لا يعد اسم (ألفريد راسل والاس Alfred Russel Wallace ), اسمًا مألوفًا بأي حال من الأحوال، لكنه أحد الأشخاص الذين غيروا العالم. فعقب تعافيه من إصابته بنوبة من حمى الملاريا في جزيرة هالماهيرا الإندونيسية النائية، توصل عالم الأحياء البريطاني الشاب إلى فكرة من شأنها أن تغير نظرة الإنسان لذاته؛ حيث تمكن من وضع نظرية الانتقاء الطبيعي.
كتب ألفريد والاس فكرته وأرسلها إلى تشارلز داروين، الذي كان يعمل في نفس المجال ويفكر في نظرية تطور مماثلة لأكثر من عقد من الزمان، آملًا في أن يساعده داروين على نشر نظريته. ولكن حين قرأ داروين نظرية والاس أصابه الرعب، فكتب نظريته الخاصة على عجل. لتُرسل كلا النسختين لأعضاء جمعية Linnean العلمية في عام 1858.
ومع ذلك، لجأ داروين لعلاقاته للتأكد من قراءة نظريته أولًا وتبع ذلك بنشر كتابه على الفور، مما عزز من سمعته الشهيرة كرجل تحدى الإله، بينما لم يهتم والاس بذلك، وبدا سعيدًا بالسفر والدراسة وكتابة المقالات عن كل ما يشغله.
الحياة المبكرة
وُلد ألفريد والاس في قرية لانادبوك الويلزية، بالقرب من أوسك، مونماوثشاير. كان الثامن بين تسعة أطفال لتوماس فير والاس وماري آن جرينيل. كانت ماري آن إنكليزية وكان توماس والاس من أصل اسكتلندي. عائلته، مثل العديد من العائلات التي تحمل اسم والاس، ادعت وجود صلة قرابة مع ويليام والاس، قائد القوات الاسكتلندية خلال حروب الاستقلال الإسكتلندي في القرن الثالث عشر. تخرج توماس والاس في القانون لكنه لم يمارس المهنة مطلقًا. كان يمتلك بعض العقارات المدرة للدخل، لكن استثماراته السيئة ومشاريعه التجارية الفاشلة أدت إلى تدهور مستمر في الوضع المالي للعائلة. كانت والدته من عائلة إنكليزية من الطبقة المتوسطة من هيرتفورد، شمال لندن. عندما كان والاس في الخامسة من عمره، انتقلت عائلته إلى هيرتفورد. التحق هناك بمدرسة هيرتفورد للقواعد حتى أجبرت الصعوبات المالية أسرته على إخراجه منها عام 1836 عندما كان عمره 14 عامًا.
انتقل والاس بعدها إلى لندن للعيش مع شقيقه الأكبر جون، وهو تلميذ بنّاء يبلغ من العمر 19 عامًا. كان الانتقال تدبيرًا مؤقتًا حتى أصبح وليام، أخوه الأكبر، قادرًا على توظيفه مسّاحًا متدربًا. أثناء وجوده في لندن، حضر ألفريد محاضرات وقرأ الكتب في معهد لندن للميكانيكا (بيركبيك الحالي، جامعة لندن). تعرض في المعهد للأفكار السياسية الراديكالية للمصلح الاجتماعي الويلزي روبرت أوين إضافة إلى أفكار توماس باين. غادر لندن عام 1837 للعيش مع وليام والعمل كمتدرب معه لستّ سنوات.
في نهاية عام 1839، انتقل الاثنان إلى كينغتون، هيرفورد، بالقرب من الحدود الويلزية، قبل أن يستقرا في النهاية في نيث في جلامورجان الويلزية. بين عامي 1840 و 1843، قام والاس بمسح للأراضي في ريف غرب إنجلترا وويلز. بحلول نهاية عام 1843، تراجعت أعمال وليام بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، فغادر والاس البالغ من العمر عشرين عامًا في شهر يناير.
إحدى نتائج سفرات والاس المبكرة كانت الجدال حول جنسيته. بما أنه وُلد في مونماوثشاير، اعتبرت بعض المصادر أنه ويلزي. ومع ذلك، فقد شكك بعض المؤرخين في صحة ذلك الادعاء لأن أيًا من والديه لم يكن ويلزيًا، وعائلته عاشت لفترة وجيزة فقط في مونماوثشاير. اعتبره الويلزيون الذين عرفهم في طفولته انكليزيًا، ولأن والاس نفسه أشار باستمرار إلى أنه إنكليزي وليس ويلزي، صرّح أحد العلماء أن التفسير الأكثر منطقية هو أن والاس كان رجلًا إنكليزيًا وُلد في ويلز.
بعد فترة وجيزة قضاها دون عمل، عُين معلمًا في مدرسة كوليجيت في ليستر ليدرّس الرسم ووضع الخرائط والمسح. قضى والاس ساعات عديدة في مكتبة ليستر: قرأ مقالًا عن مبدأ السكان بقلم توماس روبرت مالتوس، وفي إحدى الأمسيات التقى بعالم الحشرات هنري بيتس. كان بيتس حينها يبلغ من العمر 19 عامًا، وفي عام 1843 نشر ورقة عن الخنافس في مجلة زولوجيست (عالم الحشرات). أصبح صديقًا لوالاس وبدأ في جمع الحشرات معه. توفي ويليام في مارس من العام 1845، وترك والاس منصبه التدريسي ليتولى إدارة شركة شقيقه في نيث، لكنه وأخاه جون فشلا في المهمة. بعد بضعة أشهر، وجد والاس عملًا كمهندس مدني لشركة قريبة كانت تعمل على إجراء مسح لسكك حديدية مقترحة في وادي نيث.
تضمن عمل والاس في الاستطلاع قضاء الكثير من الوقت في الهواء الطلق في المناطق الريفية، ما سمح له بالانغماس في شغفه الجديد بجمع الحشرات. أقنع والاس شقيقه جون بالانضمام إليه في تأسيس شركة أخرى للهندسة المدنية والتصميم المعماري، والتي نفذت عددًا من المشاريع بما في ذلك تصميم مبنى لمعهد نيث ميكانيكس، الذي تأسس عام 1843. أعجب وليام جيفونز، مؤسس المعهد، بوالاس وأقنعه بإلقاء محاضرات هناك في العلوم والهندسة. في خريف عام 1846، اشترى ألفريد وشقيقه جون كوخًا بالقرب من نيث، عاشا فيه مع والدتهما وشقيقتهما فاني (توفي والده عام 1843).
خلال هذه الفترة، قرأ ألفريد بشره، وتبادل الرسائل مع بيتس حول أطروحة روبرت شامبرز المنشورة دون اسم للكاتب عن التاريخ الطبيعي للخليقة، وحول كتاب تشارلز داروين “سفر البيغل”، وحول مبادئ تشارل لييل للجيولوجيا.