تمكَّن باحثون من محاكاة ما حدث في بداية الكون، عبر إحداث انفجار داخل أنبوب اختبار لا تزيد مساحة سطحه على 2*2 بوصة مربعة!
حين تموت النجوم، تترك وراءها إرثًا متفجرًا، يُعرف باسم المستعرات العظمى، التي تفوق في حجمها المجرة المضيفة لها في كثير من الأحيان، وقد أسفر أحد الانفجارات الناجمة عن تلك المستعرات عن وجود كوننا الفسيح.
كان ذلك الانفجار هائلًا؛ إذ يُعَد أكبر انفجار شهده عمر الكون حتى الآن، ومع ذلك، تمكَّن الباحثون في جامعة “سنترال فلوريدا” من محاكاته عن طريق الصدفة.
كان الباحثون يختبرون أنظمة الدفع في المحركات المدمجة بالمركبات الفضائية، والتي يُمكن أن تسير بسرعة تفوق سرعة الصوت. وكجزء من تلك التجارب، أجرى الباحثون اختبارًا على الطريقة التي تندفع بها ألسنة النيران. وحين بدأ الباحثون في التعمق في ذلك الاختبار، اكتشفوا مجموعةً من المعايير التي يُمكن أن تدفع اللهب إلى توليد الاضطرابات، والإسراع التلقائي، والانتقال إلى التفجير، ما يعني ببساطة أنهم اكتشفوا الكيفية التي بدأت بها الشرارة نفسها، والتي يُمكن أن تكون النقطة الأولى –والأساسية- في صناعة انفجارات النجوم المستعرة، وحتى الانفجار الكبير الذي بدأ به كوننا.
يمكن ملاحظة الحركة العشوائية للغاز في الوسط البينجمي في جميع مناطق تكوين النجوم. وينقسم إلى نوعين: أولهما الاضطراب الأسرع من حركة الصوت، وفيه يجتاح ضغط الغاز الجزيئات الزائدة عن الحد داخله، وينفجر متمددًا للخارج، موفرًا قوة ضغط هائلة، تخلق هياكل ذات كثافة قليلة نسبيًّا، أما ثانيهما فهو الاضطراب الأقل من حركة الصوت، والذي لا يوجد غالبًا في أثناء الانفجارات النجمية.
في مجرة كمجرتنا –درب التبانة- تموت النجوم ذات الكتلة الأكبر من شمسنا بنحو 100 مرة، مُحدِثةً انفجارًا مستعرًا، ويحدث ذلك الأمر كل 50 عامًا تقريبًا.
وفي أثناء وفاة النجم، يبدأ الجرم في الاحتراق، مستهلكًا الأكسجين والكربون، قبل الدخول في عملية تسريع ووضع انتقالي ينتهي بتفجير قوي، وبالرغم من علمنا بوجود التفجيرات؛ إذ نرصدها بتلسكوباتنا، إلا أن هناك دائمًا رابطًا مفقودًا للكيفية التي تنتقل بها النجوم من وضع استهلاك الكربون والأكسجين إلى وضع الانفجار.
في حين تفترض معظم الآليات والنظريات الحديثة التي تُفسر الانفجار الكبير أن الفتيل كان موجودًا في لحظة الانفجار بشكل طبيعي، فإن الآلية التي اكتشفها الباحثون تقول إن هناك “لهبًا سلبيًّا” كلهب الشمعة، تحول إلى لهب نشط “كفتيل القنبلة”.
يقول الباحث الرئيسي في تلك الدراسة “كريم أحمد”، في تصريحات لـ”للعلم”، إنهم لاحظوا أن النيران المنبعثة من المحركات “يُمكن أن تتسارع من تلقاء نفسها دون الحاجة إلى زيادة في كمية الوقود”، فبدأوا في التساؤل عن سبب تلك الظاهرة الفريدة.
لتوضيح الأمر بصورة أكثر، يجب فهم مجموعة من التعريفات المهمة في علم الاحتراق، أول تلك التعريفات هو مصطلح التوقد، وهو نوع من أنواع الحريق الذي تنتقل فيه الشعلة بسرعة تفوق سرعة الصوت، وفيه تقل سرعة الحرق عن سرعة الصوت، وتكون سرعة انتشار اللهب أقل من 100 متر في الثانية، أما الضغط فلا يزيد على نصف بار. من أمثلة ذلك النوع من الحريق موقد الغاز، والألعاب النارية، وحرائق الغابات، وحتى البارود في الأسلحة الشخصية الخفيفة. ويتوسع ذلك النوع من الحريق في نمط دائري حال توافُر الوقود، فإذا لم يكن هناك وقود انطفأت النيران وانكمشت.
أما التعريف الثاني فهو التفجير، وفيه يحدث شكل هائل من أشكال الانفجار، تتحرك فيه الشعلة بسرعة أكبر من سرعة الصوت، وبضغط يزيد على 20 بارًا (وحدة قياس للضغط لا تتبع النظام الدولي للوحدات)، يؤدي ذلك إلى إطلاق جزيئات غير مستقرة ذات طاقة عالية تنفصل وتتجمع في أشكال جديدة، ويُعد انفجار “التي إن تي” واحدًا من الأمثلة التي توضح الحريق بالتفجير.
أما التعريف الثالث، فهو حريق التوقد/ التفجير، وفيه تتزايد سرعة اللهب من مرحلة التوقد (سرعتها أقل من سرعة الصوت) إلى مرحلة التفجير (سرعتها أعلى من سرعة الصوت)؛ لتخلق تيارات دوامية اضطرابية، وهو ما حدث تمامًا في الانفجار الكبير الذي شكَّل كوننا”، وفق ما يقوله “أحمد”.
تشير الدراسة إلى أن الطاقة التي بدأ بها كوننا تسببت في انفجار من النوع الأول “التوقدي” قاد إلى انفجار من النوع الثاني “التفجيري”، ما أدى إلى تسارُع الكون وتوسُّعه بالصورة التي نعرفها الآن.
يقول “أحمد” –وهو أمريكي من أصل مصري- في تصريحاته لـ”للعلم”: الأمر جاء بالمصادفة حين كنا نستكشف الطريقة التي تندفع بها النيران من المحركات، في محاولة لجعل تلك النيران تُنتج طاقةً أكثر بطريقة أكثر فاعليةً ونظافة، ولا تنطبق تلك الآلية على المحركات فقط، بل على النجوم المستعرة أيضًا. وحين لاحظ الفريق إمكانية تحوُّل جبهة اللهب من التوقد إلى الانفجار أدرك أن ذلك ما جعل الانفجار الكبير كبيرًا.
يضيف “أحمد” أن العمل على تلك الدراسة استغرق أكثر من 5 سنوات كاملة، ولن يساعدنا فهم تلك الآلية على فهم الكيفية التي توسع بها الكون فقط، ولكن سيساهم أيضًا في تطوير محركات ذات طاقة عالية يمكنها توليد كهرباء هائلة، وهو الهدف الأساسي لتلك الدراسة، كما يُمكن أن يساهم أيضًا في تطوير محركات دفع نفاثة ومحركات صاروخية أكثر قوةً وفاعليةً مقارنةً بالمحركات الحالية، ما سيساعد على تقليص مدة الرحلة من نيويورك إلى القاهرة من 11 ساعة إلى 60 دقيقة، وهذا يعني أنني أستطيع العودة إلى الوطن الأم في وقت أقل”.
يُذكر أن كريم أحمد، المؤلف الرئيسي للدراسة له جذور مصرية، إذ إن والديه مصريان، وهو حاصل على الدكتوراة في الهندسة الميكانيكية من جامعة بوفالو الأمريكية، وعمل طويلًا في مجال المحركات العسكرية، وهو عضو في الأكاديمية الأمريكية للملاحة والفضاء، علاوة على كونه باحثًا في جامعة سنترال فلوريدا، وعضوًا في هيئة تدريس مركز الأبحاث المتقدمة للطاقة.