العباقرة | لقيت روحى في الباى باى مربوطة على الدرجة التاسعة فى مسألة الذكاء وتحصيل المعلومات وحل مسائل الحساب ولوغاريتمات جدول الضرب وأبطال الرياضة وأهداف الكرة ومحل ميلاد دانتى صاحب الكوميديا الإلهية، وأن مياه المحيط الأطلسى ومياه المحيط الهادى لا تختلطان لأن الأول أعلى من الثانى بـ٥٠ سنتيمتر.. الخ..
ومن هنا أصبحت أجلس كما أم الهول وعلى وجهى قناع أستاذية مزيفة حتى لا يضحك منى العيال عماّل على بطاّل بتوالى مرات خذلانى في الإجابات الصحيحة.. أى واللـه هذا ما آلت إليه الأمور مع برنامج “العباقرة” الناجح الذى يُقدمه بأريحية متطورة الكاتب والروائى عصام يوسف صاحب الشخصية الدمثة ذات الحضور الطاغى وارث جينات المفهومية عن والده الكاتب عبدالتواب يوسف صاحب الـ٥٩٥ كتابا للأطفال و٤٠ كتابا للكبار، ووالدته الزميلة نتيلة راشد رئيسة تحرير مجلة «سمير».. البرنامح المحفّز على القراءة والاطلاع الذى بلغ حجم مشاهداته ٨ ملايين من إخراج ميلاد أبى رعد وتذهب حصيلته المادية بالآلاف إلى المشروعات الإنسانية كانت بدايته في ٢٠١٦ ليعرض منه حتى الآن ٤٢٠ حلقة، وتتنافس فيه فرق المدارس والعائلات والجامعات والقادرون باختلاف فى الإجابة على أسئلة فى جميع المجالات لأفاجأ بأن هناك عقولا تعكس وهجًا مذهلا وبديهة تنطق بالحل قبل القول، وحصيلة معلومات تتدفق حممًا كثورة بركان، وسرعة حسابية بحرارة مليون فهرنهايت.
.. وأظل إلى نهاية «العباقرة» بأمل خافت بالفوز عند فقرة «عجلة الحظ» لكن الخفوت ينقضى هو الآخر إلى زوال مأساوى عند الفشل كمثال فى معرفة اسم اللاعب «ميسى» بالكامل الذى هو «موانه ليونيل ميسى»، وعدد المرات الخمس التي فازت فيها البرازيل بكأس العالم، وأن «هارى بوتر» البطل الخيالى في مسلسل أفلام الكاتبة ج.ك.رولينج – الذى قام بدوره «دانيال رادكليف» منذ أن كان فى الحادية عشرة لتتوالى أفلامه حتى الفيلم التاسع عام ٢٠٢٢ – غير الأمير هارى دوق ساسكس الابن الأصغر للملك تشارلز الثالث وهو المقيم في كاليفورنيا مع زوجته «ميجان ماركل» بعد خلافاته مع العائلة الملكية البريطانية، والذى مثل في لندن هذا الشهر أمام المحكمة فى دعوى قضائية رفعها ضد صحيفة «ديلى ميرور» لقيامها بالتنصت على مكالماته الشخصية، وكان والده الملك منعًا للاحراج وترجيح عدم عقد أى مصالحة بينهما في المستقبل قد ذهب في نفس التوقيت فى زيارة لرومانيا لينهمك بعدها في استعدادات الاحتفال بعيد ميلاده الملكي الخامس والسبعين في ١٤ نوفمبر المقبل الذى سيتهادى فيه فوق صهوة حصانه «جونو» على رأس كتيبة ملكية بقبعات الفراء السوداء مؤلفة من ٤٠٠ جندى.
Table of Contents
لماذا العباقرة؟!..
تنحدر الأسئلة تترى على اللسان والذهن.. هل العبقرية إرث؟!.. هل ابن العبقرى يجب أن يكون عبقريا؟! وفيما إذا كانت العبقرية محصول ترثه العائلة أبًا عن جد حيث أثبتت الدراسات بأن نصف الحائزين علي جائزة نوبل في العلوم تتلمذوا على أيدى علماء سبق لهم الحصول علي نفس الجائزة، وحول نظرية العبقرية الوراثية كتب العالم «فراستين جالتن» فى عام ١٨٦٩ من أنها وراثة يتناقلها أفراد أسر معينة، أو أسر بفضل التزاوج فيما بينهما، ومن الأمثلة التى أوردها أسرة الموسيقار الألمانى «يوهان باخ» الذى أحصى فى ذريته ١٦٧ موسيقيًا مشهورًا، حتى أصبح اسم «باخ» في اللغة الألمانية مرادفًا للموهبة الموسيقية بحيث يمكن القول عن أحدهم بأنه باخ عظيم.. وفيما مضى قال سقراط إن تحسين النسل هو السبيل الوحيد لزيادة الذكاء، وزواج ذكيين غريبين ينتج في الغالب عبقريا.. هذا وقد أظهرت نتائج الأبحاث أن العبقرى غالبًا ما يكون وحيد أبويه أو ٣٠٪ يكون الطفل البِكرى، والكثير من العباقرة كانوا أيتامًا أو من الذين يغيب عنهم أحد الأبوين لفترة طويلة، ومثال ذلك أن بيتهوفن واسحق نيوتن وهتلر كانوا من الأيتام وعاشوا فى رعاية أم متسلطة، هذا إلى أن معظم العباقرة جاءوا بنسبة تصل إلي ٨٠٪ من الطبقة المتوسطة، والغالبية تعرفوا في سنواتهم الأولى بشخصيات عظيمة تأثروا بها حتى أصبح لكل عبقري قدوة ونموذج، وتقول النسب إن ٦٨٪ من العباقرة قد ترعرعوا في ظل مشاهير، و٦٣٪ لازموا مبدعين وعظماء في سن مبكرة، وأبدًا ليس النجاح سببًا للعبقرية فقد كان اسحق نيوتن مكتشف الجاذبية الأرضية فاشلا فى دراسته، وقد اكتشف الجاذبية بعد طرده من المدرسة لسوء سلوكه فجلس تحت شجرة تفاح أسقطت عليه ثمرة الجاذبية، وأيضًا لم يكن الذكاء مُلازمًا للعبقرية فكـلا من العالمين «ألبرت أينشتاين» و «ستيف هوكينج» كان مستوى ذكائهما الـ١٦٠ درجة لا يؤهلهما أبدا للتصنيف بين أذكى عباقرة التاريخ..
أذكى شخص في التاريخ
أما أذكى شخص في تاريخ البشرية فهو عالم الرياضيات «وليام جيمس سيديس» (١٨٩٨ – ١٩٤٤) من مواليد نيويورك الذى تكلَّم ١١ لغة في طفولته والتحق بجامعة هارفارد في سن الـ١١ سنة وتخرَّج فيها بعمر ١٦ سنة، وكان قد تعلَّم الحروف الأبجدية فى عمر ٦ أشهر وحين بلغ عاما ونصف أصبح يقرأ النيويورك تايمز، وتكلَّم اللاتينية قبل أن يتجاوز الثالثة وكان والده «بوريس سيديس» أستاذًا لعلم النفس بجامعة هارفارد وأمه «سارة مندليوم سيدس» الحاصلة على الدكتوراه في الطب عام ١٨٩٧ وإزاء تعرض وليام طوال مشوار حياته لشراهة الإعلام لمواكبة نجاحاته المذهلة أصيب بالاكتئاب ليستقيل من منصبه كبروفيسور بجامعة رايس وهو في سن الـ٢٦ ليعمل كاتبا متواضعا في مكتب صغير ملحق بالجامعة ليتوفي في سن الـ٦٤ بنزيف فى المخ.. وليست سوى شعرة أدق من خيط العنكبوت تلك التى تفصل ما بين العبقرية والجنون.. ما بين فلتة الدهر وبهريز البشرية وواسطة العقد ودرّة الجمع وقبلة المقاصد والمنبع والمصب وخلاصة الخلاصة، وبين لوثة العقل وشطحة الفكر وتراجع العزم وبلبلة الذهن وتوتر الأداء وانفلاتة التصرف وهذيان القرار وزخم الحركة وربما مواتها الساكن فى ذهول.. ربما هناك بعضًا من الأمور المشتركة لكن هيهات من التطابق، فالعبقرية عطاء والجنون بلاء وإن كان كـلاهما أمر مزعج للآخرين، فالعبقرى مريض بالمعنى الحرفى للكلمة، مريض بشىء مبهم لكنه يستطيع الانتصار على مرضه عن طريق إبداع شىء خارق، ووحدهم العباقرة الذين يغامرون ويقتحمون، ولا عبقرية بدون شعرة جنون تُشجع على الاقتحام المشبع بالحسم للإقدام، فالإنسان العادى لا يتجرأ على المغامرة بتجاوز الحدود وانتهاك المسلمات وإطلاق قذيفة القرار، والفرق بين العبقرى والمجنون أن الأخير يدور فى حلقة عقيمة مفرغة، بينما العبقرية التى لا تعطى نفسها بسهولة توصل صاحبها إلى عمل خارق كما أوصلت نجيب محفوظ لمنزلة نوبل فى «أولاد حارتنا» والروائى جابرييل جارسيا ماركيز لـ«مائة عام من العزلة» و«عوليس» لجيمس جويس، و«أحدب نوتردام» لفيكتور هوجو، و«الكيميائى» لباولو كويليو..الخ.
العباقرة وحافة الخطورة
وفى قراءة لحياة المبدعين الكبار أمثال بودلير ورامبو وفان جوخ وسلفادور دالي وموزارت وجوته وهمنجواى وفلوبير ونيتشه وجان جاك روسو تظهر الحقيقة دامغة وقوية ومؤكدة بأن العبقرى يختلف عن بقية البشر ومهووس بإبداعه إلى حافة الخطورة ومثال للعباقرة أصحاب المزاج السوداوى «شوبنهاور» أحد كبار فلاسفة البشرية الذى عاش معتقدًا أنه ضحية مؤامرة عالمية كبرى تهدف إلى خنق عبقريته، ومن هنا كان يسكن دائما فى الطابق الأرضى حتى يتسني له الهرب بسرعة للشارع إذا ما اندلع حريق تآمرى في البناية، وإلا فسوف يلقى بنفسه من أى طابق علوى، وكان يمتشق سيفه عند سماعه أدنى ضجة خارج بابه للدخول في المعركة الفاصلة.
العباقرة .. تكفير وزندقة واغتيال
أما الخطورة التى يتعرض لها العبقرى أمر مسلَّم به تاريخًا وحاضرًا، فالعبقرى شخص مهدد بالخطر ما أن يُكتشف وجوده، ومن مصلحته ألا يُظهر عبقريته، على الأقل فى بداياته، وليس ببعيد ما يحدث هذه الأيام فى استبعاد بعض أعمال المبدعين الروس مع بداية الغزو الروسى لأوكرانيا بما يتنافى مع القيم المعلنة للحضارة الغربية من حرية الإبداع وإنسانيته، ومثال لذلك استبعاد عمدة ميونخ للموسيقار «فاليرى جيرجييف» من قيادة أوركسترا ميونخ الفيلهارمونى، وأعقبه سحب أوركسترا « زعرب» مقطوعتين من برنامجه للموسيقار الروسى «تشايكوفسكى» وبلغ الأمر إلغاء إحدى الجامعات الأوروبية سلسلة محاضرات عن أدب «ديستوفسكى» مع المطالبة بمقاطعة جميع الإبداع الروسى، مما يذكرنا هنا بتاريخ مات فيه العباقرة قتلا مثل المتنبى الذى سقط مُضرجًا بدمائه وهو لم يزل في الخمسين، وأبى العلاء المعرى الذى لو لم يكن أعمى لقُتل بتهمة الكفر والزندقة، وقد مات ابن سينا من قبلهما على الأرجح مسمومًا، وكانت حياته حلقات من الملاحقات العنيفة بضراوة ولو عاش وامتد به العمر أكثر من ٥٧ عاما، ولو كان أقل عبقرية لاتسمت حياته بالهدوء والتراخى، ومات جمال الدين الأفغانى أيضًا مسمومًا فى الأستانة ولم يبلغ الستين، وفى الغرب تمزقت أحشاء الفيلسوف ديكارت من جراء السم الذى دُس له فى الطعام، وقبله تعرَّض تلميذه «سبينوزا» لطعنة خنجر فتاكة لم يحمه منها سوى قماش معطفه السميك ومن هنا ولكون العباقرة أكثر الناس وعيًا وإدراكًا لمعنى الحياة فعندما يعتريهم اليأس من المحيط والناس والعقول الموصدة يقومون بحرق مؤلفاتهم وسطور تفردهم، مثلما قام أبوحيان التوحيدى عبقرى القرن الرابع الهجرى الذى عاش فى زمن الدولة البويهية فى بغداد بحرق مؤلفاته وهو فى التسعين حيث لم ينج منها سوى ما تم نسخه قبل حرقه ومنها كتابه «البصائر والذخائر» و«الهوامل والشوامل» وكتابه في التصوف والأدب «الإشارات الإلهية والأنفاس الروحانية» وجاء قوله أمام ألسنة النار التى تلتهم رحيق عبقريته:
«لقد أمسيت غريب الحال، غريب اللفظ، غريب الخِل، مستأنسًا بالوحشة، قانعًا بالوحدة، معتادًا للصمت، مُلازمًا للحيرة، محتملا للأذى، يائسًا من جميع ما يُسمع ويرى»، وتبعه الأديب الشاعر أبوسفيان الثورى الذى مزق معظم كتبه وطيرها صفحات فى مهب الريح، وكذلك فعل وداد الطائى الذى ألقى كتبه في اليم.
العباقرة .. وبئر الاكتئاب
وعلى الجانب الآخر من الكون سقط الأديب الروسى الأشهر نيقولاى جوجول فى بئر الاكتئاب والإحساس بقرب الموت وبرودة الوحدة فقام فى فبراير ١٨٥٢ باستدعاء خادمه ستيبان وخطف الشمعة من يده ليلقى بمخطوطات الجزء الثانى من روايته «الأنفس الميتة» إلى نار المدفأة رغم إعلانه أنها تعد أروع ما كتب، ومات بعد لوثته الاكتئابية المحرقة بعامين فقط، ولم تكن المرة الأولى التى يحرق فيها إبداعه، ففى فترة مبكرة من حياته لم يكن راضيًا عن كتابه الأول الذى قوبل بمظاهرة هجاء شديد من النقاد مما دفع جوجول المرهف الحس إلى أن يجول فى كافة المكتبات ليشترى جميع نسخ الكتاب لإحراقها وكان لم يزل فى الثامنة عشر، ومكث جوجول نادمًا على تهوره معترفًا لأصدقائه بالحزن الشديد لحرقه الجزء الثانى من «الأنفس الميتة» لكونه قد وضع فيه خلاصة أفكاره الدينية والفلسفية..
“الرجل الذي اختفى”
وينضم إلى أصحاب الحريق «ألكسندر بوشكين» الذى التهمت نيران مدفأته رواية «يفجينى أونبجين» وأيضا الجزء الثانى من روايته «دوبرفسكى» ومع امتداد معدل قسوته على نفسه قام بتدمير مسودات روايته «ابنة الآمر» وقصيدة «قطاع الطرق» لكنه قام باستخدام ما تبقي من أبياتها سليمًا من الحرق فى رائعته «نافورة بخش ساراى» وكان بوشكين قد قام بتمزيق الكثير من أشعاره تخوفًا من أن تثير غضب القيصر خاصة من بعد لقاء احتفائى تم بينهما فى البلاط القيصرى، وليس غريبًا على العبقرى أن يأتيه يومًا يتبرأ فيه من إبداع له كما تنكر الكاتب الكبير ليو توليستوى من رائعته «الحرب والسلام» ومن بعدها «أنا كارنينا» وود لو لم تخرجا إلى النور وذلك بعد انغماسه كلية في أفكار فلسفية روحانية في سنواته بعد الخمسين،ولم يشأ الروائى العبقرى «فرانز كافكا» الذى يحتفل العالم هذه الأيام بذكراه الـ130 أن يحرق نتاجه الأدبى بيده فاستعان بصديق «ماكس برود» ليقوم من بعد وفاته بالمهمة الصعبة الموكلة إليه:
«أن تجمع وتحرق كافة مخطوطاتى ورسائلى ومذكراتى ورسومى وكل ما دونته فى حياتى وهذا يعنى ويضم كل ما تجده بين أغراضى وعند الآخرين من الأهل والصحاب».. ولم يطاوع القلب الصديق فقام بنشر الكثير من أعمال كافكا مثل «المحاكمة»، «القلعة»، «أمريكا»، «الرجل الذى اختفى»، «المسخ».
و..حمدًا للـه أن داء الحرق والدفن لم يطل أداء عباقرة شعرائنا وأدبائنا المعاصرين في مصر لتظل أعمالهم تحيا مورقة بسطورها الخلاقة دون أن يمسسها ضرّ – هذا وإن كان على الجانب التشكيلى قد قام النحات جمال السجينى وفى قلبه لوعة بإلقاء مجموعة من تماثيله في النيل لحظة اكتئاب طاغية وذلك على غرار الرسام والنحات موديليانى الذى أغرق عدة منحوتات ضخمة له عندما لم يستطع نقلها من إيطاليا إلى مرسمه في باريس ــ وحمدًا للـه لوجود القائمة الطويلة لعلمائنا العباقرة على مستوى الشرق والغرب والتى تزداد طولا مع كل صباح جديد وعلى رأسها د. أحمد زويل واختراعه لكيمياء الفمتوثانية، والبروفيسور مجدى يعقوب ملك القلوب، ود. كريم رشيد علي رأس المصممين الصناعيين فى العالم، ود. محمد عبده أشهر الأكاديميين العالميين في مجال الاندماج النووى، ود. أبوبكر الصديق بيومى أفضل عالم رياضيات فى العالم الذى قسمت مؤلفاته لتغدو أفرعًا للتدريس الجامعى، والمهندس مجدى بيومى صاحب براءات الاختراع فى مجال الدوائر الكهربية على مستوى العالم، والدكتور فاروق الباز مؤسس مركز دراسات الأرض والكواكب بواشنطن والاستشعار عن بعد والاستكشاف الجيولوجى للقمر، والمهندس هانى عازر أستاذ العمارة والتصميم فى الجامعات العالمية ومصمم محطة قطارات برلين، والدكتور مصطفي السيد الحاصل علي قلادة العلوم الوطنية الأمريكية أعلى وسام أمريكى للعلوم لإنجازاته فى مجال النانوتكنولوجى باستخدام مركبات الذهب الدقيقة لعلاج السرطان ود. سمير بانوب المشارك في وضع خطط التنمية الصحية فى ٧١ دولة أوربية وعربية، والعالم الكيميائى شريف الصفتي منقذ اليابان من كارثة فوكوشيما بعد زلزال ٢٠١١ ود. هانى مصطفي أكبر علماء هندسة محركات الطائرات الحاصل علي ٣٠ جائزة عالمية فى مجال أبحاث الطيران ود. محمد ذهنى فراج أستاذ القلب المفتوح مخترع الوسادة التى تحمل اسمه لتبريد عضلة القلب أثناء الجراحة وتقليل زمن عملية نقل الصمامات وترقيعها، ود. مصطفي الهلالى المسجل باسمه عدة براءات اختراع فى مجال جراحة المسالك.
