نقاط مضيئهمبدعون

يحيى باركنسون.. الأب المؤسس للشعر الإسلامي البريطاني

على الرغم من الظروف القاهرة التي وجد يحيى باركنسون نفسه فيها يتما وفقرا، إلا أن الله كأنه قد وهبه شعلة من النور الوقاد فأضاءت عقله وقلبه.. فكان نهما في تحصيل المعارف المتنوعة، متدفقا في الكتابة شعرا ومقالا، سابحا في ملكوت الله قراءة فيما أودعه الله في الطبيعة في الأرض والسماء، متأملا ومتفكرا في الفلسفات والعقائد حتى هداه الله للإسلام، فكأن روحه وعقله قد وجدا أخيرا بغيتهما فانسابت منه الإبداعات، فخرجت في شكل قصائد ومقالات وكتب ومحاضرات في موضوعات شتى، وعلى الرغم من نسيانه زمانا طويلا إلا أن أعمالا حديثة لباحثين مسلمين وغير مسلمين عادت لتذكره وتحيي ذكره، إنه الشاعر والكاتب الأسكتلندي جون يحيى النصر باركنسون John Yehia-en Nasr Parkinson (1874 – 1918) الذي كان أحد حواريي عبد الله كويليام – مؤسس أول مجتمع مسلم في ليفربول– ولو على بعد.
يحيى باركنسون.. الأب المؤسس للشعر الإسلامي البريطاني
يحيى باركنسون.. الأب المؤسس للشعر الإسلامي البريطاني

مولد يحيى باركنسون

ولد جون يحيى باركنسون في 17 فبراير من عام 1874 في مدينة كيلوينينج التاريخية الصغيرة، التابعة لأيرشاير في اسكتلندا لأبوين من الطبقة العاملة المهاجرة من أيرلندا، وعندما كان عمره 7 أشهر فقط توفيت والدته، وهجره أبوه، تاركا إياه في رعاية أجداده لأمه، الذين ألحقوه عندما بلغ السن بمدرسة ليتعلم، وكما كتب عبد الله كويليام في رثائه فقد ” كان جون صبيًا مجتهدًا، وكان يُنظر إليه على أنه أكثر التلاميذ اجتهادًا وذكاءًا في المدرسة التي التحق بها”، ولكن نظرا لظروف جدوده، وتحديدا في عام 1887، اضطر لترك المدرسة وعمل بمصنع كبير لغزل الصوف، لكنه واصل دراسته في المساء، لا سيما في التاريخ الاسكتلندي والجغرافيا والفلسفة والأديان واللغات وعلمي الفلك والنبات. وبعد ثلاث سنوات، وتحديدا في عام 1890، توفي أجداده، ومن ثم تُرك لمواجهة العالم بمفرده وهو في سن 16 عاما.

يحيى باركنسون.. شغف ونهم بالمعرفة

عن شغفه ونهمه المعرفي وقدرته العقلية، ينقل لنا عبد الحكيم مراد في مقدمته لمختارات من قصائده أن جون يحيى باركنسون استأذن جاره في وضع تلسكوب في حديقة منزله ومن ثم أراه عددا من الأجرام السماوية، وفي المقابل علمه جاره الدكتور إيه. ميلروي اللغات اليونانية والمصرية القديمة والعربية، حيث استطاع في فترات قصيرة إجادتها. كما كان لجون شغفا بالنبات أيضا حيث كتب للصحف المحلية عن نباتات آيرشاير، التي كان يجول في حقولها ووديانها وغاباها في غير أوقات العمل في المصنع.
فضلا عن ذلك فقد تابع جون دراسة علم الفلك والرياضيات بحماس لدرجة أنه انتخب في عام 1896 عضوًا في الجمعية الفلكية البريطانية، وفي عام 1900 ساهم ببعض المقالات الشيقة في مجلة “أردروسان وسالكواتس” المحلية. والتي أصبح فيما بعد مساهمًا منتظمًا فيها.
يحيى باركنسون.. الأب المؤسس للشعر الإسلامي البريطاني
يحيى باركنسون.. الأب المؤسس للشعر الإسلامي البريطاني

يحيى باركنسون والفروسية

إضافة إلى ذلك كان لجون مطالعته في التاريخ والأدب، وطور مع الوقت شغفا وحبا للبطولة والفروسية في تاريخ استكلندا وتاريخ الشرق، وكان للبطولة والفروسية نصيبا كبيرا من أعماله الشعرية وكتاباته لاحقا، ومع نمو شغفه بالشرق طور جون يحيى باركنسون وجهة نظر عن الإسلام باعتباره دينا طبيعيا للإنسان الأصيل وهو دين يرغب في المشاركة الكاملة في هبة الحياة، ويصر على حقوق الذكور والإناث، ويحث على النظر في الطبيعة، النباتية والفلكية على حد سواء، كدليل على وجود الله، وأن القرآن كتاب يقدم دينًا منطقيًا وإنسانيًا. ومع هذه الرؤية للعالم كهدية من الله، وبقراءته الواسعة والمنفتحة، كان قبوله للإسلام مجرد مسألة وقت.

تاريخ إسلام “يحيى باركنسون”

وعلى الرغم من أننا لا نستطيع تحديد التاريخ الدقيق لإسلامه، إلا أنه في مقال له نشره عام 1914 يشير إلى أنه اتصل لأول مرة بمجتمع كويليام في ليفربول في عام 1901، أي في عامه السابع والعشرين، ومنذ ذلك الوقت فصاعدا، كان مشاركًا منتظمًا وكبيرًا في جريدة كويليام ، “ذا كريسنت”، وصحيفته “إسلاميك وورلد”، كما قام بإلقاء ثلاث محاضرات في الفلك في معهد مسلمي ليفربول.
وقد ساعد كل ذلك في بناء سمعته ككاتب، وشاعر، وساعده على مد شبكة علاقاته إلى مسلمي الهند، وإلى مجتمع مسجد ووكينج قرب لندن، وقد بدأ في نشر عدة مقالات وقصائد في صحف الهند وبورما، كما نشر عده كتب بداية من عام 1904، وحتى عام 1913، منها كتبه: الفروسية الإسلامية Muslim Chivalry ونشره في رانجون عام 1909، مقالات في الفلسفة الإسلامية Essays on Muslim Philosophy والذي نشره في رانجون عام 1909 أيضا، وكتابه عن الإمام الغزالي Al-Ghazali، ونشره مسجد ووكينج عام 1913.

يحيى باركنسون والعمل فى غزل الصوف

وكما يقول الباحث البريطاني المسلم “يحيى بيرت” فقد عمل باركنسون تقريبًا طوال حياته البالغة في غزل الصوف مع إقامة لمدة عامين في بورما كنائب لرئيس تحرير في إحدى الصحف في رانجون بين عامي 1908 و1910، إلى أن أجبره اعتلال صحته على العودة إلى اسكتلندا. ومع انهيار معهد ليفربول الإسلامي خلال فترة وجوده في الخارج، أصبح باركنسون نائبًا لرئيس الجمعية الإسلامية البريطانية (التي أعيدت تسميتها لاحقًا باسم الجمعية الإسلامية لبريطانيا العظمى) التي يديرها مجتمع مسجد ووكينج Woking Mosque وكان يرأسها اللورد هيدلي، وقد توفي في البلد والبيت الذي ولد فيه في اسكتلندا في ديسمبر من عام 1918 بعد نوبة قصيرة من الالتهاب الرئوي.

يحيى باركنسون في طي النسيان

وقد ظل باركنسون في طي النسيان إلى حد كبير حتى انتعاش الاهتمام بأعماله مؤخرا بين المؤرخين بما في ذلك تيموثي وينتر/ أو عبد الحكيم مراد (كامبريدج)، ويعقوب زكي (اسكتلندا) وبرنت دي سينجلتون (كاليفورنيا)، حيث أعاد سينجلتون مؤخرًا نشر عدد من قصائد باركنسون في مختارات من قصائد المسلمين الذين اعتنقوا الإسلام خلال الفترات الفيكتورية والإدواردية المتأخرة في كتابه The Convert’s Passion (2009)، كما قام عبد الحكيم مراد بنشر مختارات منها في “أغاني إسلامية من الجزر البريطانية” Muslim Songs of the British Isles (2005).
د. مجدي سعيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى