معظم مناهج التعليم التقليدي , هذه الأيام , تبدأ بخزان فارغ من الوقود , وهي خلو من أي قوة محفزة , أنها تبدأ بشحنك بالمعلومات : قبل أن تجهزك بآلية عمل تستطيع من خلالها استخدام هذه المعلومات من اجل الوصول إلى الهدف … أي إلى النجاح .
ومن الواضح , انه في بدايات الحياة البشرية , فإن النجاح لم يكن من الممكن تعريفه عن طريق استعمال العبارات المتخصصة العائدة إلى مهن محددة , وهكذا كان على تعريف النجاح أن يتدرج ابتداء من المفهوم البدائي للقدرة على العمل : وانتهاء إلى أوسع مفهوم يمكن أن يحيط به الخيال , والدرجة هذه تعتمد على الدرجة التي وصلت إليها البشرية من أطوار نموها.
لكن ذلك لا يؤثر في الفرضية المنطقية القائلة : بأن هنالك ضرورات أولية يجب ان تتقدم على كل عملية تعليمية وثقافية :
الأولى منها : هو انه يجب أن يجري إلهامك وتنويرك بالحقائق المنطقية والواقعية التي من شأنها أن تقنعك بأنك غير قادر على النجاح فحسب , بل انك سوف تحققه فعلا , إن هذه الضرورة هي كناية عن الشرارة التي تشعل الوقود في قاعدة الصاروخ لكي يرتفع صاروخك الموجه , هذا , نحو النجاح .
وما لم يكن هنالك ثمة شرارة : فأنك ستبقى جاثما على الأرض . إن هناك الكثير من الأرواح الجاثمة لان أحدا ما لم يقدم لها شرارة الإلهام .
أما الثانية منها : فهي وجوب أن تكون متحفزا للبحث عما يجب أن تعرفه , وما يجب ان تعمله , لكي يتأكد نجاحك , فالحوافز من شأنها أن تحول الإلهام إلى طاقة نشاط , لكن العمل والنشاط , مهما كان الإلهام نحوه ساميا إنما يمكن له إن يكون جيدا , كما يمكن له أن يكون رديئا , إذ انه ليس بالأمر الجيد ان تمتطي ببطولة صهوة جوادك ثم تنطلق به بحمية في الاتجاه الخاطئ .
وهكذا فأن الإلهام يجب أن يحفزك بما فيه الكفاية : لكي تصبح مستعدا لدفع الثمن العائد لنجاحك , فيما يتعلق بهدفك المحدد سلفا , وإلا فأنك تكون كمن يقوم بجمع الحقائق التي لن يقوم باستعمالها في المستقبل .
وكل ما تنشده من الحياة , يقتضي منك أن تدفع ثمنا محددا له , ليس بالنقود ضرورة , مع أن النقود أكثر ما تكون مشمولة بالأمر , لكن هذا ليس الأمر ذي الأهمية الرئيسية , لان كل إنسان قد يقدر على الحصول على الكمية التي يحتاج إليها من المال , إن الأهمية تكمن في الأشياء الأخرى المشمولة في ثمن النجاح , وهي الأشياء التي يتوجب عليك أن تكون جاهزا لأدائها مثل التضحية الشخصية بالوقت والجهد والدراسة , والتخطيط , والبحث , والسعي , والعمل . أن الثقافة التقليدية : تفشل أيضا في تقديم الحوافز التوجيهية الكافية إلى جانب الحقائق .
أما الثالثة والأخيرة , من الضرورات التي يجب أن تكون – إلى جانب الضرورتين السابقتين ( الإلهام والتحفيز ) سابقة لأي علم أو ثقافة فهي انه :
ينبغي أن يكون لديك وصفة بسيطة للنجاح , تستطيع أن تلجأ إليها , بيسر وسهولة , حتى تتمكن من تحقيق أهدافك في الحياة , انه لأمر غير معقول : كيف أن الناس يجهلون استعمال هذه الوصفة وتطويرها , إنني لم اسمع بكلية أو جامعة أو معهد أو مدرسة مهنية , تقوم بتعليم طلابها وصفة للنجاح : حقيقية , وأصيلة , وصالحة للصمود في وجه الأزمات , مع إن هذه الوصفة ما هي إلا واحدة ( مثلها في ذلك مثل الإلهام والتحفز ) من الضرورات الأساسية الثلاث التي يجب أن يبدأ بها العمل التعليمي التثقيفي .
إن السلطات , على جميع المستويات , الفدرالية , الحكومية , المحلية : منهمكة في جميع أنواع البرامج التعليمية والتدريبية , من اجل رفع مستوى التقدم والنجاح في صفوف الفئات الفقيرة , لكن هذه البرامج , ذات التمويل الحكومي , التي تستهلك ملايين الدولارات من أموال المكلفين بدفع الضرائب : لا تبدأ أبدا بتزويد هؤلاء المعدمين بالضرورات الأساسية الثلاث , التي يجب تزويدهم بها قبل بدء تلقيهم الدروس , حتى يصبح لهذه الدروس معنى وهدف .
قم بالاختبار البسيط التالي :
دقق في الصور التي يبثها التلفزيون لأفراد الطبقات المعدمة , بينما هم يتحركون في حياتهم العادية اليومية : وسترى كيف أنهم يعيشون حياتهم بلا هدف ولا أمل , بل في حالة من الكلل والعجز والفقر , ثم قم بطرح الأسئلة التالية على نفسك :
1- هل الطبقة الكادحة هي ملهمة للتسلح باعتقاد ايجابي يوحي لكل من أفرادها : بأنه يستطيع ان يعمل شيئا ما , وانه سوف ينجح بالتأكيد في اجتباء نصيبه الكامل من ثروة مجتمعنا الوافرة ؟
2- هل الطبقات الكادحة هي محفزة لكي تبحث أولا عما تحتاج لان تعرفه ولان تفعله من اجل الحصول على النجاح ؟ وهل ان أفرادها يتعلمون ويمارسون تلك الحوافز في الوقت الراهن ؟
3- هل يملك أفراد الطبقات الكادحة وصفة بسيطة مؤكدة للنجاح , يستعملونها الآن وباستمرار , لكي تقودهم مباشرة إلى دروب النجاح , لكي يتمكنوا من تحقيق مختلف أمانيهم ؟
إذا لم يكن أفراد الطبقات الكادحة مزودين , في الوقت الحاضر و بهذه الضرورات الابتدائية الثلاث للنجاح , فما السبب في ذلك ؟ ومن المسئول ؟ ولم لا يجري تصحيح هذا الوضع الخاطئ حالا وفورا ؟
م . ر . كوبماير
ترجمة : حليم نسيب نصر