استوحى قصائده من التراث العربي، وعكست أعماله الأحداث السياسية التي عاصرها خاصة نكسة 5 يونيو عام 1967م التي استطاع أن يعبر عنها بأروع القصائد، كان شاعرا ومثقفا عروبيا تأثر بأحلام العروبة وصُدم بانكساراتها، وعبرت قصائده عن البيئة الجنوبية التي ولد ونشأ فيها وعن أهلها وعاداتهم وتقاليدهم.
ولد امل دنقل في عام 1940 بقرية “القلعة” بمحافظة قنا في صعيد مصر، واسمه الكامل أمل فهيم أبو القسام محارب دنقل، كان والده عالماً من علماء الأزهر, حصل على “إجازة العالمية” عام 1940, وأطلق اسم “أمل” على مولوده الأول تيمناً بالنجاح الذي أدركه في ذلك العام فقد أمل دنقل والده وهو في العاشرة من عمره، فأصبح وهو في هذا السن مسؤولاً عن أمه وشقيقيه.
إلتحق أمل بمدرسة “قفط” الابتدائية الحكومية التي أنهى بها دراسته عام 1952م ثم التحق بمدرسة “قنا” الثانوية حيث زامل هناك مجموعة من الرفاق صار منهم فيما بعد الشاعر والمثقف والصحفي والسياسي وكان من أقرب أصدقائه إلى نفسه “عبد الرحمن الأبنودي” شاعر العامية الشهير و”سلامة آدم” أحد المثقفين البارزين فيما بعد و كان لهم الأثر الأكبر في تحويل مجرى دراسته الثانوية من القسم العلمي للقسم الأدبي.
بعد حصوله على الثانوية العامة عام 1957م التحق بكلية الآداب في القاهرة في العام التالي لكنه انقطع عن متابعة الدراسة منذ العام الأول ليعمل موظفاً بمحكمة “قنا” وجمارك السويس والإسكندرية ثم موظفاً بمنظمة التضامن الأفرو آسيوي, لكنه يترك العمل نهائياً وتفرغ لشعره منذ عام 1971م.
عاصر أمل دنقل أحلام العروبة والثورة المصرية مما ساهم في تشكيل نفسيته وقد صدم ككل المصريين بهزيمة مصر في الخامس من يونيو عام 1967م وعبر عن تلك الصدمة في رائعته “البكاء بين يدي زرقاء اليمامة”، ومجموعته “تعليق على ما حدث “.
وشاهد دنقل بعينيه النصر في عام 1973م وضياعه, وصرخ مع كل من صرخوا ضد معاهدة السلام, ووقتها أطلق رائعته “لا تصالح” والتي عبر فيها عن كل ما جال بخاطر كل المصريين، ونجد أيضاً تأثير تلك المعاهدة وأحداث يناير 1977م واضحا في مجموعته “العهد الآتي” وكان موقفه من عملية السلام سبباً في اصطدامه بالسلطات المصرية خاصة وأن أشعاره كانت تردد في المظاهرات على السن الآلاف، وعبرت قصائد أمل دنقل عن مصر وصعيدها وأهله، ونجد هذا واضحاً في قصيدته “الجنوبي” التي ضمتها آخر مجموعه شعرية له والتي تحمل عنوان “أوراق الغرفة 8”.
وعرف القارئ العربي أشعار أمل دنقل من خلال ديوانه الأول “البكاء بين يدي زرقاء اليمامة” عام 1969م الذي جسد فيه إحساس الإنسان العربي بنكسة 5 يونيو عام 1967م، وأكد ارتباطه العميق بوعي القارئ ووجدانه، وتوالت دواوينه الشعرية بعد ذلك وهي “تعليق على ما حدث”، “مقتل القمر”، “العهد الآتي”، “أحاديث في غرفة مغلقة”، وله مجموعة شعرية كتبها خلال فترة مرضه، وهي بعنوان “أوراق الغرفة رقم 8″، وقد جمع شعره في ديوان واحد بعنوان “ديوان أمل دنقل”، وقد استوحى الشاعر قصائده من رموز التراث العربي، رغم أن السائد في هذا الوقت هو التأثر بالميثولوجيا الغربية عامة واليونانية خاصة.
وفي عام 1979م أصيب أمل دنقل بمرض السرطان لكنه كان صاحب إراده عالية فى صراعه مع المرض، ودخل المستشفى للعلاج، وكان لا يملك مالاً وبدأت حملة لعون الشاعر من قبل الأصدقاء والمعجبين، وكان أولهم “يوسف إدريس” الذي طالب الدولة بعلاج أمل على نفقتها، ولكن الدولة لم توافق فقام أصدقاءه بحملة لمساعدته فطلب أمل منهم التوقف عن تلك الحملة.
وفي يوم السبت 21 من شهر ابريل عام 1983 توفي هذا الشاعر الموهوب في القاهرة بعد أن ترك وراءه قصائد مازالت محفورة في وجدان الشعب المصري والعربي، ودفن بمسقط رأسه فى مدينة “قفط” فى مقابر أسرته وأقيمت له جنازة بسيطة بحسب وصيته التى كانت أقصر وأشهر وصية فى التاريخ الأدبى المعاصر حيث كانت الوصية من سطرين فقط لا غير قال فيهما امل : “لا حزن ولا بكاء فقد حزنت وبكيت فى حياتى ما يكفى .. أوصيكم بأن تكتبوا على قبرى هذا قبر فلان ابن فلانه بن فلان وكل من عليها فان”