آثر أيمن عبد ربه، الموظف في سلطة جودة البيئة بنابلس، تحويل منزل عائلته إلى متحف للتدوير بدل أن ينتقل للعيش في بيت الطفولة، فقرر تبديل أحلامه، وتدشين أول متحف تعليمي للبيئة وفنون التدوير فيه.
وقال إن الدافع الأساسي لفكرته، فشل المؤسسات ذات العلاقة بمساعدته في تحقيق حلمه، وتأسيس معرض تدوير يساهم في نشر ثقافة احترام البيئة، بحيث يقدم للأطفال وللمعلمين إرشادات عملية عن كيفية تحويل كل النفايات لوسائل تعليمية.
ويقع المعرض، الذي افتتحه عبد ربه، في مسقط رأسه قوصين، غربي نابلس، ويتكون من غرفتين بمساحة 80 مترَا، وساحة مفتوحة تنتشر على مساحة 700 متر، وهو المنزل الصغير ذاته، الذي تزوج فيه قبل انتقاله مؤقتًا لنابلس.
300 نموذج
ولم يخفِ أيمن، 46 عامًا، الذي قضى 14 منها في سجون الاحتلال، “خيبة أمله” من عدم وجود رعاية لمهاراته وتطوعه، الذي بدأها قبل سنوات، وسعى إلى تتويجها بمكان واحد يستضيف كل أعماله، وفاقت اليوم 300 نموذج، صممها بنفسه من مواد وخامات كانت متجهة إلى حاويات القمامة.
وأشار إلى أن تجربته الاعتقالية، ساعدته في تكوين “فكره الخاص”، فاستغلال بقايا الأواني والطعام والأوراق في سجون الاحتلال، لصنع تحف ومجسمات ومسابح، ثم بعد نيل الحرية؛ لتجميل المدارس، والحدائق، والأرصفة، والتخلص من النفايات.
وقال بابتسامة؛ إنه يستقبل الزوار من الصباح الباكر، وحتى الرابعة مساءً، ويخصص جزءًا من وقته لتنسيق مواعيد الزيارات لطلبة المدارس والجامعات والمعلمين والمهتمين بالبيئة والإعلاميين.
واستعان عبد ربه بمثل شعبي للتعبير عن تجربته” ما بحك ظفرك مثل جلدك”، للدلالة على عدم حصوله على المساعدة من أحد، وأفاد بأنه سخّر ماله وجهده في تجهيز المعرض بمرحلته الأولى، ويستعد للانتقال إلى جزء آخر من بيت عائلته، ليتحول إلى معرض كبير.
ذرائع وعقبات
وأفاد بأنه “فشل في إيجاد مكان عام للمعرض”، لعدم استجابة المؤسسات التي عمل معها متطوعًا عدة سنوات في إيجاد مكان مناسب، بالرغم من تقديمه عدة كُتب لجهات مختلفة، لكنه كان يقابل دائمًا بـ”الاعتذار”، أو ” تكرار ذريعة عدم وجود قانون بهذا الأمر” أو “التهرب بعدم الاختصاص”.
وتابع عبد ربه إن “الإحباط لازمه منذ البدايات”، لكن إرادته القوية جعلته يصمد ثماني سنوات في ميدان العمل، ولا يخفي شعوره بالمرارة، خاصة لوجود الكثير من المؤسسات التي نشأت لمساعدة المبدعين، ورعاية أصحاب المبادرات الريادية.
حقق أيمن العديد من الانجازات في تدوير إطارات السيارات، ووجه جزءًا كبيرًا من عمله إلى المدارس، وساهم في إنشاء مئات الحدائق الزراعية والبيئية، وأسس منتزهات في أحراش طوباس، وقفين بطولكرم، وتطوع في تجميل حديقة الاستقلال برام الله.
20 ألف إطار
ويحتفظ عبد ربه بأرقام تتحدث عن مساهماته في تدوير الإطارات، فقد عقد 215 دورة استفاد منها 4758 متدربًا، وأمضى 1323 ساعة تدريب، واستهلك 20100 إطار، ووصلت أنشطته إلى 86 مدرسة، و13 مؤسسة، وحرشين، وحديقة عامة.
ووفق إحصاءاته، فقد نفذ 56 تدريبًا عمليًا في الإطارات بنابلس، و37 بطولكرم، و13 في طوباس، و3 في أريحا، وتدريب وحيد في بيت لحم، و19 في جنين، وكان نصيب سلفيت 10، ومثلها لقلقيلية، و50 لرام الله، و10 لضواحي القدس، و6 للخليل.
وبيّن عبد ربه أن السبب الرئيس لاهتمامه بالتدوير “حالة الفوضى في إلقاء المخلفات، والسلوك السلبي للمواطنين”، فيما يسعى للمساهمة في نشر ثقافة احترام البيئة بأسلوب عملي وفني وتدريب عملي.
وقال بفرح إنه جهز حديقة جميلة في إحدى المدارس لطلبة الصف الأول، فأسرعت طفلة لاحتضانه، ورددت عبارة “شكرًا عمو أيمن”، تبعها طلبة الصف الذين التفوا حوله، واحتضنوه جميعًا.
لم تمنع الإصابات العديدة عبد ربه من المضي قدماً، فأصيب في يده 7 مرات، وصار يلازمه” الدسك” في الظهر والرقبة، واللافت أن أيمن يستعمل أدوات بسيطة كالمقصات والمشارط والأسلاك، والكثير من الجهد.
ووفق عبد ربه، فإن التفاعل العام في البيئة كان مفاجئًا، وخاصةً في صفوف الراغبين بتعلم الإطارات، وكان يتلقى سنويًا قرابة 300 إتصال، تطلبُ تنفيذ تدريبات من قبل مدارس ومؤسسات، لكن لضيق الوقت لم يستجب سوى لنصفها.
منزل أيمن عبد ربه متحف لفنون التدوير منزل أيمن عبد ربه وقد حوله إلى متحف تعليمي للبيئة وفنون التدوير
وقال: “مشروعي المستقبلي الاهتمام بالمعرض، وتوسعته، وتثبيته، وتعميمه وتحقيق أهدافه”. وأفاد بأن أعظم تشجيع حصل عليه هو السعادة التي ارتسمت على وجوه طلبته، بعد إنجاز التمرينات، والاحتفال بالشكل الجديد.
وأوضح عبد ربه، بأن أمنيته: “تحقيق حلمه القديم الجديد”، وإنشاء معرض دائم يساهم بترسيخ اخلاق المحافظة على البيئة، ويترك أثره بالتخلص من النفايات واستبدالها بزراعة الأزهار.
وقال إن تأثيره في المدربين كان يترجم باهتمامهم بالتعلم، وحرصهم على التواصل معه، وسعيهم لإنتاج نماذج تعليمية في وقت قياسي.
ويعتقد عبد ربه أن روح العمل التطوعي لا زالت حاضرة، لكن “المأزق الذي يلاحقها” غياب خطط مستدامة، وضعف الثقافة البيئية.
وخلص إلى رغبته بمشاهدة قرارات حكومية تُشجع أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين على إنشاء مشاريع بيئية لتدوير الإطارات، والبلاستك، والكرتون، النفايات الصلبة، والتخلص السليم من النفايات، وهذا يتطلب وضع التسهيلات أمام المستثمرين في البيئة.
المصدر: آفاق البيئة والتنمية