مخ اينشتاين
وتبقى دماغ العالم العبقرى ألبرت اينشتاين حكاية ورواية للكثير من الأبحاث والتكهنات، وذلك بعدما تم استئصال المخ في غضون سبع ساعات ونصف من الوفاة فى ١٨ ابريل ١٩٥٥ إثر انفجار وعاء دموى بالقرب من القلب – مثلما حدث مسبقا مع مخ الزعيم الروسى فلاديمير لينين والشاعر الأمريكى والتر ويتيمان وعالم الرياضيات كارل فريدريش جاوس ومخ تشارلز باباج مخترع أول آلة حاسبة، وقد أشارت دراسات التشريح لمخ أينشتاين إلى أن المناطق المشاركة فى الكـلام أصغر من المعتاد في حين أن المناطق المعنية بالمعالجة العددية والمكانية أكبر من المعتاد، وأشارت دراسات أخرى إلي زيادة عدد الخلايا الدبقية التى توفّر الدعم والأكسجين والتغذية عن المعدل الطبيعى، وأن الجدار السفلى للمخ أوسع من المعتاد وأكثر تماسكا وهو الجزء المسئول عن الإدراك المكانى والفكر الرياضى، وبإعادة تركيب المخ عبر الكمبيوتر وجد أن القشور الجدارية في المخ مختلفة بشكل غير طبيعى فهى أكبر بمقدار ١٥٪، وأن الجسم الثقنى وهو النسيج الذى يربط بين فصين المخ أكثر سمكًا من المعتاد، وفي تحليل أجرى عام ٢٠١٣ لأجزاء من المخ أعلنت عالمة الأنثروبولوجيا “دين فالك” اكتشافها لأربعة نتوءات غير معتادة في الفص الجبهى الأيمن من مخ العالم وهى منطقة مرتبطة بالفكر المجرد، وبمقارنة تشريح المخ من خلال الصور بمثيلتها من صور ٨٥ مخًا مرجعيا لوحظ علامة «أوميجا» وهى عقد متعددة تسيطر علي اليد اليسرى وتبرز عادة عند الموسيقيين الذين يلعبون الآلات الوترية وكان أينشتاين عازف غير عادى لآلة الكمان.. وحول فصوص المخ التي تعددت حولها الدراسات فى حالة اينشتاين مازلت أذكر ما قاله لى العالم الطبيب أحمد عكاشة عن شقيقه ثروت عكاشة دائرة المعارف الثقافية والفنية العالمية بأن فص مخه الأيسر المثابر المصر علي الكمال والإتقان تعاون مع الفص الأيمن الفنان المتذوق لكل أنواع الفنون والمبشر بها ليغدو صاحبهما بمثابة معجم متحرك أهدى لنا هذا الذى كان يرى الموسيقى ويسمع اللوحة ويتنسم شذى الشعر ويتذوق النحت ويحس الأدب.
وصية اينشتاين
وأبدًا لم يكن صاحب نظرية النسبية يريد لمخه أن يُستأصل بعد موته ليحفظ فى جدار منقوعا فى محلول الفورمالدهيد، بل كانت وصيته حرق جسده وذر الرماد سرًا في الجهات الأربع حتى لا يتحول قبره يوما إلى مكان مقدس، لكن الجسد المسجى على مائدة التشريح فى مستشفى برينستون عام ١٩٥٥ أوعز للدكتور توماس ستولنز هارفى بسرقة المخ وتقطيعه إلى ٢٤٠ قطعة حجم كل منها يتراوح ما بين السنتيمتر الواحد والثلاثة احتفظ لنفسه بالجزء الأكبر وأرسل البقية للباحثين بعدما أعطى العينين للطبيب هنرى أبرامز طبيب العيون الخاص بأينشتاين، ويفاجأ هارفي باستجهان غالبية الباحثين إلى جانب ثورة الابن هانز ألبرت على سرقة مخ والده مخالفة لوصيته، لكن الدكتور هارفى أقنعه بالسماح له بالاستيلاء على المخ العبقرى من أجل العلم وحده، وظل محتفظا بنصيبه من الغنيمة حتى عام ١٩٧٨ في صندوق عصير تفاح ملقى تحت ثلاجة بيرة اكتشفه الصحفى الشاب ستيفن ليفاى عندما ذهب ملحا مطاردًا لعمل حوار معه حول دوره التاريخى الذى تسبب فى فقده لوظيفته وزوجته ووضعه كطبيب محترم تلقى تعليمه فى جامعة برينستون..
ويأتى عام ١٩٩٤ ليظهر هارفى ذو الثمانين فى فيلم وثائقى لـ«بى بى سى» متجولا فى مطبخه وهو يمسك بأحد الجرار التى تحتوى على عينات من المخ الأسطورى ليقوم بقطع جزء دقيق على لوح جبن خشبى ليهديه إلى أحد زواره كذكرى!
سناء البيسي
الأهرام – 24/6/2023