صدر مؤخراً كتاب “الكروان الممنوع: قصة القارئ الشيخ عنتر مسلم”، للكاتب الصحفي طايع الديب. وهو الكتاب الثاني للمؤلف بعد “جمهورية الضحك الأولى: سيرة التنكيت السياسي في مصر”، الصادر عن دار “بتانة” بالقاهرة ودبي في ديسمبر 2019.
“الكروان الممنوع”.. عنتر مسلم “طريد الأزهر” يعود للحياة
الكتاب الجديد، الذي صدر عن الوكالة العربية للصحافة “ناشرون” في القاهرة، عبارة عن تحقيق استقصائي يقع في 152 صفحة، تسجل – لأول مرة- وقائع قضية “الشيخ عنتر” التي وقعت أحداثها في الثمانينيات من القرن الماضي، بعد أن أصدر الأزهر الشريف وقتها قراراً بمنع طباعة وتداول أشرطة القارئ في الأسواق، لأنه كان يقرأ بأكثر من 4 روايات في المجلس “الرُبع” الواحد، وهو أمر غير مسبوق في دولة التلاوة المصرية، أثار حفيظة علماء الأزهر ومشاهير القراء على “الشيخ عنتر”، ما عرّضه لهجوم عنيف على منابر المساجد.
ويقول الديب إن “قضية الشيخ عنتر التي أثارت جدلا واسع النطاق في مصر آنذاك، ما بين مؤيد ومعارض لطريقته في القراءة، كانت أكبر من مجرد سيرة قارئ، بل إن لها أبعاداً وجذوراً سياسية وتاريخية، ضمن قضية كبرى (مسكوت عنها) في التاريخ الثقافي الحديث منذ أيام الحكم العثماني، حيث فرض العثمانيون – بالقوة الجبرية- قراءة واحدة هي (حفص) على البلدان العربية والإسلامية التي حكموها، وذلك تعصباً للإمام أبو حنيفة النعمان الذي أجاز هذه القراءة وحدها، وبذلك حرموا المسلمين في بلدان عدة منها العراق ومصر والسودان والمغرب، وغيرها، من القراءات الأخرى التي سائدة فيها، مثل روايات قالون ونافع وحمزة وسواها”.
ويضيف المؤلف أن “الأزهر سار في ركاب العثمانيين منذ القرن السادس عشر حتى الآن من دون أي تدبّر أو تفّكر، ولم يحاول عالم أزهري إعمال فكره في مسألة القراءات هذه، بل واجه الأزهريون الشيخ عنتر مسلم بقوة، وهاجمه السلفيون والجماعات الإسلامية الناشئة في أسيوط وقتذاك، بدعوى أنه يحرّف القرآن الكريم، ومن بينهم عبد الحميد كشك، الذي هدد “الشيخ عنتر” بالإعدام شنقاً إن لم يعلن توبته. وكان الوحيد الذي انتصر للشيخ عنتر هو الكاتب الراحل محمود السعدني، الذي وصفه بأنه صاحب “أسلوب فذ” في التلاوة”.
ويضيف المؤلف أن “الشيخ عنتر قارئ مُختلف عليه، فله مؤيدون وأعداء، لكن هذه التجربة تستحق الدراسة، خاصة أنها باتت تُدرس حالياً في جامعات ذات سمعة دولية منها (كلية دارتموث) الأمريكية، حيث سيصدر قريباً عن الجامعة كتاب للباحث أندرو سايمون، يتناول تاريخ مصر الثقافي خلال الخمسين عاما الأخيرة، ويتضمن الكتاب فصلاً كاملاً عن مسلّم”.
والكتاب، محاولة لبحث الشيخ عنتر مسلّم، وإعادة الاعتبار له، وبيان موقعه الحقيقي بين معاصريه من القرّاء، وكيف خاض بمفرده معركة وصلت أصداؤها إلى أروقة الأزهر وأوراق الصحف، وتصدى لخصومه من كبار المقرئين المسنودين بمؤسسات الدولة، بينما ظهره هو إلى الحائط.
ويتساءل المؤلف في مقدمة الكتاب: لماذا حوصر رجل رفض “الجنسية الليبية” التي عرضها عليه مبعوث شخصي من العقيد معمر القذافي، وكيف اختفى في النهاية شيخ اعتبره بعض الناس “قارئ العصر”، ثم عاد مرة أخرى إلى الوجود بعد نحو 35 سنة من المنع؟، عاد بملايين المشاهدات والتعليقات على مواقع “يوتيوب” و”ساوند كلاود” و”فيسبوك”، مصحوبا بنفس الجدال الكبير الذي أثاره ذات يوم، وحتى هذه اللحظة.