ظهر هذا المصطلح “القرى الإيكولوجية Ecovillages” للوجود عام 1996، ضمن قائمة الأمم المتحدة لأفضل الممارسات، وذلك باعتبارها نماذج ممتازة للعيش المستدام. وتعرف “القرية الإيكولوجية” بأنها “مجتمع متعمد أو تقليدي يستخدم عمليات محلية تشاركية لدمج كل الأبعاد الإيكولوجية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للاستدامة من أجل تجديد البيئات الاجتماعية والطبيعية”، الحافز نحو تأسيس القرى الإيكولوجية (أو جعلها مناطا لحركة وشبكة عالمية) هو اختيار والتزام – من قبل المؤمنين بنماذج تلك القرى – يستهدف عكس الآثار الناتجة عن التفكك التدريجي للهياكل الاجتماعية والثقافية الداعمة وتصاعد الممارسات البيئية المدمرة على كوكبنا. فعلى مدى آلاف السنين عاش الناس في مجتمعات قريبة من الطبيعة ذات بنى اجتماعية وثقافية داعمة. كثير من هذه المجتمعات أو “القرى الإيكولوجية” لا زالت موجودة حتى يومنا هذا وتناضل من أجل البقاء، كما يجري حاليا بناء “قرى إيكولوجية” عمدا، حتى يتمكن الناس من العيش مرة أخرى في مجتمعات ترتبط بالأرض بطريقة تكفل رفاه جميع أشكال الحياة في المستقبل وإلى أجل غير مسمى.
القرى الإيكولوجية هي أحد حلول المشاكل الكبرى في عصرنا، حيث يضع الكوكب حدودا للنمو الاقتصادي، وتفتقد حياتنا للمضمون ذو المعنى والدلالة، وكما تشير أعداد متزايدة من العلماء فإن علينا أن نتعلم العيش بشكل مستدام إذا أردنا بقاء النوع الإنساني على قيد الحياة، فوفقا لتقرير الأمم المتحدة حول البيئة لعام 2000، والذي شارك فيه 850 من العلماء والخبراء وأكثر من 30 معهد بيئي فإن مسار حياتنا الحالي يؤدي لعدم الاستدامة وإن تأجيل العمل حيال تلك المشكلة لم يعد خيارا مطروحا. ومن ثم فإن القرى الإيكولوجية بسعيها لأنماط حياة تتميز بالاستمرارية الناجحة في المستقبل لأجل غير مسمى تقدم نماذج حية للاستدامة ومثلا لكيف يمكن أن تتخذ إجراءات فورية كما أنها تمثل طريقة فعالة يمكن الوصول إليها لمكافحة تدهور البيئات الاجتماعية والإيكولوجية والروحية.
وتتبنى الشبكة العالمية للقرى الإيكولوجية نهجا شاملا لتحقيق الاستدامة يتكون من الأبعاد الاجتماعية والثقافية والإيكولوجية والاقتصادية للوجود الإنساني. ومن ثم فإن القرى الإيكولوجية التي تطبق ذلك النهج هي قرى ذات مجتمعات يشعر فيها الناس بالدعم كما يشعرون بالمسئولية تجاه كل ما ومن حولهم، ويقدمون شعورا عميقا بالانتماء للمجموع، وهي مجتمعات صغيرة يشعر كل واحد فيها بأنه آمن، وممكن، ومرئي، ومسموع. وهو ما يجعل الناس فيه يشاركون في صنع القرارات التي تؤثر في حياتهم الخاصة وعلى المجتمع بشكل شفاف: معترفين ومتواصلين مع الآخرين، ومتقاسمين للموارد المشتركة ومتبادلين للمساندة والدعم. ومركزين على الممارسات الصحية الشاملة والوقائية. وموفرين للعمل الهادف ومعززينه لجميع أعضاء المجتمع. ومدمجين للفئات المهمشة. ومعززين للتعليم الذي لا ينتهي. ومشجعين للوحدة من خلال احترام الاختلافات. ومشجعين التعبير الثقافي.
تتضمن الأبعاد البيئية لتلك القرى ما يعكس علاقة المجتمع بالتربة والمياه والنبات والحيوان في بيئتهم بما يلبي احتياجاته من غذاء وكساء ومأوى مع احترام الدورات الموجودة في الطبيعة، وبما يحافظ على التنوع الأحيائي، أما الأبعاد الاقتصادية فتعني الحفاظ على دورة المال داخل المجتمع وبين أفراده واكتسابه وإنفاقه واستثماره في مشاريع للتجزئة والخدمات يملكها أعضاء المجتمع، مع ادخار الفائض منها في مؤسسات مالية محلية مملوكة للمجتمع.
