اختراعات بيئيةابتكارات جديدهاختراعاتالمجلة

كينيا تطهو على موقد بلا نار!

كينيا تطهو على موقد بلا نار!

أشهى أنواع الطعام وأطيبها تلك التي تُطهى على نار هادئة لساعات طوال، وأفضل من ذلك أن تكون الحرارة الواصلة لإناء الطهي غير مباشرة، والأفضل لو كانت هذه الحرارة تحيط بقدر الطعام المراد طهيه من كل جهة، وهذه هي إحدى أسرار فنون الطهي البطيء الذي كانت تتقنه الجدات وتكسب الطعام مذاقا يستحق به عن جدارة وصف “الهنيء المريء”، ومؤخرا أفردت لإحيائه مواقع عدة على شبكة الإنترنت؛ لما يتمتع به من سمعة فائقة، في إحدى تجليات العودة إلى الأصالة، والتحرر من ثقل الحداثة والعصرنة والتكنولوجيا.

وكان المصريون -ولا يزالون- يعتبرون أفضل طبق فول مدمس يمكن أكله ذلك الذي يتم تدميسه في “المستوقد”، وهو مكان يتم في أحد أركانه حرق القمامة، والحرارة الناتجة يتم تصريفها بشكل غير مباشر لتدميس قدر الفول طوال الليل، وتسخين مياه الحمامات العامة بضربة معلم ثلاثية يتم فيها التخلص من القمامة، وطهي إفطار العاصمة، وتنظيف الأبدان وتطهيرها.

كينيا تطهو على موقد بلا نار!
كينيا تطهو على موقد بلا نار!

المهم.. لدينا فكرة موفرة ورائعة من كينيا ولها مزايا عديدة، ملخصها كما في عنوان الموضوع أن تطهو على موقد بلا نار.

كينيا تطهو على موقد بلا نار
الفكرة كانت لمساعدة الأسر في كينيا للهرب من حلقة الفقر المفرغة التي يدورون في فلكها، ويناضلون لمجرد البقاء على قيد الحياة؛ وذلك من خلال جعل الأسر أقل اعتمادا على الوقود؛ لأن جمع الحطب يحتاج لوقت طويل يحرمهم من تدبير باقي شئون حياتهم، ويُخصم من الوقت اللازم للسعي لتحصيل الرزق.

الفكرة وطريقة العمل
الفكرة بسيطة للغاية ونموذج ممتاز لكيفية مساعدة الإنسانية المعذبة بدلا من تعذيبها عن طريق العلم والتكنولوجيا، وهي تعتمد على توصيل الطعام المراد طهيه لدرجة الغليان على موقد عادي بحيث يختزن كمية من الحرارة، ثم وضعه في وعاء بلا نار يحتفظ فيه بالحرارة التي اكتسبها (المختزنة) كما هي لفترة طويلة، حتى يتم إنضاجه تماما.

ويتم عمل هذا الوعاء بأي شيء مثل سلة قديمة من الخوص، أو صندوق خشبي مهمل، المهم أن يكون الوعاء من مادة غير موصلة جيدا للحرارة، ويبطن بمواد عازلة ليحفظ الحرارة.. في كينيا يستخدمون أوراق أشجار الموز، أو خرق الملابس البالية القديمة، وأخيرا يغطى الوعاء بغطاء من مادة بولي إيثيلين الجاف المقاوم للحرارة.

هذه هي الفكرة والطريقة، وهي شديدة البساطة كما ترون، وتطهى عليها أطعمة مثل البقوليات من فاصوليا أو لوبيا، ويمكن طهي أرز لذيذ عليه، أو إنضاج بطيء للذرة، وبذلك يتمكن الناس من ترك الأطعمة ليتم نضجها بلا خوف من النار، ويذهبون لأعمالهم لتحصيل القوت وكسب الرزق، أو الخروج لتدبير شئون حياتهم.. الحاصل هو إنقاذ الوقت الثمين من إنفاقه على الطهي.

خبراء الطهي يقولون يكفي أن يغلي قدر طهي الطعام ثم يتم تخفيض النار تحته حتى تصبح كنار شمعة؛ لأن الطعام وصل بالفعل لدرجة الغليان ولن يزيد على ذلك، وما يحتاجه هو أدنى كمية حرارة تحافظ على الحرارة المكتسبة؛ وهذا ما تحققه الفكرة السهلة الممتنعة هذه، وبها يتم توفير 40% من الوقود اللازم لإتمام عملية نضج الطعام.

أذكر أن حديثا للرسول صلى الله عليه وسلم نهى فيه عن ترك النار في البيت ليلا، والكثير من ربات البيوت يتركن طعاما في القدور فوق النار طوال الليل لإنضاجه، أو ربما يحتجن للخروج من المنزل ولا يستطعن بسبب انتظار نضج الطعام على النار، وبتنفيذ هذه الفكرة لا داعي لذلك.

 

كينيا تطهو على موقد بلا نار!
كينيا تطهو على موقد بلا نار!

مزايا كثيرة متنوعة
لا شك أن تلك الفكرة الجميلة تنطوي على كثير من المزايا ليس أقلها موافقة واحدة من أفضل طرق الطهي عن طريق الإنضاج البطيء والغليان الرفيق فيما يعرف باسم simmering، وأجود أنواع اللحم هو الذي يتم إنضاجه بهذه الطريقة على مدار ست إلى ثمان ساعات متصلة، يخرج بعدها اللحم من القدر كالزبد.

– تحسين صحة الأطفال وسكان الدار، فلا استخدام لوقود هنا على الإطلاق أو للخشب أو الحطب، ولا وجود للدخان أو الغازات السامة (بالتراكم) الصادرة عن مختلف أنواع المواقد التي تستخدم الوقود الحفري، وهي ميزة مفيدة للجهاز التنفسي.

ومن المؤسف أن نعرف أن الإحصاءات تشير إلى وفاة نحو 1.5 مليون نسمة سنويا بسبب الدخان الصادر من المواقد المنزلية بمعدل 20 نفسا كل ثانية، أي أكثر من وفيات الملاريا على سبيل المثال.

– خلق فرص للمرأة العائلة التي لا تريد هدر وقتها في الطهي لساعات طويلة؛ مما يتيح لها وحتى لغير العائلة إما الخروج للكسب والعمل، أو استثمار الوقت في شيء أكثر فائدة.

– خفض استهلاك الوقود بمعدل 40%، وتقليل الاعتماد على المواقد الأخرى، وتوفير نفقاتها.

– في الأماكن التي يندر فيها الماء الصالح للشرب وحتى بشكل عام سوف يتم توفير نحو 25% من الماء اللازم لطهي الطعام، واحتفاظ الطعام بطراوته وعناصره الغذائية التي تتلف مع النار الشديدة المباشرة، والتمتع بنكهاته التي غالبا ما تفقده إياها الحرارة العالية.

– وأخيرا.. يعتبر هذا النوع من المواقد موقدا صديقا للبيئة ومحافظا عليها، أي “موقدا أخضر” يعتمد على “تقنية خضراء” لا تبهظ البيئة والغابات والطبيعة، بل تصادقها.

المصدر: إسلام أون لاين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى