ينشأ مرض الجدري نتيجة للعدوى بفيروس ينتقل من المصابين إلى الأصحاء ويظهر في صورة طفح جلدي على هيئة بثور. بعدذلك تتكون قشرة على البثور وحين تسقط تكون قد تكونت تحتها ندبة مستديمة. الجدري مرض ليس له علاج.
كان يسبب موت 20% من المرضى وال 80% الباقيين كانوا يصابوا بتشوهات مستديمة ومنهم من كان يصاب بالعمى. كابوس الجدري أنتهى في عام 1796، حين استطاع الطبيب الإنجليزي إدوارد جينرأن يتوصل لأول لقاح ضد الجدري. وبحلول أربعينيات القرن الماضي، اختفى الجدري من أوروبا وأمريكا الشمالية.وفي عام 1967، بدأت منظمة الصحة العالمية في تنظيم حملة للقضاء عليه. وكانت آخر إصابة بالجدري تم تسجيلها في الصومال في عام1977.
إدوارد جينر.. الطبيب الذي قضى على وباء الجدري اللعين
ولد إدوارد جينر في بيركلي في إنجلترا يوم 17 مايو عام 1749، والده كان قسيسا وكان ترتيبه الثامن بين تسعة أطفال. توفى والده وهو في الخامسة وتولى أخوه الأكبر الذي كان قسيسا أيضا تربيته.وهو في الرابعة عشر بدأ في ممارسة الطب كمتدرب مع جراح شهير أسمه دانييل لودلو وخلال 7 سنوات كان قد أكتسب الخبرة الكافية وأصبح جراحا ماهرا لكن مع ذلك تابع دراسته في علم التشريح.
كان جينر مفتونا بالحكايات القديمة لربات البيوت عن الفتيات اللاتي يحلبن الأبقار ولم يصبن بالجدري أبدا. الحكاية كانت تمر على الناس مرور الكرام لكن جينر وقف عندها ووضع أحتمال وجود علاقة بين حقيقة أن الفتيات كن يصبن بنوع ضعيف جدا من الجدري لا يهدد الحياة (جدري البقر) والذي كان يكون لديهن مناعة ضد الجدري نفسه. جدري البقر كان يظهر على هيئة بثور على جلد أيدي الفتيات واستنتج جينر أن الصديد في تلك البثور هو ما كان يكسب الفتيات مناعة.
طور جينير تجربة نظرية وأختبرها على طفل عمره 8 سنوات اسمه جيمس فيبس. أخذ بعض من الصديد المستخرج من بثور يد “سارة” واحدة من الفتيات اللائي يحلبن الأبقار وحقن جينر جسم جيمس ببعض هذا الصديد. وكرر هذه العملية عدة أيام متتالية وكان كل مرة يزود تدريجيا كمية الصديد المحقونة في جسم الطفل. بعد ذلك حقن جيمس بالجدري. أصيب الطفل بالإعياء لكن بعد عدة أيام شفي تماما من دون أي أعراض جانبية. وهنا أدرك جينر أنه قام باكتشاف مذهل.
في عام 1797 كتب جينر ورقة علمية بالتجربة التي قام بها وقدمها للجمعية الملكية التي علقت على الورقة بأن الكشف ثوري للغاية ويحتاج المزيد من التجارب للإقرار بصحته وبالفعل قام جينر بتجربته على العديد من الأطفال ومن بينهم أبنه االذي كان يبلغ من العمر 11 شهر. وفي عام 1798 تم نشر الورقة وصك جينر لفظ “فاكسين” أو لقاح.
تعرض جينر للنقد الشديد من المجتمع خصوصا من رجال الدين والذين كانوا رافضين فكرة حقن أنسان بمواد مستخرجة من حيوان مريض، لكن النتائج التي حققها اللقاح ضد وباء الجدري اللعين كانت أقوى من تخوفات رجال الدين.
اكتشاف جينر كان ناجحا لدرجة أن الحكومة في عام 1840 قامت بحظر أي علاج ضد الجدري إلا اللقاح الذي أكتشفه جينر. أبحاثه المستمرة على اللقاح منعته من ممارسته العادية للطب. ولقد تلقى الدعم والتشجيع من زملائه ومن الملك في برلمان الالتماسات، وخصصوا له منحة قدرها 10,000 جنيه في عام 1802 نظير عمله على اللقاح. في عام 1807، تم منحه 20,000 جنيها أخرى بعد إعلان كلية الجراحين الملكية عن الفاعلية الواسعة للقاح.
في عام 1821 تم تعيين جينر كطبيب شخصي للملك جورج الرابع وهو شرف لم يحصل عليه سوى عدد قليل جدًا من الأطباء في إنجلترا.
توفى جينر في سن 73 عاما حين أصيب بجلطة دماغية تسببت في حالة من الشلل لنص جسمه الأيمن. توفى بعد ما أنقذ العالم من وباء الجدري باللقاح الذي أكتشفه والذي لم يرغب في تسجيله كبراءة أختراع حتى لا يرتفع سعره وكان أغلى هدية يمكن أن يقدمها طبيب للبشرية.