تخيل كيف سيكون رد الفعل لو أن جمهور وسائل التواصل الاجتماعي قرأ هذا الخبر على الفيسبوك: ميكانيكي سيارات مصري يبتكر أسهل وأرخص وأحدث جهاز لحل مشكلة الولادات المتعثرة؟..مما لا شك فيه أن عنوانا كهذا سيكون محل جدل كبير، خاصة في ظل موجة تبني الإعلام لمدعي الابتكار وطالبي الشهرة، لكن القصة الحقيقية لهذا الابتكار الذي أعلن موقع منظمة الصحة العالمية في مارس 2018 أنه ذو جدوى، وأوصت أحدث دراسة منشورة عنه على الموقع بإجراء تجارب سريرية عشوائية على استخدامه قبل تعميمه..هذه القصة ربما تعلمنا ألا ننظر كثيرا إلى من المبتكر، ولكن أن ننظر إلى ماذا يقول أنه ابتكر، وإلى إذا ما كان ابتكاره سيصمد للاختبارات العلمية أم لا.
بداية تعرضي للموضوع كانت بالفعل على صفحات الفيسبوك، وذلك عندما نشرت صفحة موقع زنك Zinc الإعلامي فيديو في يناير 2018 حول “جهاز أودون Odon Device” الذي ابتكره ميكانيكي سيارات أرجنتيني يدعى خورجه أودون Jorge Odon وحصلت شركة بيكتون وديكنسون على رخصة تصنيعه عام 2013، وطورت منه نموذجا أوليا، ودعم برنامج الإنجاب البشري التابع لمنظمة الصحة العالمية استكمال البحوث الخاصة به، وكما جاء في الفيديو فإن هذا الجهاز البسيط ربما يسهم في إنقاذ حياة الملايين، وذلك بمساعدته في إخراج المواليد من أرحام أمهاتهم في الولادات المتعثرة.
يقول خورجه أن الفكرة جاءته حينما تبارى اثنان من العاملين في ورشته على إخراج غطاء فلين من زجاجة، وأن الآلية التي نجحت كانت آلية مشبك الهواء air climpوالتي تستخدم كيسا بلاستيكيا بعد إدخاله إلى الزجاجة ثم ملئه بالهواء، وسحبه إلى خارجها مع الغطاء الفليني، وليلتها لم يستطع النوم حينما لمعت فكرة استخدام تلك التقنية البسيطة في الولادات المتعثرة، فتحدث مع طبيب ولادة بشأنها فشجعه على المضي قدما في هذه الفكرة، ومن ثم تم إنشاء النموذج الأول للجهاز عن طريق خياطة كم على كيس من القماش وتم اختباره باستخدام دمية موضوعة في وعاء زجاجي لمحاكاة استخدام الجهاز في عملية الولادة.
وكما يشير موقع منظمة الصحة العالمية فإن جهاز أودون مخصص لمساعدة الولادة المهبلية عندما تستغرق المرحلة الثانية وقتًا أطول مما يعتبر آمنًا، أو إذا ظهرت مضاعفات، على سبيل المثال إذا كان الطفل كبيرًا أو مكروبًا، وتشير المصادر الأخرى إلى أن التقنية التي يستخدمها الجهاز أكثر أمانا من استخدام الملقاط أو جهاز شفط المواليد، وكما يشير موقع منظمة الصحة العالمية فإن المضاعفات الناجمة عن المرحلة الثانية من المخاض الأموي تشمل وفاة الأم بسبب النزيف أو العدوى، أو مضاعفات الأجنة كاختناق أو صدمة الولادة. أما موقع الويكيبيديا فيشير إلى أن أكثر من 13 مليون ولادة سنوياً تواجه تلك المضاعفات الخطيرة في جميع أنحاء العالم، ويموت كل يوم 800 امرأة بسبب تلك الأسباب التي يمكن الوقاية والتي تتعلق بالحمل والولادة (حوالي 300 ألف سنوياً).
مشكلة الولادات المتعثرة إذا خطيرة، والتقنيات المتاحة لها مضاعفاتها، وتتميز التقنية الجديدة بسهولتها ورخص ثمن الجهاز الذي يقوم بها (50 دولارا)، بما يجعل من السهل على القابلات استخدامه في حال تعثر الولادة الطبيعية، بقي أن يثبت الجهاز بعد انتهاء التجارب أنه أكثر أمانا للأم والجنين مما هو متاح من تقنيات وأجهزة.
د. مجدي سعيد