الحضارة الإسلامية : يعود اختراع الورق إلى الألف الثالث قبل الميلاد (حوالي 2700 ق.م) فقد اخترع المصريون القدماء مادة صالحة للكتابة، مع سهولة الحصول على هذه المادة بثمن في متناول الأيدي، وهي ورق البردي، وكان ذلك من أعظم الاختراعات في تاريخ البشرية.
وقبل ذلك كانت الكتابة (التي ظهرت في الألف الرابع قبل الميلاد) مقصورة على الحجر أو اللوحات الطينية والتي استخدمها السومريون وفضلوا الكتابة عليها ووجدوها أقرب إلى التداول، وأيسر في التكلفة من قطع الحجر، وهي لوحات مكونة من طمي نقي ناعم، ويصب في قوالب ذات أشكال متعارف عليها، فتخرج اللوحة على هيئة القرص مسطحة الوجهين، أو على هيئة ربع الدائرة مستوية السطح محدبة الظهر، أو على هيئة المستطيل، وقد تكون اللوحة على هيئة المخروط، وتترك على حالها، بعد الكتابة أو تجفف في حرارة عادية بحيث تكتسب صلابة مناسبة.
طور الصينيون هذه الصنعة باستخدام مادة ماسكة من الغراء أو الجيلاتين مخلوطة بعجينة نشوية ليقووا بها الألياف ويجعلوا الورق سريع الامتصاص للحبر.
ولكن الورق الصيني كان محدود الانتشار ولم يذع خبره في العالم القديم أو الوسيط حتى القرن الثامن الميلادي، حين عرف العرب أسرار صناعة الورق الصيني بعد فتح سمرقند عام 93هـ / 712 م.
أسس أول مصنع للورق في بغداد عام 178هـ / 794م، وقام بإنشائه الفضل بن يحيى في عصر هارون الرشيد، وانتشرت صناعة الورق بسرعة فائقة في كل أنحاء العالم الإسلامي، فدخلت سوريا ومصر وشمال أفريقيا وأسبانيا، وكان الناس يكتبون حتى ذلك الوقت على الرق والعسب واللخاف، ثم أمر هارون الرشيد، بعد أن كثر الورق، ألا يكتب الناس إلا في الكاغد .
وطور المسلمون صناعة الكاغد وأنتجت المصانع الإسلامية أنواعا ممتازة منه، ومن أشهر طرق صناعة الكاغد في العصور الإسلامية ما ورد في كتاب “عمدة الكتاب وعدة ذوي الألباب” وفيه يذكر مؤلفه الأمير المعز بن باديسي طريقة صناعة الكاغد من مادة القنب الأبيض وطريقته: “أن ينقع القنب ويسرح حتى يلين ثم ينقع بماء الجير ويفرك باليد ويجفف وتكرر هذه العملية ثلاثة أيام ويبدل الماء في كل مرة حتى يصبح أبيض ثم يقطع بالمقراض وينقع بالماء حتى يزول الجير منه ثم يدق في هاون وهو ندي حتى لا تبقى فيه عقد ثم يحلل في الماء ويصبح مثل الحرير ويصب في قوالب حسب الحجم المراد وتكون قطع الورق مفتوحة الخيطان فيرجع إلى القنب ويضرب شديدا ويغلى في قالب كبير بالماء ويحرك على وجهيه شديدا ويغلى في قالب كبير بالماء ويحرك على وجهيه حتى يكون ثخينا ثم يصب في قالب ويقلب على لوح ويلصق على الحائط حتى يجف ويسقط ويؤخذ له دقيق ناعم ونشاء في الماء البارد ويغلى حتى يفور ويصب على الدقيق ويحرك حتى يروق فيطلى به الورق ثم تلف الورقة على قصبة حتى تجف من الوجهين ثم يرش بالماء ويجفف ويصقل”.
وخلال عشرة قرون متتالية، وحتى تاريخ اختراع أول ماكينة ورق في القرن الثامن عشر الميلادي لم تتغير العمليات الأساسية المستخدمة في صناعة الورق.
وبالنسبة للورق الذي يستخدم فيه الحبر لأغراض الكتابة أو الطباعة، فإنه يتطلب معالجة إضافية بعد التجفيف، لأنه بدون هذه المعالجة، سوف يمتص الورق الحبر وستظهر الخطوط مشوهة.
وتشمل عملية المعالجة تغطية الورق بطبقة من الغراء من خلال غمسه في محلول من الغراء الحيواني ثم تجفيف الورق الذي تعرض لهذه العملية ثم الانتهاء من إعداد الورق عن طريق ضغط أفراخ الورق بين صفائح معدنية أو كرتون أملس.
ويحدد مدى قوة الضغط ملمس الورق، وتضغط الأوراق ذات الملمس الخشن ضغطا خفيفا لمدة قصيرة نسبيا، بينما تضغط الأوراق ذات الملمس الناعم ضغطا شديدا لفترة أطول نسبيا.
انتشرت حرفة صناعة الورق في أوروبا بعد أن أدخلها المسلمون عن طريق الأندلس، فأنشئ أول مصنع ورق في أسبانيا حوالي عام 544هـ / 1150م، ثم تدهورت هذه الصناعة في أسبانيا، وانتقلت إلى إيطاليا، وتأسس أول مصنع لهذا الغرض في مدينة فيريانو عام 674هـ / 1276م، وأنشئ مصنع أخر في بادوا عام 833هـ / 1340م، ثم قامت مصانع أخرى عديدة في تريفير وفلورنسا وبولونيا وبارما وميلانو والبندقية.
أما أول مصنع للورق أنشئ في ألمانيا فكان في مدينة ماينز عام 719هـ / 1320م، وتبعه مصنع آخر في نورمبرج عام 792هـ / 1390م، وتأخرت صناعة الورق في إنجلترا عن بقية الدول الأوربية قرابة مائة عام وكان إنشاء أول مصنع فيها للورق عام 1495م. وخلال القرن الخامس عشر الميلادي حل الورق محل الرقوق الجلدية في الكتابة في أوروبا. بينما دخلت صناعة الورق إلى الولايات المتحدة في أواخر القرن السابع عشر حيث أنشأ أول مصنع في أمريكا عام 1690م.
وحاليا يصنع أكثر من 95% من الورق من سلولوز الخشب، حيث يستخدم لب الخشب فقط في صناعة الأنواع الرخيصة من الورق مثل ذلك المستخدم في ورق الجرائد، أما الأنواع الأرقى فيستخدم فيها الخشب المعالج كيميائيا واللب وخليط من اللب وألياف اللحاء، وتعد أفضل أنواع الورق – مثل تلك المستخدمة في الكتابة – تلك المصنوعة من ألياف اللحاء فقط.