مبدعونشخصيات فنية

أحمد فؤاد نجم .. العامي المشاكس

صاحب وعي سياسي، ومواقف عبر عنها في قصائده التي دفعت به إلي المعتقلات لما فيها من نقد لاذع لرموز السلطة، وهو واحد ممن صدموا بهزيمة الخامس من يونيو عام 1967م والتي رأى فيها البعض نهاية لأحلام العروبة فتصدي لهذه النظرة الانهزامية بقصائده التي دخلت قلوب المصريين .

ولد الشاعر المصري الكبير أحمد فؤاد نجم بقرية عزبة بالصعيد المصري في 29 مايو عام 1929م من أم فلاحة، وأب كان يتقلد منصب ضابط شرطة، لكن تم عزله، فاشتغل موظفاً بوزارة المالية ثم فلاحاً في أرض كان يمتلكها قبل أن يتوفى ويترك احمد في السادسة من عمره.

 

أحمد فؤاد نجم
أحمد فؤاد نجم

بعد وفاة والده وجد نجم نفسه أمام الفاقة والعوز، فانطلقت رحلة المتاعب الطويلة مع الألم والمرارة التي كان يعيشها الشعب المصري، حيث اشتغل في البداية خادماً في بيت عمه الذي كان قاسياً عليه مما أدى به إلى الانصراف عنه ، فعمل في معسكرات الجيش البريطاني متنقلاً بين مهن عديدة : كواء ، بائع سجائر ، بناء.. وغيرها، والتقى بعمال المطابع الشيوعيين في مدينة فايد التي كان يحتلها الإنجليز فاحتك بهم، وعلم نفسه القراءة والكتابة، ومن هنا بدأ وعيه السياسي في التبلور والتشكل، حيث شارك مع آلاف الجماهير الغاضبة في المظاهرات التي عمت مصر عام 1946م، وبدأت تداعبه “هواية ” كتابة الشعر والخواطر خاصة أنه كان يتمتع بذاكرة قوية وصوت جميل، كما درس نجم أشعار أحمد رامي وأحمد شوقي .

ومن عام 1951م إلى عام 1954م عمل في السكك الحديدية، ثم نقل إلى وزارة الشؤون الاجتماعية حيث عمل ساعياً للبريد، وعن هذه المرحلة يقول “كنت أعيد اكتشاف الواقع بعد أن تعمقت رؤيتي وتجربتي، وشعرت حينئذ رغم أني فلاح وعملت بالفأس لمدة ثمان سنوات أن حجم القهر الواقع على الفلاحين هائل وغير محتمل، وكنت أجد في الواقع المصري مرادفات قوية لما تعلمته نظريا.

وفي عام 1959م انتقل احمد فؤاد نجم من عمله في البريد إلى النقل الميكانيكي في العباسية، وأصبح موظفاً بأحد المكاتب، حيث لفقت له تهمة تزوير شيك بمبلغ 24 ألف جنيه فاعتقل يوم 14 نوفمبر عام 1959م، ووضع لمدة 33 شهرا بسجن ارميدان في القاهرة، وفي السجن توقف تماما عن كتابة الأغاني العاطفية عن الهجر والبعد وشعر أن للكتابة وظيفة أخرى وخاصة الشعر.

اهتدى احمد فؤاد نجم إلى بيرم التونسي ووجد في أعماله إجابة عن السؤال المقلق والمحير: كيف ولماذا يكتب الشعر ، وفي عام 1961م ومن داخل السجن أصدر ديوانه الشعري الأول “صور من الحياة والسجن “الذي يعتبر بداية الانطلاقة الحقيقية لنجم بعد أن كانت جل أعماله وإبداعاته عبارة عن أغاني إذاعية حول كرة القدم والصراع التاريخي بين فريقي كرة القدم الأهلي والزمالك.

وفاز هذا الديوان بالجائزة الأولى في مسابقة نظمها “المجلس الأعلى للفنون والآداب” بعد أن أثار نقاشاً داخل المجلس، حيث كان الأديب عباس محمود العقاد ضد شعر العامية، لكن تصدى له ودافع عن نجم كل من بيرم التونسي ومحمد فريد وسهير القلماوي، ومن خلال الإصدار الأول لشاعرنا اتضح حسه السياسي الطبقي وفي عام 1962م خرج من السجن، وعمل موظفاً في مؤتمر التضامن الأسيوي الإفريقي.

وفي مايو من نفس العام التقى عن طريق سعد الموجي بالفنان العصامي الشيخ إمام محمد عيسى، وهنا بدأت رحلة الفنانين مع الأغنية الملتزمة التي أطربت الجماهير الكادحة طوال أكثر من عقدين من الزمن رغم كل أسباب الحصار والاحتواء المتنوعة التي فرضت عليها ، وكانت أول أغنية جمعتهما هي “أنا أتوب عن حبك أنا”. وبسرعة نفذ الإبداع الرائع، والفن الجميل إلى قلوب الملايين التي كانت تعيش القمع والرعب في مختلف أنحاء العالم العربي ويعتبر عام 1967م بداية الانطلاقة الحقيقية لتجربة الثنائي، وتزامن هذا مع حدثين هامين هما:

نكسة حرب 5 يونيو ، حيث كتب قصيدة بقرة حاحا رداً على تلك النغمة الانهزامية التي قادتها جريدة الأهرام حين قدمت “منطقاً متكاملاً ” يقول أن مصر الفقيرة المتخلفة ليس في مقدورها أن تناطح الثور الأمريكي، لهذا جاءت “بقرة حاحا” المسلوبة نطاحة رغم كل شيء، فكانت رداً شعبياً من موقع الجرح الغائر ضد الذين يريدون تغلغل الهزيمة وتكريسها.

وكان الحدث الثاني هو اغتيال المناضل الكوبي ارنستو تشي جيفارا ؛ والذي كان يرى فيه نجم رمزا أممياً، ونموذجاً متكاملاً لتكامل الفكر والممارسة، يشحن معنوياته ويشعره بالاطمئنان الداخلي لعدالة قضيته، ثم توالت بعد ذلك اعمال نجم الابداعية وواصل مسيرته في كتابة الشعر حتى هذه اللحظة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى