ولد الباحث الفلسطيني “زيد العباسي”.. لأم وأب أميين, فبلغ العالمية بأبحاثه الطبية, عباسي باحث بدرجة بروفيسور وهو أحد المؤتمنين على إجراء أبحاث هامة جداً في مجال الأوعية الدموية وأمراض الكلى والمرشحة لأن تعود على البشرية جمعاء بالخير وقد وصل لقمة البحث الأكاديمي على جناحي الشغف بالعلم والإيمان بأنه “سلاح” للمستضعفين. نشأ زيد عباسي في أسرة فقيرة مهجرة من صفد ولوالدين أميين كرسا دم قلبيهما لتعليم أبنائهما.
هجرت عائلته عباسي من مدينة صفد أصلا وتقيم اليوم في قرية الجش المجاورة وهي ترتبط بعلاقة قربى مع عائلة الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وقت التهجير, انتقل جده مصطفى الحج علي العباسي من صفد لقرية الجش قبل النكبة بعدما تزوج جدته في الثلاثينيات وكان محبا لها، والده أحمد مصطفى عباسي، والدته رقية سعيد وهبي من سعسع ويضيف.
العائلة
خمسة أبناء وأربع بنات، بروفيسور مصطفى مؤرخ, محمود مهندس وعلي مهندس, وسميرة وأمينة معلمتان. لم يكن بمقدور والده تعليم الكل لضيق الحال مما دفعهم للاعتماد على الذات، فقد عمل بالبناء والترميمات، يستيقظ فجرًا قبل طلوع الشمس لإيمانه كبقية الناس وقتذاك أن الرزق يأتي مع اليقظة فجراً ولذا ناموا مبكرًا.
كان والده يستيقظ قبل طلوع الشمس وتعد له زوجته زوادته وينتظر باص صفد على البيادر في قرية الجش وقد كان خبيرا بالترميم للعمارة القديمة. عمل “زيد” معه أثناء الإجازات وأحيانا كان يترك المدرسة لمرافقة والده للعمل معه من باب المساهمة في إعالة الأسرة المباركة الأبناء.
وعن تلك التجربة يستعيد بروفيسور “زيد” بشعور من الحنين “ساعدت والدي في البناء لسنة واحدة قبل الالتحاق بالجامعة وقد تعلق بي كثيرا بعد القرب الدائم منه. عندما التحقت في معهد “التخنيون” في حيفا لدراسة العلوم الطبية اختلطت عليه المشاعر فمع فرحه لذهابي للجامعة دخل في حزن لبعدي عنه إذ كنت مضطرا للبقاء في حيفا لشهر وأكثر لصعوبة المواصلات وكلفتها العالية”.
تعلم ” زيد” من والده الجلادة والصبر والمثابرة أما والدته فكانت ربة بيت و”هي الأخرى أمية كوالدي لكنني معتز بهما وبسيرتهما وبوعيهما وبزراعة حب العلم لأبنائهما وعلى حساب لقمة العيش أحيانا”.
ويضيف زيد “صبر والدتي لا يوصف وحبها للناس كبير وملقاها لهم حميمي ولم تتخاصم يوما مع أحد. توفي والدي في 1992. كنت في الولايات المتحدة وقتها”.
ونظراً لعدم وجود مدرسة في قريته التحق بروفيسور زيد بالمدرسة الثانوية في بلدة الرامة وكانت مدرسة مهمة جداً بوركت بمعلمين طيبين يذكر منهم مديرها شكيب خنجر وكوكبة من المعلمين المخضرمين فيها: نافذ جاكي معلم الرياضيات وغطاس غطاس أستاذ التاريخ وسرحان سرحان معلم المدنيات وشكيب جهشان أستاذ اللغة العربية وخليا زهران معلم العبرية وسهيل عطا الله ونزيه قسيس معلما الإنكليزية وسمير خوري أستاذ البيولوجيا. “كل منهم ترك أثرا علينا. مع حبي للتاريخ والأدب قررت الالتحاق بالفرع العلمي كي أتماشى مع السوق والتطور والعمل”.
الموروث العلمي العربي
ويكشف د. زيد في مقابلته مع “القدس العربي” أنه مهتم جداً بالباحثين العرب والمسلمين في مجال التاريخ ومسكون بالشعور أن الموروث العلمي العربي الإسلامي تم تهميشه: الرازي، ابن سيناء، ابن رشد وابن الهيثم وغيرهم. وعن ذلك يقول “حتى اليوم وبفضل العرب تمت تسمية نصف الكواكب بتسميات عربية. الأرزقلي من أهم الباحثين العرب والمسلمين في مجال الفلك. مثل هذه المنجزات والنصوص الأدبية التاريخية تستهويني.
يضيف: كما يستهويني التاريخ العالمي. أنا شخصيا أتقاطع علميا مع الرازي وابن سينا وهو من أوائل من تنبهوا للبعد النفسي للمرض بقوله إن الوهم هو نصف الداء والإيمان نصف الدواء والصبر نصف الشفاء، وهذا تلخيص للطب الحديث”.
يستطرد بروفيسور زيد إن بعض الجامعات في الغرب التفتت لهم ولكن السياسة تلعب دوراً حتى هنا فيتم تغييبهم أحياناً ولذا يشدد على ضرورة وواجب إنصاف هؤلاء ومساهمتهم في الحضارة الإنسانية.
التاريخ والأدب
ويكشف زيد أنه عشق التاريخ والأدب لكن قدراته العلمية كانت عالية وكل من عرفه نصحه بتعلم العلوم ففعل لكنه بقي عاشقا للآداب عندما انتقل لتعلم العلوم الطبية في معهد العلوم التطبيقية (التخنيون) في حيفا.
وفي حيفا ولضيق الحال أقام مع شقيقه مصطفى الذي كان قد التحق بجامعة حيفا لدراسة التاريخ. وخلال دراسته العلوم الطبية كان زيد يقرأ مواد من مجالات أخرى: “كنت أقرأ كل كتاب جديد يأتي به مصطفى وشغفي بالثقافة هو بفضل أستاذي التاريخ سمير هاشول في الابتدائية وغطاس غطاس في الثانوية فقد تميزا بسعة المعرفة والأسلوب الشيق. حتى اليوم أنا محب للمعرفة في مجال التاريخ والآداب”.
علم الهرمونات
أنهى زيد العباسي اللقب الأول والثاني في التخنيون في مجال علم الهرمونات ومن ثم أتم الدكتوراه في الفيزيولوجيا (علم أعضاء الجسم) عام 1989. وما لبث أن عمل محاضرا لسنة محاضرا مساعدا في كلية الطب ثم سافر في 1990 للولايات المتحدة لمدينة “بيتسدا” (تحريف للاسم التوراتي بيت حسدا) لتعلم البوست دكتوراه في ولاية ميرالاند.
ويقول إنه درس في “المعاهد الوطنية الأمريكية للصحة” وهذه عبارة عن مدينة جامعية وفيها كل أنواع الفروع العلمية الطبية وممولة من الحكومة الأمريكية وفيها 20 ألف طالب ومحاضر وباحث. وتركت تلك التجربة الغنية عليه أثرا عميقا: “سافرت بعد زواجي من رفيقتي خولة عباسي لأنني كنت أفضل الزواج من سيدة عربية.
زوجتي من حيفا وعائلتها من الجش أصلا. بعد ستة شهور سافرنا وهذا قرار مهم جدا لأن الغربة صعبة وتحملت معي الغربة والسفر والقلة فقد خرجنا مع مبلغ مالي محدود وعيشة طلابية وقد عدت للوراء اقتصاديا من أجل هدف سام. كان يفترض البقاء هناك عامين ولكنني بقيت خمس سنوات.
رزقنا بأحمد وهو اليوم يعد دكتوراه في جامعة بريكلي في كاليفورنيا في الرياضيات. كان عاشقا للرياضيات رغم ميوله الكبرى للعلوم. حقق معدلا عاليا جدا في التخنيون: 97/99.
أول طالب في التخنيون من ناحية إنجازاته. سافر لأمريكا لاعتقاده أن بيركلي جامعة مرموقة جدا ومناخ كاليفورنيا ملائم. أما ابنتنا عبير فتنهي قريبا الماجستير في كلية الطب في التخنيون (علم الدماغ)”.
يقول بروفيسور عباسي في رد على سؤال حول حنينه لقريته الأم: “أسكن في حيفا، درست وأعمل هنا منذ 30 عاما، ولكن الحنين إلى الجش يغلب علي دوما – حياة القرية تجذبني دائما بهدوئها ومناظرها الخلابة وطيبة أهلها. أعمل منذ 25 عاما كباحث ومحاضر في التخنيون والمركز الطبي رمبام، حيث أهتم بمجال ضغط الدم المرتفع.
باحث ومحاضر
منذ 1995 يعمل بروفيسور زيد عباسي في كلية الطب كمحاضر وباحث في مستشفى رمبام (مستشفى حمزة التاريخي) في حيفا وبحوزته درجة أكاديمية هي الأعلى لعربي في مجال البحث ضمن كلية الطب.
وعن الدرجة العلمية يوضح أن هناك بروفسورا كاملا في مجال الطب السريري وهذه أقل من درجة بروفيسور كامل في البحث لأن طلباتها أكثر. وردا على سؤال يكشف زيد عباسي أن نسبة الطلاب العرب من فلسطينيي الداخل في كلية الطب تبلغ أحيانا 50% وأحيانا تهبط لـ20% ونصفهم بنات وأكثر في بعض السنوات.
الأجهزة الفيزيولوجية في الجسم
ويختص بروفيسور زيد في مجالات بحثية تدور حول الأجهزة الفيزيولوجية في الجسم: قصور القلب وضغط الدم المرتفع والكلى والأمراض المتعلقة بالأجهزة الفسيولوجية في الجسم. وفي هذا المضمار يوضح الأستاذ عباسي أن ضغط الدم المرتفع مرض شائع جدا خاصة لدى الفئات العمرية وأن 20% من البشر في العالم مصابون به وفي عمر 50 ترتفع النسبة إلى 50% وبعمر 80 تصبح النسبة 90% ويقول إن هذا نتيجة تصلب الشرايين والدهون والأكسدة. موضحا أنه عند البعض له أعراض مثل صداع وغباش في الرؤية وأسبابه متعددة: السمنة ونمط الحياة الخاملة واستهلاك مفرط للأملاح وطعام مصنع والتدخين وربما القهوة المفرطة (لفترة مؤقتة ترفع الضغط) وقلة المجهود البدني والرياضة وهناك عوامل وراثية.
ويشير بروفيسور عباسي إلى أن “فقط نصف المصابين بالمرض يتلقون العلاج، وفقط ثلثهم يتجاوبون معه. أي أن معظم المرضى لا يصلون إلى النتائج المرجوة وضغط الدم قد يسبب أمراضا قاتلة مثل الذبحة الصدرية- السكتة القلبية، الجلطة الدماغية، نزيف الدماغ، شتى أمراض الكلى، تصلب الشرايين، وغيرها من الأمراض”. وردا على سؤال يؤكد أن الرياضة مفيدة للروح والجسد وتؤدي لمرونة الأوعية الدموية ويتابع “لذلك أهالينا في المجتمعات الفلاحية خصوصا كانوا أكثر حركة وأقل مرضا بضغط الدم المرتفع. تقلص القلب يرفع الضغط وعند انبساطه ينخفض. 120/80 هذا هو الضغط السليم”.
السمنة والضغط المرتفع
ويتابع بروفيسور عباسي حديثه في رد على سؤال حول سبب انتشار ارتفاع ضغط الدم لدى المواطنين العرب فيقول: “ضغط الدم العالي شائع جدا في الوسط العربي. ويعود ذلك لعدة أسباب، منها أن طعامنا دسم وأصبحنا نركز على الوجبات السريعة، وكذلك انتشار السمنة الزائدة حتى عند صغار السن. فتبدأ المعاناة من أمراض السكري وضغط الدم بجيل مبكر”. ويحدثنا البروفيسور عباسي عن أحدث الابتكارات في عالم رصد ضغط الدم فيقول: “في السنوات الأخيرة يقوم الأطباء برصد ضغط الدم على مدار 24 ساعة بواسطة جهاز الهولتِر، بدل قياسه بشكل موضعي، والذي قد يؤدي إلى تشخيص خاطئ. يعطيك قياس الضغط طوال 24 ساعة صورة شاملة عن وضع ضغط الدم في الليل والنهار، وبالتالي يتيح لنا الاطلاع على الأوقات التي يرتفع فيها. وتعتبر هذه عملية ريادية في مجال التشخيص”.
العباسي وأبحاث ضغط الدم
ويوضح بروفيسور زيد عباسي أن فايروس الكورونا أشغله خاصة أنه يدرس إنزيم أيسي 2 وهو موجود في أغلب أعضاء الجسم ويضيف “كي يدخل الفايروس الجسم يحتاج لأن يتحد مع هذا الانزيم وعبره يدخل الخلية ويتكاثر من خلية لخلية وينتشر هكذا المرض.
كنت أبحث مفاعيل هذا الانزيم الطيب. لكنه في حالة الكورونا يتحول للعنة وهو حصان طروادة. واليوم ندرس آلية دخول هذا الفايروس وكيف يتحد مع الانزيم وكيف نغلق هذا الانزيم أمامه وتبدد هذا الانزيم المفيد عندما يأتي هذا الفايروس ونحن نحاول البحث عن طرق لمعالجة تبعيات اختفاء هذا الانزيم لأن الفايروس يزيله من الخلية وعندها يصبح هناك نقص في هذا الانزيم المفيد ونحاول البحث عن طرق علاجية لاستعادة التوازن للجسم من ناحية هذه المادة”.
وحتى الآن نشر عباسي ستة مقالات علمية حول ذلك وهو مستمر في تطوير علاج عقاقيري وليس تطعيما للكورونا لافتا لوجود علاج مقترح سيتم فحصه في عدة مستشفيات وحاز على تصريح وزارة الصحة وقريباً جداً سيبدأ بتناوله. حتى الآن يملك بروفيسور عباسي في سجله وجعبته أكثر من 120 بحثا في مجال ضغط الدم المرتفع وأمراض الكلى.