلا أنها أصيبت بحمى شوكية في سن الحادية عشر، نتج عنها فقدان كامل للسمع في الأذنين, عقب الإصابة وفقدان السمع، قامت بابتكار طريقة للتواصل مع من حولها، من خلال قراءة حركة الشفاه واتقانها بنسبة 100%، اجتازت المرحلة الإعدادية بمجموع 96% من مدرسة حكومية عامة وليست مخصصة للصم والبكم .
استمرت في الحفاظ على التفوق الدراسي والاشتراك في المسابقات بين المدارس والفوز فيها من خلال تخصيص زميلة لها كانت مهمتها كتابة الأسئلة بشكل سريع، ثم تتولى هي الإجابة عليها، حصلت في المرحلة الثانوية على مجموع 98% والتحقت بكلية الطب.
الانطلاق نحو القمر
شعارها في الحياة: (انطلق نحو القمر فحتى لو أخطأته ستهبط بين النجوم، وما اجمل الصعود نحو القمر أو التحليق بين النجوم). كان القدوة في حياتها هو الدكتور طه حسين، فاقد البصر وعميد الأدب العربي، وايضا هيلين كيلر الصماء البكماء.
تتمتع الدكتورة فادية بسيرة شخصية وعلمية كللتها بالفخر والتشجيع والالآم التي عانت منها وتحدتها لتصل إلى ما كانت تحلم به، أن تكون الدكتورة، فادية عبدالجواد.
هكذا انت الطفولة
عشت “فادية” طفولة صاخبة في أسرة متوسطة الحال كبيرة العدد، مكونة من سبعة أخوة، كان ترتيبها بينهم السادسة، وكانت أسرتها تهتم بالتعليم.. كانت طفلة مميزة بين أخوتها، نظرا لتفوقها الدراسي، كذلك كانت تشترك في جميع الأنشطة الثقافية والفنية في مدرستها الابتدائية من تمثيل، غناء، جمباز وباليه، كانت تتمتع بطفولة جميلة حافلة بالنشاط والحركة والموسيقى والأصوات التي شاءت إرادة الله أن تحرم منها، وهي في عمر ١١ سنة، بعد أن أصبتها بالحمى الشوكية.
قراءة الشفاه
كان لفقدانها لحاسة السمع وهي في عمر ١١ سنة تأثيرًا كبيرًا على حياتها، فقد كانت طفلة نشيطة .. صاخبة، وفجأة وجدت نفسها أسيرةً في عالم الصمت والصمم الكئيب، وكانت صدمتها الكبيرة كونها لازلت طفلة حياتها الموسيقى والغناء والتفوق الدراسي وفجأة تبدل الحال.
عاشت فترة من الاكتئاب والقلق ورفض الواقع المؤلم الجديد لكنها بفضل الله لم تستغرق إلا أيام قليلة.
بعدها كان لابد ان تأخذ موقف وبالفعل قررت أن تبذل الجهد بحثا عن طريقة للتواصل مع الناس، وكسر حاجز الصمت من حولها، وبالفعل وجدت طريقة للتواصل بقراءة “حركة الشفاه” والتي علمتها لنفسها بنفسها خلال فترة الإجازة الصيفية بعد امتحان الابتدائية واستطاعت إجادتها تماما بصورة تقترب من المائة في المائة.
ومن المواقف الصعبة ايضا فقدانها لدرجات مادة الإملاء في الشهادة الابتدائية، حيث خرجت من المستشفى إلى لجنة الامتحان مباشرةً، بعد غيبوبة استمرت عدة أسابيع، إثر اصابتها بالحمى الشوكية ولم تكن اكتشفت بعد قراءة حركة الشفاه.
لم تسمع أي شىء من كلمات المعلمة التي تقوم بالإملاء، ورفضت بشدة أن تنقل قطعة الإملاء كما عرضت على المدرسة إشفاقا منها على حالتها الصحية.
“من غشنا ليس منا”
تربت الدكتورة فادية في بيتها على أن «من غشنا ليس منا» لهذا كانت طالبة متفوقة جدا تحصل دائما على الدرجات النهائية في جميع المواد، وتلك كانت أول صدمة حقيقية في حياتها تمس كبريائها كونها الاولى دائما على مدرستها.
ومع ذلك فقد حصلت على مجموع ٩٥٪ في الشهادة الابتدائية، لم تفقد سوى درجات الإملاء وحصلت على الدرجات النهائية في باقى المواد جميعا.
تعاملت فادية مع الصمم في البداية كتحدي يجب أن اخترقه والتغلب عليه ونجحت في ذلك بفضل الله، عن طريق إتقانها قراءة “حركة الشفاه” حيث قامت بتدريب نفسها على النظر في وجوه الممثلين في التليفزيون وقارئي نشرات الأخبار وكل من يتكلم حولها حتى اتقنتها تماما، ومع مرور السنين تعاملت مع الصمم على أنه قضاء الله سبحانه وكله خير، وانشغلت تماما بدراستها للمحافظة على تفوقها وأن تظل صدر فخر واعتزاز لأسرتها وليس مصد رثاء وحزن وتعاطف.
من فرط انشغالها بتطوير ذاتها نسيت الصمم، وأصبح كل من حولها يتعامل معها بطريقة عادية جدا بل كان من الصعب على أي شخص غريب لا يعرفها أن يكتشف أنها لا تسمع.