الشبكة العالمية للقرى الإيكولوجية (وهي مسجلة كمنظمة خيرية دولية في اسكتلندا) تمثل مظلة تضم أعدادا متزايدة من المجتمعات والمبادرات المستدامة والأفراد المعنيين بالبيئة التي تبني جسورا بين عدد من الثقافات والبلدان والقارات، حيث يلتقي هؤلاء جميعا ليتشاركوا الأفكار والتقنيات ولترتيب تبادل الخبرات والمنتجات الثقافية والتعليمية والأدلة والنشرات. وهي تعمل من خلال شبكات إقليمية عريضة. ومن خلال تبادل أفضل الممارسات والحلول المبتكرة والتكريم من المعارف والثقافات المحلية التقليدية العميقة الجذور، تبني الشبكة الجسور بين صانعي السياسات والأكاديميين ورجال الأعمال والشبكات المجتمعية المستدامة في جميع أنحاء العالم من أجل وضع استراتيجيات للانتقال العالمي للمجتمعات والثقافات. وتعمل الشبكة لتحقيق ذلك من خلال توفير المعلومات والأدوات والأمثلة لولأئك المكرسون لتطوير وإثبات مبادئ وممارسات الاستدامة في جميع أنماط حياتهم في جميع أنحاء العالم. وتتبنى الشبكة عددا من خطوط العمل الرئيسية والتي تتضمن:
- استراتيجيات التحول إلى القرى الإيكولوجية:
فبناء على خبرة 20 عاما في التشبيك العالمي والتنمية المستدامة والتعليم تقوم الشبكة بتوسيع نطاق شراكاتها مع الحكومات والمنظمات غير الحكومية والجهات المانحة لتنفيذ سياسات وحلول على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، إضافة إلى وضع خطط خمسية لتنفيذ استراتيجية الانتقال للقرية الإيكولوجية باستخدام دورة الإدارة التكيفية (وفي هذا الإطار يتم تنفيذ خطة مع حكومة السنغال لتحويل 14 ألف قرية إلى قرى إيكولوجية، تم الانتهاء من تحويل 100 منها، وجاري العمل للوصول إلى 500 قرية بحلول عام 2018).
- التعليم
جزء من عمل الشبكة هو خلق فرص تعليمية داخل وحول القرى الإيكولوجية، وهي تفعل ذلك من خلال عدة طرق، ومن ثم فهي تعمل بالتعاون مع مؤسسة جايا للتعليم Gaia Education (إحدى المنظمات المنضوية تحت الشبكة) لتعزيز عملها التعليمي في العالم، حيث تم وضع هدف مشترك بتعليم 10 آلاف شخص سنويا بحلول عام 2020 من خلال برنامج التعليم العالمي ويتضمن البرنامج 4 أسابيع لتصميم القرية الإيكولوجية، و5 أيام حاضنة للقرية الإيكولوجية ويومان كمقدمة حول القرية الإيكولوجية، و5 أيام للحلول الخضراء، و5 أيام للحلول الاجتماعية.
- الدعوة من خلال الأمم المتحدة
وذلك من خلال الوضع الاستشاري في المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة والذي حصلت عليه الشبكة منذ عام 2000، ومن خلال شراكتها في معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحوث. وهو ما يعطيها الفرصة للعمل من خلال عدد كبير من اللجان من أجل تعزيز نموذج المجتمعات والممارسات المستدامة عبر العالم.
نماذج القرى الإيكولوجية بدأت تدخل بعض بلدان العالم العربي في الأردن والمغرب مثلا (كما يتبين من الخريطة المتاحة على موقع الشبكة)، والمأمول أن تكون تلك النماذج القليلة مراكز إشعاع ينتقل نورها إلى عدد آخر من القرى الإيكولوجية (التقليدية أو المتعمدة) في عدد آخر من البلدان.
للمزيد رجاء مطالعة موقع الشبكة:
طالع أيضا للكاتب: الزراعة المعمرة رؤية وحركة (مقال من 3 أجزاء) (حيث أن المجتمعات القائمة على الزراعة المعمرة هي أحد نماذج القرى الإيكولوجية المنضوية تحت مظلة الشبكة العالمية للقرى الإيكولوجية)
رابط صفحة الدكتور مجدي سعيد على الفيس بوك :