بنك المعلوماتالمجلة

كتاب يوجه نشوء الفكر السياسي الإسلامي وتطوره من الأمه إلى دولة

“نشأة الفكر السياسي الإسلامي وتطوّره”.. كتاب يقودنا من الأمّة إلى الدولة

 

 

 

 

يبدأ الدكتور محمد جبرون، بتعريف السلطة بشكل عام، وما هي الغايات التي إذا فقدتها السلطة، تصبح لونا من ألوان العنف. ثم يناقش النظرية السياسية الإسلامية، بدراسة نشأتها في العهد النبوي، ثم تتبع آثارها وتطوراتها في العصور اللاحقة.

يتناول الدكتور جبرون في الفصل الأول من الكتاب، نشأة الكيان السياسي الإسلامي، بدءا بوثيقة المدينة؛ فيتناول أبعادها السياسية، كذلك التحديات المتعددة التي واجهتها الوثيقة. ثم يناقش تطور شرعية السلطة في المدينة، سواء من خلال علاقتها باليهود، أو العرب خارج المدينة. كما يعرج الكاتب على بعض الجوانب الاجتماعية لسلطة النبي محمد صلى الله عيه وسلم في المدينة.

في القسم الثاني من الفصل الأول، يتناول جبرون هياكل ومؤسسات دولة الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة. وبإسقاط عصري، يشير الكاتب إلى طبيعة هياكل الدولة، كالسكان والحدود ورئاسة الدولة. وهنا يتم شرح رئاسة الدولة من خلال طبيعتها غير المعقدة، وجانبها الشوروي عند قائد الدولة، رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم يمر الكتاب بمؤسسات الدولة كالجيش والقضاء والولايات.

ثم يختم الكاتب الفصل الأول بخلاصة، ينبه فيها إلى الجوانب التي ينبغي التنبه لها في بنية الدول الإسلامية في وقتها المبكر. فينبه جبرون إلى “ـنّ استناد السلطة في المجال الإسلامي إلى المرجعية القيمية الإسلامية، لا يعني بحال من الأحوال سلب هذه السلطة وصفها المدني”(64). وفي مقابل هذه الفكرة يرى جبرون أن ” التحول الكبير الذي وقع في الفكر السياسي الإسلامي، ارتبط بظهور قاعدة (( العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب))، التي ترتبت عليها حقائق فقهية وتشريعية متعارضة مع التاريخ”(64).

في الفصل الثاني، ينتقل الكاتب إلى دراسة خصائص وسمات الفكر الإسلامي السياسي قبل التدوين. وبداية، تُدرس مظان ملامح الفكر السياسي في هذه الفترة، كالأمثال والخطب وآراء المتكلمين الأوائل، على سبيل المثال. ثم ينتقل الكاتب إلى دراسة سمات الفكر السياسي قبل التدوين، التي يمكن أن تقدم كالآتي:

  • عدم الاستقلال المعرفي: حيث لم تتم معالجة الفكر السياسي قبل التدوين بطريقة مستقلة، بل جاءت مختلطة مع غيرها من فروع المعرفة الأخرى.
  • غلبة التداول الشفاهي: حيث تستند دراسة الفكر السياسي في هذا العصر إلى الرواية وتخضع لشروطها، وأفضل مثال على ملامح ذلك خطب علي بن أبي طالب “نهج البلاغة”.
  • الارتباط بالبيئة وعادات العرب السياسية: حيث “إن جزءا مهما من الفكر السياسي الإسلامي في هذا الطور المتقدم، توسل بعادات العرب في يالتعبير” (96).
  • التأثر بالمحيط الثقافي: يتضح ذلك من آثار نظم الدولتين الساسانية والرومانية على الدولة الإسلامية الوليدة. كذلك تداخل ثقافات الشعوب التي دخلت تحت سيطرة الدولة الإسلامية؛ فظهرت الأفكار النابعة من ثقافات تلك الشعوب، بما فيها التصورات السياسية.
  • العفوية المنهجية: والمقصود بذلك طبيعة وجود النص والاستدلال به في المفاهيم السياسية قبل عصر التدوين.

يختتم الدكتور جبرون الفصل الثاني باستنتاجات توضح طبيعة المفاهيم السياسية في عصر ما قبل التدوين. فيؤكد، مثلا، على أنّ هذا العصر لم يكن خلوًّا تمامًا من “العبارات السياسية”. كما شهد الفكر السياسي الإسلامي شيئا من التطور والتنوع في هذه المرحلة.

يتناول الفصل الثالث من الكتاب “تدوين الفكر السياسي الإسلامي”، حيث يتم دراسة هذه المرحلة من زاوية “نشأة العلاقة بين الوحي والسياسة”. يشير جبرون في هذا الفصل إلى ضرورة دراسة الفكر السياسي الإسلامي في سياقه الحضاري والثقافي. فقد شهد هذا العصر حدة الصراع المذهبي والأيديولوجي. كما شهد العالم الإسلامي تحولات ثقافية واجتماعية حادة. ثم يتناول أثر السياسة العباسية في تدوين الفكر السياسي في هذه المرحلة المهمة.

يقدم جبرون بعدها دراسة تحليلية لبعض نصوص الفكر السياسي الأولى. فيناقش الخطاب السياسي لدى مختلف الطوائف الإسلامية في ذاك العصر، كالإمامية والزيدية وأهل السنة، بالمفهوم السياسي العام لأهل السنة حينها، الذي قد يقدم المعتزلة كجزء من هذا الخطاب. يدرس الكاتب أنواع الخطاب السياسي لدى الفرق الإسلامية، كتعبير (عقدي) أو (كلامي) عن النظرة السياسية لدى هذه الطوائف. يسجل الدكتور جبرون ملاحظات موجزة توضح كيف شكّل عصر التدوين الفكر السياسي لدى الفرق الإسلامية الآنفة الذكر.