رحلتها العلمية
والدها رحمه الله عليه كان واعيا جدًا، وثقته في قدراتها ألحقها بمدرسة إعدادية عادية “مدرسة غمرة الإعدادية -بالقاهرة”. كانت الأولى على مدرستها في جميع الصفوف حتى في مدرستها الثانوية “مدرسة العباسية الثانوية” ولم تجد حقا صعوبة في الدراسة، وتفوقت وحصلت على مجموع ٩٧٪ في الثانوية العامة، وصممت على تحقيق حلم الطفولة “أن تكون طبيبة” تخدم الناس، وبالفعل التحقت بكلية طب عين شمس، وكانت مرحلة أخرى شديدة الصعوبة بل شديدة القسوة، حيث كانت الدراسة باللغة الإنجليزية ولم تكن تجيد قراءة حركة الشفاه باللغة الانجليزية، بالرغم من إتقانها التام للغة الانجليزية والفرنسية، ولم يساعدها أحد من الأساتذة في الكلية باستثناء الدكتور طلعت الديب أستاذ الباثولوجي والوحيد الذي شجعها وساعدها في الكلية وكان حقا ملاكها الحارس ونموذجا لما يجب أن يكون عليه الأستاذ الجامعي، أما عن باقي الاساتذة فقد كانت تجد الأمرين في الامتحانات الشفوية وكان البعض يرفض كتابة السؤال لها لأنها لا تسمعه ولا تفهم قراءة حركة الشفاه باللغة الإنجليزية، والبعض كان يظن أننها تتمارض.
وتخرجت في كلية طب عين شمس عام ١٩٨٦، وتخرجت وهي زوجة وأم لابنتي الكبرى، حيث إنها تزوجت وهي في السنة الثالثة من الكلية.
حياتها كانت عادية، تزوجت واعتنت بأولادها الأربعة، وهم مصدر فخرها الأول وسبب في الاعتزاز بهم، وانت تتولى جميع شؤونهم بنفسها ولا زلت تفعل ذلك مع احفادها، واكرمها الله بولدين وبنتين، “زهورها الأربعة” هم أغلى وأجمل مافي حياتها وأروع انجازاتها، وبالفعل هم خيرة الأولاد.
جهاد الابنة الكبرى، حصلت على ماجيستير اقتصاد، ورئيسة قسم في بنك CIB، وتم اختيارها من منظمة EFE، في الولايات المتحدة كنموذج للسيدة المصرية التي استطاعت بالتعليم أن تصل لمكانة وظيفية مميزة في سن صغيرة، وتم تكريمها في جامعة شيكاجو وجامعة جورجيا، وهي حاليا تقيم في الولايات المتحدة الأمريكية.
أما الابنة الصغرى د. سندس، وهي طبيبة صيدلانية، تخرجت بمرتبة الشرف في كلية الصيدلة وتعمل في شركة أدوية “مالتي ناشونال” والابن الأكبر محمود، يعمل مهندس كمبيوتر ويملك شركة للبرمجيات الخاصة، متزوجا ولديه ابن، أما عن الابن الأصغر محمد، بكالوريوس تجارة ويعمل في شركة عقارات، هؤلاء الأبناء هم ثمرة حياتها.
استعادة السمع
تقول د. فادية “لا يوجد أي وصف أو تعبير يصف شعورى بعد استعادة السمع. كان مثل استعادتي للحياة بمعنى الكلمة وليس استعادة السمع فقط، فلأول مرة أسمع كلمة (ماما) من اولادي وهم شباب كبار، ولأول مرة ألبي نداء ماما وهو يأتيني من بعيد دون أن يكونوا أمامي لأقرأ حركة شفاههم، وامتلات حياتي بالصوت بعد 33 عاما من الصمم التام، وأكرمني ربي بالعملية الثانية عام 2014، لأستعيد سمعي بعد 41 عاما من الصمم، حيث فقدت السمع عام 1973”.
جوائز واسهامات
رشحت الدكتورة فادية نفسها لجائزة صناع الأمل، وهي مبادرة من الشيخ محمد ابن راشد، حاكم دبي لتكريم صناع الأمل في عالمنا العربي لتحقيق حلمها، بإنشاء مؤسسة كاملة لتعليم وتأهيل الصم وضعاف السمع، تعليميا ونفسيا من المرحلة اﻻبتدائية حتى الثانوية العامة وتأهيلهم لدخول الجامعات واطﻻق طاقاتهم وابداعاتهم ليكون منهم اﻻطباء والمهندسين والمحاسبين والعلماء.
كما عملت د. فادية عبدالجواد، داخل وخارج مصر في بلاد عربية وأجنبية لمدة 30عاما قبل استعادة السمع في أول عملية زرع قوقعة عام 2006، أما عن التكريمات فازت د.فادية عبدالجواد، بجائزة هيلين كيلر، من المنظمة الدولية لشؤن الاعاقة UNARTS التابعة للأمم المتحدة، درع النقابة عن نقابة الأطباء، درع الريادة العالمي من شبكة الرائدات العربيات، وتم تكريمها من قبل وزارة الاجتماعي والثقافة، وسفيرة حملة مانحي الأمل الدولية وايضا سفيرة الأمل لمستشفى بهية.
تقول د. فادية : “الجوائز كتير بفضل الله وأهمها عندي تكريمي من نقابة الاطباء وحصولي على درع النقابة، وكذلك جائزة هيلين كيلر، ودرع الريادة العالمي من شبكة الرائدات العربيات، كذلك تم تكريمى من وزارة التضامن والثقافة والتعليم العالى والبحث العلمي”.