الحياة والموت.. سيرة عالم الأحياء لويس باستور
انتخب إريك أورسينا عضواً في الأكاديمية الفرنسية عام 1998، واحتلّ في تلك المؤسسة العريقة المقعد رقم 17 الذي كان يحتلّه عالم الأحياء الكبير «لويس باستور»، صاحب الاكتشافات التي أحدثت ثورة علمية في القرن التاسع عشر عبر اكتشافاته في مجال الصحّة وآليات التعقيم واختراع اللقاحات ومكافحة الأمراض.
-
هيرمان ستودينجر .. والأثر الكبير في تطوير صناعة اللدائنأكتوبر 27, 2024
-
ليز مايتنر .. مساهمات رائدة في اكتشاف الانشطار النوويأكتوبر 26, 2024
-
غاري روفكون : عالم الوراثة المبتكر والحائز على جائزة نوبلأكتوبر 13, 2024
وشاءت المصادفة أن يجد إريك أورسينا نفسه كل يوم خميس وعلى مدى 31 سنة مجاوراً في مقعده بالأكاديمية الفرنسية لفرانسوا جاكوب، الحائز جائزة نوبل للطب عام 1965. ذات يوم قال الطبيب لجاره الروائي ما مفاده: «بما أنك تحتل مقعد لويس باستور بمصادفة غريبة. فما عليك إذاً، سوى أن تبحث في زوايا مساره العلمي وتكتب سيرة حياته. هكذا ستجد نفسك مرغماً كي تتعلم الشيء القليل».
ولا يتردد أريك أورسينا في الاعتراف بأن الفضل في إنجازه كتاباً عن سيرة حياة لويس باستور، يعود إلى الطبيب حامل جائزة نوبل الذي رحل عام 2013، وأيضاً على قاعدة إدراكه لمدى «الجهل» الذي يعاني منه في مجال علوم الحياة ــ البيولوجيا ــ بشكل عام. وهو بالمحصّلة «مدين له»، وقد اختار لسيرة حياة لويس باستور عنوان «الحياة، الموت، الحياة».
ذلك الرجل ــ العالم الكبير، كما يقدّمه كاتب سيرته، «لم يكن يهمه شيء غير العمل». و«كون أنه يعرف وجود الجراثيم في كل مكان لم يكن يصافح أحداً أبداً وكان بطبعه بارداً بعض الشيء عند لقائه بالآخرين»، ويضيف: «ولم يكن يضحك أيضاً وكان يعتقد أن كل دقيقة تمرّ من دون عمل هي دقيقة مسروقة». و«مع ذلك لم يغادره أحد من الفريق الذي كان يعمل معه» على قاعدة القناعة بأهمية مشاريعه العلمية.
إن المؤلف يكتب في الواقع أيضاً عن رجل قدّم الكثير من الخدمة للطب وهو «لم يكن طبيباً»، بل لقي تكوينه العلمي في حقل الكيمياء. وفي كل الحالات يجد القارئ في هذا العمل الكثير من الشفافية الأدبية المنسوجة في أسلوب فيه الكثير من الجمال.
ويبدو أن أورسينا يحاول البرهان على أن الأدب يمكنه أن يبقى جميلاً وشفافاً حتى عندما يكتب عن الكيمياء. وهو الذي كان قد كتب بنفس الشفافية الأدبية عن «القطن» و«الماء» و«الورق» في أعمال سابقة ــ تمّ عرضها في «البيان».
ذلك على خلفية إحساس المؤلف، كما يقول، إنه يقوم عبر الكتابة عن سيرة حياة باستور بنوع من «الرحلة إلى منابع الحياة»، كما يشير. ويرى أن أمثال باستور يعرفون، بما قدّموه، أن «يقاوموا بأفضل ما يكون استنزاف الزمن».
ومما يؤكّده كاتب هذه السيرة أن باستور عرف الكثير من أشكال التكريم ومن الرفعة الاجتماعية في عصره ومن قبل بشر حقبته على النتائج التي قدّمها للبشرية في مجالات مختلفة لا تطال الصحّة والطب فقط، ولكن أيضاً المجال الزراعي والغذائي والوقاية.
ولا يتردد المؤلف في القول إن باستور أصبح صرحاً شامخاً حتّى أثناء مسيرة حياته نفسها. وأنه بعمله خدم العلم وفرنسا والعالم. ويشير أورسينا أنه بفضل أعمال باستور استطاع الغرب عبر فهمه لآلية تخمّر المواد إنتاج «الخبز» و«الجبن». ولم تكن أيضاً بعيدة عن شيوع مفاهيم «الوقاية الصحيّة» تجنّبا لانتقال الجراثيم والأمراض من إنسان إلى آخر.
ومن مساهمات باستور الكبرى يشير المؤلف أنه أعطى مكانة للقرن التاسع عشر الذي عاش فيه. يكتب أورسينا: «بالمقارنة مع القرن السابع عشر بدا القرن التاسع عشر في أغلب الأحيان بليداً وبورجوازياً ومتخماً وجشعاً للربح وجمع المال. لكن هذا يعني نسيان اهتمامه العميق بالعلم وبتطبيقاته».
لكن للحياة أيضاً وجهها الآخر. وإذا كان «أورسينا» يولي اهتماماً كبيراً لتقديم باستور «رجل العلم» فإنه لا ينسى أن يقدّم باستور «الإنسان» أيضاً. وفي جميع الحالات يبدي حماساً كبيراً وهو يكتب عن «بطله». ويشير إلى أن حياة لويس باستور عرفت، كل أشكال الانفعالات والأهواء، بل والكثير من الدموع و«هو الذي كان قد عاش فاجعة موت ثلاثة من أطفاله في سن مبكرة بأعمار عامين وتسعة واثني عشر عاماً».
لكن الألم ووجعه لم يثنياه عن استكمال الطريق التي كان قد بدأها. والاستمرار في «معركته» ضد الأعداء غير المرئيين، أي أنواع الجراثيم والطفيليات التي تستهدف النوع البشري. ما يؤكّده أورسينا هو أن اسم باستور لم يتم تخليده مصادفة في السجل التاريخي لهذه الحرب.
وتأكيد القول إن باستور أبدى تعلّقه إلى حد الشغف بأبحاثه العلمية من جهة وبالبلدة التي عاش فيها «أربوا»، من جهة أخرى. نقرأ: «إن حياة بعض البشر تدور حول مكان ما.. وتتعلق فيه. وتتغذّى منه. وترتاح في ربوعه. وتستمد منه القوّة للانطلاق من جديد نحو نهارات جديدة». تجدر الإشارة إلى أن إريك أورسينا يتميّز بأسلوبه في الكتابة بهذا النوع من الجمل القصيرة.
المؤلف في سطور
إريك أورسينا كاتب وروائي فرنسي شهير، عضو الأكاديمية الفرنسية وحائز جائزة الغونكور الأدبية عام 1988. من مؤلفاته الكثيرة «المعرض الاستعماري» و«رحلة في بلاد القطن» و«مستقبل الماء» و«على طريق الورق».. الخ.