ليس من السهولة أن يتميز المرء في مجال معين وإنما يتطلب منه الكثير من الجهد والإرادة والمثابرة حتى يصل إلى مرحلة التميز، وكثر هم العلماء الذي تمكنوا من الوصول إلى مرحلة التميز من خلال مبدأ الجهد والمثابرة، لكن قلة منهم من تمكنوا من اجتياز الحد الفاصل بين النظري والعملي، ليس العملي المرتبط بمجالات تخصصهم بل الجانب العملي الذي يرتبط بتفعيل دورهم تجاه المجتمع، إذ أن العالم عندما يكتفي بتحقيق تميزه العلمي فقط يحقق نجاح في حياته المهنية، لكن عندما يتمكن من الجمع بين تخصصه العلمي وواجبه الاجتماعي يكون هنا قد حقق مبدأ التوازن في الحياة، وحقق مبدأ النجاح الحقيقي على المستوى العلمي والعملي.
الدكتورة رنا الدجاني أحد هذه النماذج النادرة التي تمكنت من خلال مبدأ الجهد والمثابرة أن تحقق تميزها العلمي، لكنها في نفس الوقت أيضاً تمكنت من تفعيل دورها العملي المتمثل بانخراطها في الأنشطة الطوعية المجتمعية سواء على مستوى تخصصها أو على مستوى احتياجات المجتمع.
رنا الدجاني: في سطور
هي عالمة أردنية متخصصة في مجال بيولوجيا الخلية، وتتركز اهتماماتها البحثية في مجال اشارات الخلية، ولدت لأسرة أردنية أحبت العلم وغرست حبه في نفوس أبنائها، لذا لم يكن من المستغرب أن تتميز الدكتورة رنا الدجاني في مجال العلوم فقد تعلمت حب العلم والعلوم من منذ طفولتها من خلال توجيه وتشجيع أسرتها لها ولأخوتها السبعة.تخرجت من كلية العلوم قسم الأحياء والتكنولوجيا الحيوية من الجامعة الهاشمية، بعد ذلك حصلت على الماجستير من نفس الجامعة عام 1992، ثم حصلت على الدكتوراه فى البيولوجيا الجزئية من جامعة آيوا- في الولايات المتحدة الأمريكية.
بدأت رنا حياتها المهنية كمحاضرة فى جامعة فيلادلفيا في الأردن (1992-1994)، ثم عملت كمعلمة فى اكاديمية عمان بالأردن (1995-2000) ،ثم باحث مساعد فى جامعة آيوا (2000-2005) واستاذ مساعد فى الجامعة الهاشمية (2005-2013 )، وتعمل حالياً كأستاذ زميل فى الجامعة الهاشمية منذ 2013 وحتى الآن.لم تقتصر الحياة المهنية للدكتورة رنا الدجاني في التدرج فى الوظائف الأكاديمية بل تولت ايضاً مناصب عديدة على مستوى المملكة الأردنية والعالم العربى بشكل عام، ومنها : المستشار للمجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا، أستاذ مشارك وكانت المدير السابق لمركز الدراسات البحثية بالجامعة الهاشمية بالأردن، وهى ايضًا زائر سابق لمركز الخلايا الجذعية، وكتبت من قبل فى مجلة العلوم و الطبيعة عن النساء فى العالم العربى، وهى عضو فى فريق جمعية المرأة للأمم المتحدة فى الأردن، وأمام تنوع جهودها وخبراتها لم تهمل الدكتورة الدجاني تخصصها العلمي إذ أنها تهتم بالبحث فى دراسات الروابط على نطاق الجينوم المتعلقة بمرض السكري والسرطان في الأردن، وفي نفس الوقت لا تهمل واجباها المجتمعية على مستوى ونطاق العمل الطوعي.
بين العلم والعمل المجتمعي
أمام تميزها العلمي اختيرت الدكتورة رنا الدجاني ضمن أهم عشرين امرأة مسلمة أكثر نفوذ وتأثير في العالم من قبل مجلة مسلم ساينس، وجاء اختيار العالمات المؤثرات نظير أعمالهن الهامة في مجالات البحث العلمي، والتدريس الجامعي، لما لهن من جهود بناءة في دعم قضايا المرأة العربية والمسلمة في مجالات العلوم والتكنولوجيا، والنشاطات المتنوعة لهن في حقول العلوم، والتعليم، والبحث، ونشاطهن الكبير في دعم المرأة الأكاديمية كباحثة، وعالمة، ومؤثرة في محيطها، وطلابها، ومجتمعها، ووسطها الأكاديمي، شملت القائمة – زمنياً- ثلاث مراحل هي الفترة من أعوام: 1980-2000 وهي فترة السيدات المؤثرات الرائدات، والفترة الثانية من: 2000-2020 السيدات صانعات التأثير، ثم الفترة الأخيرة من: 2020-2040 وهي السيدات العالمات الصاعدات أو البطلات الناشئات وهي الفترة التي تضم الدكتورة الدجاني.
ورغم تميزها العلمي وانشغالها به لم تهمل الدكتورة الدجاني دورها الاجتماعي ويتضح ذلك من خلال كتابتها حول العلوم والنساء والتعليم في العالم العربي في مجلة science and nature التي تعتبر من أقوى وأهم المجلات العالمية في مجال العلوم، تم تعيينها آنذاك مستشارة للمجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا في الأردن، كما أنها سعت إلى تطوير التعليم فتم تعيينها كخبيرة في تطوير التعليم العالي لدى مكتب تمبوس الوطني وخبيرة استشارية للتعليم للبنك الإسلامي للتنمية في المملكة العربية السعودي، إضافة إلى تأسيسها مركز خدمة التعليم في الجامعة الهاشمية تحت عنوان service learning center، فكانت من خلاله داعية للتعليم باستخدام التعلم القائم على المشكلة وقراءة الرواية وتقديم المسرحية والفن، حيث نظمت أول شبكة للتناصح بين العالمات، سيما وأنها عضو في المجلس الأردني.
وفي مجال العمل الطوعي وضعت الدكتورة الدجاني برنامجاً مجتمعياً يهدف لتشجيع الأطفال على القراءة من أجل المتعة “نحن نحب القراء”، وحصلت هذه المبادرة على جائزة سينرجوس للمبدعين الاجتماعية في العالم العربي 2009 وعلى عضوية لينكتون العالمية المبادرة عام 2009 وشغلت مكانا في كتاب “الإبداع في التعليم”، الذي تموله دولة قطر، إضافة إلى جائزة الإبداع في التعليم 2014 من wise وأفضل أداء من مكتب الكونغرس الأميريكي 2013 ووسام الحسين من الدرجة الثانية 2014 .
وقد أدرج برنامج القراءة في سجل برامج اليونيسكو، حيث قامت بتدريب ما يزيد على 730 حكواتياً حتى يبدأوا بإنشاء مكتباتهم الخاصة في أحيائهم في مختلف مناطق الأردن، مبتدئة بحيها، حيث كانت تقرأ لأطفال الحي في المسجد، من خلال هذه المبادرة تمكنت الدكتورة رنا الدجاني من تأسيس330 مكتبة في مختلف مناطق الاردن، كما وصل تاثير هذه المبادرة إلى 21 دول أخرى منها: تركيا، المكسيك، تايلاند، أوغندا، أذربيجان والولايات المتحدة الأميركية.
تكريمات:
حصلت الدكتورة رنا الدجاني على عدة جوائز وتكريمات منها جائزة الملك حسين للسرطان والتكنولوجيا الحيوية 2009، حيث ركزت في ابحاثها الأخرى على الخلايا الجذعية والمعلومات الحيوية، وأسست لجنة لبحث ودراسة أخلاقيات استخدام الخلايا الجذعية في الأبحاث، متضمنة علماء شريعة وأطباء وعلماء العلوم الحياتية، سيما وأنها عضو في اللجنة الوطنية للخلايا الجذعية.
كما حصلت على جائزة peer award لمشروع الإرشاد للنساء العالمات three circles of alemat 2014، كما فازت مؤخرا في مبادرة نساء العلوم في الشرق الأوسط لعام 2015 من المكتب الإقليمي للبيئة والعلوم والتكنولوجيا والصحة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا woman hall of fame 2015.وقد تم اختيارها كواحدة من البطلات الناشئات اللاتي يتحملن مسؤولية دفع معدلات النمو الاقتصادي والاستقرار المجتمعي في الدول الإسلامية، معولين عليها قيادة قاطرة المستقبل، سيما وأنها نموذج مشرف يحتذى به من قبل الأجيال الشابة، صاحبة الطاقات والأفكار الابتكارية الملبية لاحتياجات المجتمعات والاقتصاديات في الدول الاسلامية.
خاتمة
أمام هذا النموذج المبدع تتجدد قناعتنا بأن المرأة المسلمة قادرة على أن تستعيد دورها الحضاري، وقادرة على أن تعاود نشاطها في مجال العلوم، لكن الدرس المتميز الذي ننهله من معين تجربة الدكتورة رنا الدجاني هو ضرورة التوازن والتكامل بين أدوارنا تجاه تخصصاتنا وتجاه الواقع، فلو اكتفت العالمة بتحقيق تميزها في جانب العلوم فقط ستحقق نجاحاً نظرياً ومهنياً، بينما إن تمكنت من كسر الجاز الفاصل بين النظري والعملي من خلال تطبيقها لمعرفتها وجهودها في واقعها ستتمكن من تحقيق النجاح والتوازن والسعادة في حياتها.