كما يقال فإن “الحاجة أم الاختراع”، وإذا كانت الحاجة مزدوجة (حل مشكلة بيئية، وسد احتياج إنساني)، والاختراع بسيطا، ولا يتم احتكاره، بل يتم تمليكه للمجتمعات، فإن الاختراع ما يلبث أن يتحول إلى حركة عالمية، هكذا تخبرنا قصة ابتكار الألماني أندرياس فروزى Andreas Froese لتقنية البناء باستخدام الزجاجات البلاستيكية المعروفة باسم الطوب البيئي Eco-bricks والتي بدأها عام 2001 في هندوراس.
Table of Contents
النظم الإيكولوجية
كان أول مصدر إلهام لأندرياس للبدء في هذا المشروع أثناء سفره إلى أمريكا الوسطى للتطوع في دار للأيتام ومركز للأطفال المعوقين، إذ بينما كان هناك، عانى من المشاكل الاجتماعية والبيئية التي يواجهها هؤلاء الأطفال مباشرة، وكانت لديه دوافع لتنفيذ مختلف النظم الإيكولوجية في مركزهم؛ بما في ذلك إنتاج المكمورات وبناء المراحيض الجافة. وعندما انتقل للعمل في الحديقة البيئية الأولى في هندوراس، لاحظ أن زوار الحديقة يتركون الآلاف من الزجاجات البلاستيكية كل أسبوع، وبإدراك الأثر البيئي لكل هذه الزجاجات المهملة، شرع في رحلة للتعرف على كيفية استخدامها كطوب في البناء، ومن ثم مشاركة هذه التقنية ونشرها بين الناس في أمريكا الوسطى حتى يتمكنوا من استخدامها لمساعدة أنفسهم. ومن جاءت فكرة وتطوير هذه التقنية له، وكما يقول فإنه يعتبرها، “هبة من الله، وهذا هو السبب في أنني لم أعتبرها براءة اختراع”.
الحديقة البيئية
أصبحت الحديقة البيئية في تلك الأيام مركزا لتدريس التقنيات النظيفة والبناء الحيوي. وفي عام 2001 قام أندرياس ببناء أول منزل بالزجاجات البلاستيكية في العالم، وذلك باستخدام 8000 زجاجة بي إي تي PET والتربة كمادة لتماسك البناء. وفي عالم ينتج في العام أكثر من 200 مليار زجاجة بي إي تي، ويقوم فقط بإعادة تدوير 5٪ منها، تتدفق بقية الكمية في أنهاره ومحيطاته، تصبح هذه التقنية إذا ضرورة مطلقة، فإلى جانب الفوائد البيئية الواضحة لهذا الشكل من إعادة التدوير، تساعد هذه التقنية المجتمعات الفقيرة في الدول النامية على بناء منازلها اقتصاديا..وخلال الستة عشر عاما الماضية قامت مبادرة إيكو-تيك التي أسسها أندرياس في هندوراس، بإنجاز عشرات المشاريع، ليس فقط في هندوراس، بل في 10 من بلدان العالم الأخرى.
التدريب على أعمال البناء
تعتمد منهجية أندرياس على تدريب أهالي المجتمعات المحلية أثناء القيام بأعمال البناء، بحيث مع انتهاء التدريب يكون البناء قد انتهى، مع مشاركة المجتمع من البداية للنهاية، ومن ثم فإن لحمة الأمر وسداه هي التربية البيئية للمجتمع بشكل عملي أثناء العمل في المشاريع، فمن خلال هذه الطريقة، تتحول الآراء السلبية للمجتمع حول القمامة، إلى النظر إليها كثروة، ويترك المجتمع مع الأدوات اللازمة لتنفيذ مشاريع أخرى من تلقاء نفسه.
وتركز إكو-تيك التي أسسها أندرياس فضلا عن البناء الحيوي، والتصميم الإيكولوجي، على صناعة المكمورات، والسماد العضوي. وإلى جانب توفير هذه الخدمات، بذلت جهودا كبيرة لتثقيف المجتمعات المحلية من خلال البرامج الاجتماعية التي تعزز الضمير البيئي وقيمة إعادة الاستخدام وإعادة التدوير. يقول فروزى أنه من خلال هذه البرامج الاجتماعية وورش العمل “تصبح إكو-تيك مستدامة، بسماحها للتقنيات بالانتشار إلى قارات أخرى”.
الاعتراف الدولي
وبسبب مميزات طريقة البناء تلك، كونها منخفضة التكاليف، وسهلة التنفيذ، ويتميز الطوب الذي تستخدمه بأنه غير هش بعكس الطوب التقليدي، ويمكن إعادة استخدامه مرة أخرى إذا تهدم البناء، إضافة إلى كون الطريقة ملائمة بيئيا، نالت التقنية وصاحبها وشركته الاعتراف من قبل الأمم المتحدة في منشورها المعنون بـ “60 من الخبرات في الطريق إلى التنمية”، باعتبارها واحدة من الشركات الأكثر ابتكارا لمشاريع البناء البيئي، وتدريبهم البلديات على إعادة التدوير وإدارة النفايات. كما انتشرت تقنية الطوب البيئي Eco-bricks شرقا وغربا بشكل متزامن، وأصبحت مشاعية إبداعية، وصار للبناء بتلك التقنية منظمة عالمية تجمع تحالفا للعاملين في هذا المجال منذ عام 2014.
د. مجدي سعيد