ويخلص جبرون إلى أنّ نظريات الإمامة، التي تشكّلت وتطوّرت في عصر التدوين “هي من جهة؛ انعكاس لشكل وطبيعة الصراع على السلطة السياسية في المجال الإسلامي، ومن جهة أخرى؛ انعكاس للثقافات الداخلة للإسلام مع أهاليها” (140). ومن هذا المنظور ينبغي قراءة الفكر السياسي الإسلامي في عصر التدوين، كما يرى جبرون، تعبيرا سياسيا للإسلام في سياقات وعبر مفاهيم ثقافية متعارضة، وليس “تعبيرا موضوعيا عن السياسة والإمامة في الإسلام، بصورة مجرّدة عن الأهواء والمصالح” (141).

ينتقل الدكتور جبرون من الفكر السياسي بوجهه الكلامي إلى الوجه الفقهي لهذا الفكر. وأول ملاحظة لدى جبرون هو أنّ ما قام به عصر التدوين في هذا المجال، كان فضل تجميع وتنظيم الآراء الفقهية السياسية، التي كانت من قبل مبثوثة ومتفرقة في مختلف الأبواب الفقهية (143). ويرى الكاتب أنّ الفقه السياسي في عصر التدوين، بدأ بتدوين فقه الخراج ثم فقه القضاء وانتهى إلى ما يعرف في التراث الفقهي الإسلامي، بالأحكام السلطانية.

يتناول جبرون هذه المجالات الثلاثة ويناقش أهم مظاهرها، ليخلص بأنّ الفقه السياسي بأطواره الثلاثة الآنفة الذكر، هو “فقه سنّي بامتياز، صدر وتطوّر بجهود ثلّة من فقهاء أهل السنة والجماعة، الذين لم تكن لديهم مشكلة مع الدولة الإسلامية في صيغتها الأموية والعباسية” (154). ويختتم جبرون هذا القسم بالمرور على الفكر السياسي من وجهته الأخلاقية والفلسفية. فيتناول ما عرف بـ(الآداب السياسية) وأهم الكتب في هذا المجال، ودور ذلك في تبلور الفكر السياسي في عصر التدوين. ثم يتناول الكتاب الوجهة الفلسفية للفكر السياسي الإسلامي وأهم أطروحاته في عصر التدوين؛ كالأفكار السياسية عند إخوان الصفاء أو الفارابي على سبيل المثال.

يعرج جبرون، في القسم الأخير من الفصل الثالث، على تغلغل الأثر الفارسي في الثقافة الإسلامية عمومًا، في عصر التدوين، والفكر السياسي خاصة. يبدأ الكاتب دراسته للأثر الفارسي بمناقشة مكانة النص في الطرح السياسي الإسلامي. ويلاحظ بأنّ الفكر السياسي الإسلامي في عصر التدوين تحوّل من المرجعية العقلانية والنزعة المصلحية، المتمثلة في بعض مواقف عمر بن الخطاب، إلى نزعة تنصيصية انتشرت لدى مختلف الفرق الإسلامية. ولا ينسى جبرون الإشارة إلى خطورة اعتبار هذا (التفورس) الثقافي، كما يسميه، دينا يتبع، كما نشهد ذلك في بعض النظريات السياسية المنتشرة اليوم عندنا المسلمين.

يختتم الكتاب بفصل عن الفكر السياسي الصوفي؛ حيث يناقش جبرون الأثر الصوفي في الفكر السياسي الإسلامي، خصوصا كما هو موجود عند أمثال الإمام الغزالي وغيره. كما يناقش هذا الفصل مدى ارتباط بعض الثورات، خصوصا في المغرب الإسلامي، كثورة أبي قسي بالتصوف وتعبيرها عن الاتجاه الصوفي. ويدرس هذا الفصل الإصلاح الصوفي في غالبه، باعتباره إصلاحًا من الداخل وليس العكس.

يقدم الدكتور امحمد جبرون في كتابه “نشأة الفكر السياسي لإسلامي وتطوره”، دراسة تتبع فيها نشأة الفكر السياسي في الإسلام وأطواره، التي مر بها خلال العصور المختلفة. كان لهذا الطرح التاريخي، الذي قدم في الكتاب، فائدة إظهار المؤثرات وكذلك التحولات في الفكر السياسي الإسلامي. وفي الكتاب أبحاث أقر المؤلف بأنها بحاجة إلى دراسات أوسع؛ كالتحول من نزعة اعتبار المصالح إلى النزعة التنصيصية، التي تناولها في القسم الأخير من الفصل الثالث. ولعله من الخير أن يسأل نفسه، إذا كتب بحثا عن الموضوع، ما الأسباب التي أفضت إلى مثل هذا التحوّل؟ وهل لنشأة الدولة واستقرارها دور في مثل هذه التحوّلات؟

كما تناثرت في الكتاب نظرات وملاحظات ممتازة، في بعضها قراءة مختلفة للتراث الفكري السياسي عندنا المسلمين. لعل قراءة الفكر السياسي الإسلامي في سياقاته المختلفة، التي أتقنها جبرون هنا  بجدارة وإن أتى ذلك باقتضاب، تقود إلى نظرة شاملة تبتعد عن النظرات الأحادية، التي تناولت هذا التراث السياسي في كتب السابقين. كما تقدّم التفرقة، التي عرضها جبرون، للفكر السياسي الإسلامي في اتجاهاته المختلفة؛ الكلامي والفقهي والأخلاقي والفلسفي، فرصا للبحث وإعادة النظر في مفاهيم، ربما اختلطت مجالاتها عند بعض من تناول الفكر السياسي الإسلامي اليوم.

نقلا عن “التقرير”

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى