شخصيات أدبيهمبدعون

الإدريسي: صاحب المسالك والممالك

هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن إدريس الحمودي الحسني القرطبي، المعروف “بالشريف الإدريسي، ولد بثغر سبتة التي تقع شمال المغرب على مضيق جبل طارق سنة 493 هـ، وتوفي فيها على الأرجح سنة 560، تلقى علومه في قرطبة بالأندلس التي انتقل إليها واهتم بالجغرافية على وجه الخصوص فأبدع فيها، وهو يعد من أعظم علماء الجغرافيا والرحالة العرب، وله مشاركة في التاريخ، والأدب، والشعر، وعلم النبات.

طاف الإدريسي العديد من البلدان في الأندلس، والمغرب، والبرتغال، ومصر، وعرف سواحل أوروبا الغربية من فرنسا وإنجلترا، كما عرف القسطنطينية وسواحل آسيا الصغرى، وانتهى إلى صقلية، فاستقر في بلاط صاحبها، روجه الثاني النورماني، المعروف عند العرب باسم رجار، في بالرم، ومن هنا تلقينه بالصقلي. فاستعان به رجار، وكان من العلماء المعدودين في صنع دائرة الأرض من الفضة ووضع تفسير لها، ويبدو أن الإدريسي ترك صقلية في أواخر أيامه، وعاد إلى بلدته سبته حيث توفي.

ألف الإدريسي كتابه المشهور (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) الذي أصبح من أشهر الآثار الجغرافية العربية، أفاد منه الأوروبيون معلومات جمة عن بلاد المشرق، كما أفاد منه الشرقيون، فأخذ عنه الفريقان ونقلوا خرائطه، وترجموا بعض أقسامه إلى مختلف لغاتهم.

إسهاماته

وضع الإدريسي في كتابه (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) 70 خريطة عن العالم ظهرت دقتها مع مقارنتها بالخرائط التي كانت موجودة آنذاك، اعتبر فيها الإدريسي كروية الأرض في زمن ساد فيه الاعتقاد بأنها مسطحة.

وقسم الإدريسي النصف الشمالي للكرة الأرضية إلي سبع مناطق مناخية متباينة، ثم قسم كلا منها بدوره إلي عشر قطاعات متساوية في عدد خطوط الطول بها، ورسم لكل قطاع من هذه القطاعات السبعين خريطة مستقلة بحيث كونت الخرائط السبعون في مجموعها خريطة شاملة للعالم عرفت بخريطة الإدريسي وهي أدق ما وصل إليه علم الجغرافيا وفن رسم الخرائط حتى ذلك العصر، وتميزت هذه الخرائط بأنها كانت مبنية علي معرفة راسخة بكروية الأرض كما أنها تميزت بأنها توضح الملامح الجغرافية لأوربا بدقة غير مسبوقة في أي خريطة أخري كما أن هذه الخرائط كانت تظهر تفاصيل البحر المتوسط بدقة عالية غير مسبوقة .

ومن اسهاماته “كرته الفضية”، حيث صنع “لروجر الثاني” كرة من الفضة رسم علي سطحها خريطة العالم لتصبح بذلك ممثلة للكرة الأرضية وكان قطر الكرة يبلغ المترين طولا ووزنها يقدر بوزن رجلين، وقد فقدت هذه الكرة في عصر الجهل والتعصب التي سادت بعد عصر النورمان الأولين.

انتقد الإدريسي معظم المؤلفات التي ألفها أسلافه وعلق عليها وشرح الكثير من النقاط الغامضة فيها، كما أضاف وصفا لرحلاته حدد فيها منابع النيل والحيوانات المتواجدة في هذه المناطق وميز حدود البحيرات الاستوائية التي فشل كثير من العلماء فيها.

تمكن الإدريسي من قياس محيط الأرض فتوصل إلى أنه اثنان وعشرون ألفا وتسعمائة ميل وهو ما يعادل 42185 كيلو متر وهذا الرقم قريب من محيطها الحقيقي وهو 40068 كم.

إلى جانب الجغرافيا، كان الإدريسي مهتماً أيضاً بالطب والمنهج الطبي، فقد وضع جهوده العلمية في هذا المجال في كتاب أسماه “كتاب الأدوية المفردة” الذي وصف فيه الأدوية وخواصها مستخدماً اثني عشرة لغة .

مؤلفاته

من أهم مؤلفات الإدرييسي في الجغرافيا: كتاب “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق” والذي يعد أعظم أعمال الإدريسي ويطلق علي هذا الكتاب اسم “كتاب روجار” أو” الكتاب الروجاري” نسبة إلي الملك روجر الثاني الذي إلف الإدريسي كتابه في كنفه وأهداه إليه، وكتاب -كتاب “صفة بلاد المغرب”: عن جغرافية وأحوال بلاد المغرب، وكتاب “روضة الأنس ونزهة النفس” ولم يبق من هذا الكتاب إلا مختصره المعروف بـ “الإدريسي الصغير”.

ومن مؤلفات الإدريسي غير الجغرافية: ألف في الطب كتابه ” الأدوية المفرجة” الذي عدد فيه أسماء بعض العقاقير باثنتي عشر لغة، وفي علم النبات ألف الإدريسي كتاب” الجامع لأشتات النبات”.

موقف الغرب

على الرغم أن الإدريسي يعد أحد الأعمد الأساسية التي استندت إليها النهضة الأوروبية، إلا أنه لم يلاق من الغرب ذكرا لإسهاماته، وأنصفه “جاك ريسلر” في كتابه الحضارة العربية الذي قال فيه : لم يكن بطليموس الأستاذ الحقيقي في جغرافية أوربا، بل كان الإدريسي الذي ولد عام 1100م وتخرج من قرطبة، والذي عاش في باليرمو، فمصورات الإدريسي التي تقوم علي معرفة كروية الأرض كانت تتويجا لعلم المصورات الجغرافية في العصر الوسيط بوفرتها وصحتها وشمولها”.

ويقول “البارون دي سيلان” عن كتاب “نزهة المشتاق” للإدريسي: “إنه كتاب لا يقارن به أي كتاب جغرافي قبله وهو لا يزال دليلنا إلي بعض أنحاء الأرض”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى