بعد طرقة واحدة على باب شقتها بالعقار رقم 4 بشارع خلوصي بحي المنيل في القاهرة؛ فتحت بسرعة ورشاقة التشكيلية المعاقة كريمة مختار؛ بل صنعت الشاي وقدمته لنا بنفسها.. ثلاثون عاما فقط هو كل عمرها ، استطاعت فيه بطرفيها الوحيدين “القدمين” رسم أكثر من مائتي لوحة تشكيلية متميزة ، شاركت بها في ثلاث معارض، بيعت جميعا، إلا واحدة ترفض بيعها لأنها تجسد حزنها على رحيل والديها اللذين ماتا تباعا في شهر واحد منذ سبع سنوات؛ وأعقبهما وحدة وعزلة قاتلة.
ولم ترث كريمة من والدها؛ مختار مصباح، وجدها أيضا، سواعدهما الفولاذية ولكنها ورثت منهما جينات الفن والتشكيل، فقد كانا محترفين لصناعة تابلوهات الزجاج المعشق والملون ذي الإضاءات المتفاوتة، كما لم تحل أميتها دون تحصيلها ثقافة تشكيلية جيدة من خلال الندوات والورش بدور الإعاقة ومركز شباب المنيل الذي تعمل به؛ مما جعها شبه متخصصة في في الرسم التجريدي.
وإمعانا منها في إدهاشنا بمواهبها المتعددة أطلعتنا على بعض منتجات الكروشيه الرائعة، التي قامت بصناعتها بنفسها، وأكدت شقيقتها الصغرى أن كريمة كانت تقوم بإعطاء والدتها جرعات الأنسولين عن طريق الحقن، وأنها ربة وطباخة من الطراز الأول.
وعن المعارض التي شاركت فيها قالت : شاركت في معرض أقامته إذاعته الشباب والرياضة بمهرجان السياحة والتسوق بأرض المعارض، فوجئت خلاله بشخص لا أعرفه اشترى مني لوحتين، أشاد بهما جدا، واتضح أنه الدكتور والفنان أحمد نوار، رئيس هيئة قصور الثقافة.. وعلمت بعد ذلك أنه قام بوضعهما في صاة المقتنيات بدار الأوبرا، وبعدها شاركت بـ72 لوحة في معرض أقيم بنقابة الفنون التشكيلية، وخلالها طلب سكرتير أحد المسئولين الكبار، المعني بالشئون الثقافية والفنية عشر لوحات لتشترك باسمي في أحد معارض الوزارة، ثم أعاد لي سبعة فقط، وادعى أن ثلاث لوحات فقدت خلال العرض، فكتمت أحزاني ورضخت للأمر الواقع ولإرادة المسئول الكبير جدا.. معرض نقابة الفنون التشكيلية كان له قصة مؤلمة أخرى مع كريمة، فقد دعاها إليه الفنان حسين الجبالي ” أحد قيادات النقابة” كشرط للحصول على العضوية.. تقول كريمة: وبالفعل قدمت كل الأوراق المطلوبة ولكنه قال إنني لا أصلح بسبب عدم حصولي على مؤهل دراسي.
للفرح مساحة من حياة كريمة، تجعلها تردد دائما “الحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به كثيرا من خلقه”؛ حيث تباهي جاراتها وزميلاتها في العمل باهتمام وسائل الإعلام مقروءة ومسموعة ومرئية بها وبفنها رغم جسدها الناقص..لكن شيئا صغيرا ووحيدا يملأ قلب كريمة بسعادة حقيقية هو تفاؤل كثيرين من المحيطين بها؛ حتى الباعة الجائلين يحرصون على النداء عليها ليلقوا عليها تحية الصباح؛ كطقس يومي يجلب الحظ.. تتمنى كريمة أن تؤدي فريضة الحج وأن تصل بمعارضها إلى جمهور الخليج الذواق، وأن تنتقل إلى شقة خاصة تستطيع فيها إكمال مشروعها الفني؛ خاصة أنها تقطن في شقة والديها مع أختيها، وإحداهما متزوجة ولديها أبناء.
حاتم عبدالله