في ظل النضوب المرتقب لمصادر الطاقة الغير متجددة اتجهت أنظار العالم إلى مصادر أخرى للطاقة تعوض غياب تلك المصادر، وفي هذا الإطار قدم الباحث المصري جمعة طوغان مجموعة من الاقتراحات التي تقدم حلولا لانتاج طاقة رخيصة، صديقة للبيئة، تخفف من معاناة العالم من تبعات التغيرات المناخية.
طوغان هو مهندس زراعي معني كثيرا بمثل هذه المشروعات التنموية وقدم مجموعة من دراسات الجدوى والتي تحوي العديد من الأفكار والتي سنعرض للخطوط العريضة التي احتوتها:
Table of Contents
إنتاج الايثانول والبيو ديزل من النخيل
يكفى إن نعلم قبل الخوض في الموضوع أن هذا الموضوع مسائلة مهمة جدا لمصر لو أخذت المسائلة على محمل الجد فيكف أن نعرف أن البرازيل زادت الطاقة الإنتاجية من البيوإيثانول من 3.1 مليار جالون 2001 إلى 4.2 مليار جالون 2005، ويتوقع أن ترتفع إلى 9.5 مليار جالون 2012 تسهم في تكوين سوق عمل تستوعب 4.2 مليون وظيفة. وتعتمد البرازيل على محصول قصب السكر بدرجة رئيسية في إنتاج البيوإيثانول وفي إندونيسيا تعمل صناعة البيوديزل على توفير 2.5 مليون وظيفة.
في البداية يجب أن نوضح أن الوقود الحيوي يوجد علي صورتين رئيسيتين هما الصورة الأولي الديزل الحيوي، والذي يستخرج من الحبوب الزيتية أو اللفت ويضاف لزيت الديزل وهي الصورة المنتشرة في أوربا. أما الصورة الثانية هي الايثانول والذي يستخرج من قصب السكر والحبوب ويضاف إلي البنزين.
وهاتان الصورتان توجدان في ثمرة نخيل التمر حيث يوجد الديزل الحيوي في النوة وهي تمثل من 20-25% من وزن الثمرة حسب الصنف ويمثل الزيت نسبة 10% تقريبا من حجم النواة وهر ترمي بدون فائدة بعد أكل الجزء اللحمي من ثمرة البلح وتقدر تلك الكمية من الزيت الحيوي بملايين الأطنان لو تم استخراج الزيت بصورة تجارية في جميع أنحاء الوطن العربي الذي يمثل 90% من مناطق إنتاج التمر في العالم. ويبلغ سعر البيوديزل في حدود 940 دولارا للطن حاليا.
الصورة الثانية وتتمثل في الايثانول وهو ما يمكن إنتاجه من الجزء اللحمي من الثمرة والتي يصل بها نسبة السكريات إلي أكثر مكن 80% حسب الصنف ويمكن إنتاج الايثانول من تالف التمور والمرتجع من ألأسواق والمصاب بالحشرات وما إلي ذلك من مصادر رخيصة نحاول بها إيجاد بديل لإنتاج الايثانول بعيدا عن السلع الأساسية الاستراتيجية وهي القمح والذرة والسكر حيث يمكن الاستغناء عن محصول التمر طوال العام علي العكس من ذلك إن السلع الأساسية لو غابت لفترة لظهرت المجاعات والحروب في الكثير من دول العالم.
ومن فضل الله علينا تملك معظم إنتاج العالم من التمور ونحن من أعلي معدلات الإنتاج في العالم حيث يقدر العلماء أن متوسط لنتاج النخلة في مصر يقدر ب55 كيلو جرام وهي إنتاجية مرتفعة.
يؤكد الباحث أن تلك التقديرات تحتاج إلي إعادة تصحيح إنتاجية بعض الأصناف مثل الأمهات والحياني بحيث تزيد عن 200 كيلو جرام وتصل إلي 300 وبعض الأصناف العراقية ويسمي البر حي والذي تقدر إنتاجيته في العراق بـ19 كيلو جرام كمتوسط إنتاج سنوي ينتج تحت الظروف البيئة والخدمة والرعاية المصرية ما يقارب من 500 كيلو جرام مما يمثل بشائر خير للمنطقة جميعها.
النخلة كمورد دائم ومتجدد لـ الطاقة
وتمثل النخلة مورد متجددا ودائما كمصدر للطاقة حيث تستمر في الإنتاج إلي أكثر من 100 عام متوصلة ويمكن التوسع في زراعتها في أماكن كثيرة من مصر والوطن العربي ويكفي إن نعلم إن دولة مثل الأمارات العربية استطاعت في عهد سمو الشيخ زايد -رحمه الله- وبرعاية منه أن يصل عدد الأشجار بها إلي ما يقارب من 50 مليون نخلة في حين يقدر الخبراء أن عدد أشجار النخيل في مصر 10 مليون نخلة.
ولعل إنتاج الايثانول يكون دافعا لزراعة المزيد من أشجار النخيل لتكون مصر من الدول المنتجة للطاقة والمصدرة لها ومن الدول التي تساهم في تنفيذ شعار الأمم المتحدة الذي فعلته هذا العام وهو (أزرع شجرة لإنقاذ كوكبنا) ونحاول أن نجد البديل للدول المنتجة للايثانول منتجا رخيصا وبكميات كبيرة لمنعهم من تحويل الغذاء إلي طاقة وإطلاق المجاعات والحروب في الكثير من مناطق العالم. البيانات التالية تمثل المواد الخام المستخدمة في إنتاج الايثانول والكمية المنتجة لتر/طن
المادة الخام إنتاج الايثانول لتر/طن
- قصب السكر 70
- المولاس 280
- الذرة 370
- الذرة السكرية 86
- البطاطا 125
- تمور رديئة 300
- مخلفات تمور 90
- خشب 160
- الباباظ 80
ومما سبق يتضح أن التمر من أعلي المواد إنتاجية وخاصة أننا في البيانات السابقة نتكلم عن التمور التالفة ولا نتكلم عن الأصناف التي بها سكريات عالية ولا يوجد لها مجال تسويقي لصعوبة نقلها ورخص ثمنها مثل صنف الأمهات الذي يجود في محافظة الجيزة حيث تعطي النخلة ما لا يقل عن 200 كيلو وثمنها لا يتعدى 20 جنيه مما يرشحها لتكون من أهم المصادر لإنتاج الايثانول وخاصة أن الخبرة في عملية التقطير وإنتاج الكحول تتوفر أيضا في محافظة الجيزة حيث يقع مصنع التقطير بشركة السكر والتقطير المصرية بمدينة الحوامدية بالجيزة.
حديث الأرقام
تعتبر مصر اكبر منتج في العالم للتمر حيث بلغ إنتاجها السنوي في عام 2012 1.47مليون طن من التمر و هو ما يمثل حوالي خمس الانتاج العالمي. تمتلك المملكة العربية السعودية اكثر من 23 مليون شجرة نخيل و التي تنتج حوالي مليون طن من التمر في العام. تدر أشجار النخيل كميات هائلة من المخلفات الزراعية في شكل أوراق جافة، سيقان، نوي التمر، بذور، الخ. يمكن لشجرة نخيل واحدة ان تنتج نمطيا ما يقرب من 20 كيلوجرام من الأوراق الجافة سنويا بينما يمثل نوي التمر غالبا 10% من ثمرة التمر. اثبتت بعض الدراسات ان المملكة العربية السعودية وحدها قادرة علي ان تنتج اكثر من 200,000 طن من الكتلة الحيوية لتمر النخيل كل عام.
يعتبر تمر النخيل من مصادر الطاقة الطبيعية المتجددة لانه يمكن استبدالها في وقت قصير نسبيا. تستغرق شجرة النخيل من 4-8 سنوات حتي تثمر بعد زرعها، ومن 7-10 سنوات حتي يكون حصاد ثمرها اقتصاديا. يتم عادة حرق مخلفات تمر النخيل في مزارع او يتم التخلص منها في مقالب القمامة مما يسبب تلوث بيئي في مناطق انتاج التمر. في بلدان مثل العراق و مصر يستخدم جزء صغير من الكتلة الحيوية للنخيل في انتاج الأعلاف الحيوانية.
الكتلة الحيوية للنخيل تحتوي علي المكونات الاساسية الآتية سليولوز و هيميسليولوز و اللغنين. بالاضافة الي ذلك يحتوي النخيل علي نسبة عالية من المواد الصلبة المتطايرة ونسبة منخفضة من الرطوبة. و بفضل هذه العوامل و المكونات تكون الكتلة الحيوية للنخيل مصدرا ممتازا لإنتاج الطاقة من المخلفات في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.
يوجد نطاق واسع من تكنولوجيات حرارية و كيمياء حيوية تستخدم لتحويل الطاقة المختزنة في الكتلة الحيوية للنخيل الي عدة صور مفيدة من الطاقة. وجود نسبة رطوبة منخفضة في تمر النخيل تجعل مخلفاته مناسبة تماما لتكنولوجيا التحويل الحراري و الكيميائي مثل الإحراق و التحويل الي غاز و الانحلال الحراري.
علي الجانب الاخر، وجود نسبة عالية من المواد الصلبة المتطايرة في الكتلة الحيوية للنخيل تدل علي إمكانيتها لإنتاج غاز حيوي في مصانع التهضيم اللاهوائي، و من الممكن بواسطة التهضيم المشارك مع المخلفات الصلبة للصرف الصحي، المخلفات الحيوانية و النفايات الغذائية. يمكن تحويل المحتوي السليولوزي في مخلفات النخيل إلي وقود حيوي (إيثانول حيوي) عن طريق استخدام عملية التخمير. و بالتالي فان وجود أشجار النخيل بوفرة في بلدان مجلس التعاون الخليجي، وعلي الأخص المملكة العربية السعودية، يحفز علي تطوير قطاعي الكتلة الحيوية و الوقود الحيوي في المنطقة.
منتجات ثورية من النخيل
في إحدى محاضرته التي حملت عنوان “منتجات عضوية غير تقليدية من نفايات التمور والنخيل“، قال د. خالد غانم -أستاذ الزراعة العضوية بجامعة الأزهر: ”تخيل أن 20% من حجم النخيل والتمور يذهب كمخلفات، في حين أنه يمكن تحويل كل شيء في النخلة إلى منتج“،
أثير جدل طويل حول كلمة “نفايات”، إذ اعترض عدد من الحضور، معتبرين أن النخلة لا تخلف أي نفايات بل “منتجات ثانوية”.
فيما استعرض غانم عددًا من الأمثلة غير التقليدية لاستغلال مخلفات النخيل، قائلًا: ”يمكن عمل بعض المنتجات الغذائية العضوية منها باستغلال نوى التمر بعد تحميصه وطحنه وعمل بديل للقهوة يتميز بأنه عضوي وخالٍ من الكافيين“.
كما عرض إمكانية استغلال التمور الرديئة وطحنها وإدخالها في عدد من الصناعات الغذائية كالبسكويت لرفع القيمة الغذائية للمنتج، أو عصرها وعمل نوع من دبس التمور، واستخدام الألياف المتبقية من العصر وإدخالها أيضًا في صناعات غذائية؛ لما لها من فوائد جمة للجهاز الهضمي.
واستعرض أيضًا أفكارًا شيقة لاستخدام سعف النخيل، ومنها عمل عبوات تعبئة وتغليف للتمور المباعة من الخوص المتبقي، وأكد: ”هناك نماذج لأعمال مشابهة جرى تصديرها إلى إيطاليا، ولاقت نجاحًا جيدًا“.
وإضافة للصناعات الغذائية يمكن إدخال بقايا النخيل والتمور في صناعة الأسمدة العضوية، مثل كمبوست والبوكاشي وغيرهما.
ليس هذا فحسب، يقول غانم: ”يمكن أيضًا استغلال المخلفات المتبقية من التمور التالفة في عمل أعلاف عضوية للحيوانات في أماكن تربيتها الطبيعية، من خلال دمجها بمخرجات أخرى، مثل نواتج تقليم النخيل والسعف“.