
يُعد جيلبرت نيوتن لويس (Gilbert N. Lewis) واحدًا من أعلام الفيزياء والكيمياء في القرن العشرين، فقد قدّم مساهمات عميقة في فهم الروابط الكيميائية والتفاعلات بين الذرات والجزيئات. ومن أبرز إسهاماته صياغة فرضية العلاقات غير القطبية، التي ساعدت على تفسير طبيعة الروابط بين الذرات عندما لا يحدث تبادل واضح للإلكترونات أو عندما تكون قوى التجاذب ضعيفة وغير قطبية.
إلى جانب هذه الفرضية، اشتهر لويس أيضًا بنظريته حول الروابط التساهمية، وبما يُعرف لاحقًا باسم “نظرية لويس للأحماض والقواعد”، التي أصبحت أساسًا للكيمياء الحديثة.
Table of Contents
النشأة والتعليم
وُلد جيلبرت نيوتن لويس في 23 أكتوبر 1875 بولاية ماساتشوستس الأمريكية. أظهر منذ طفولته اهتمامًا بالرياضيات والعلوم، وكان محبًا للتجارب العلمية. التحق بجامعة نبراسكا ثم انتقل إلى جامعة هارفارد حيث حصل على درجة الدكتوراه في الكيمياء عام 1899.
بعد ذلك تابع دراسته وبحوثه في أوروبا، خصوصًا في ألمانيا تحت إشراف كبار العلماء، قبل أن يعود إلى الولايات المتحدة ليبدأ مسيرة أكاديمية مميزة.
المسيرة الأكاديمية والعلمية
بدأ لويس عمله أستاذًا للكيمياء في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، حيث بنى واحدًا من أقوى أقسام الكيمياء في العالم. جمع بين الفيزياء والكيمياء في أبحاثه، وكان معروفًا بدقته التجريبية وبراعته النظرية.
ركز في البداية على دراسة البنية الذرية والإلكترونات، ثم توسع نحو دراسة الروابط بين الذرات، وهو ما مهد الطريق لإسهاماته في نظرية الروابط الكيميائية.
فرضية العلاقات غير القطبية
من بين إسهاماته البارزة، طرح لويس فرضية العلاقات غير القطبية، التي حاول من خلالها تفسير طبيعة التفاعلات بين الذرات والجزيئات التي لا تعتمد على توزيع الشحنات أو الاستقطاب.
ففي الوقت الذي كانت فيه معظم النظريات الكيميائية تفسر الروابط على أساس التفاعل بين شحنات موجبة وسالبة، قدّم لويس رؤية مختلفة، حيث أشار إلى أن هناك أنواعًا من الروابط تتسم بكونها غير قطبية، أي أن الإلكترونات موزعة بشكل متساوٍ بين الذرات، مما يمنع ظهور أقطاب كهربائية واضحة.
هذه الفرضية كانت أساسًا لفهم:
-
الروابط التساهمية النقية، حيث تتشارك الذرات الإلكترونات بشكل متكافئ.
-
الجزيئات المتماثلة مثل: الأكسجين (O₂)، النيتروجين (N₂)، والكلور (Cl₂).
-
تفسير الخواص الفيزيائية لمركبات لا تحمل شحنات واضحة، مثل قلة ذوبانها في الماء أو ضعف قوى التجاذب بينها.
إسهامات جيلبرت نيوتن لويس في العلوم
1. نظرية لويس للروابط التساهمية
كان لويس أول من فسّر الروابط الكيميائية على أنها مشاركة لزوج من الإلكترونات بين ذرتين. هذه النظرية البسيطة والمباشرة غيّرت مسار الكيمياء، ولا تزال تُدرّس حتى اليوم.
2. مفهوم الأحماض والقواعد
وضع لويس تعريفًا جديدًا للأحماض والقواعد:
-
الحمض هو مستقبل للإلكترونات.
-
القاعدة هي مانح للإلكترونات.
هذا التعريف كان أكثر شمولًا من تعريف أرهينيوس وبرونستد-لوري، وأصبح أساسًا لفهم تفاعلات عديدة في الكيمياء غير العضوية والعضوية.
3. مساهماته في الديناميكا الحرارية
نشر لويس كتابًا بعنوان “الديناميكا الحرارية وحرارة التفاعلات الكيميائية”، الذي أصبح مرجعًا رئيسيًا للعلماء في أوائل القرن العشرين.
4. دراسة النظائر
ساهم في تطوير طرق لفصل النظائر ودراسة خصائصها، وهو ما ساعد لاحقًا في تقدم علم الفيزياء النووية.
5. مفهوم الروابط غير القطبية
إلى جانب الروابط القطبية التي تنشأ بسبب فرق الكهروسالبية بين الذرات، أعطى لويس تفسيرًا علميًا للروابط التي لا يظهر فيها هذا الفرق، مما فتح الباب لفهم أعمق لبنية المواد.
مؤلفات جيلبرت نيوتن لويس
كتب لويس عدة مؤلفات علمية مهمة، من أبرزها:
-
“Thermodynamics and the Free Energy of Chemical Substances” (1916)، مرجع أساسي في الديناميكا الحرارية.
-
مقالاته العلمية حول الروابط الكيميائية التي شكلت الأساس لعلم الكيمياء الفيزيائية الحديث.
جوائز وتقدير علمي
رغم أن لويس رُشح لجائزة نوبل عدة مرات، إلا أنه لم يحصل عليها، وهو ما اعتبره كثيرون ظلمًا كبيرًا نظرًا لإسهاماته العميقة. ومع ذلك، فقد نال تقديرًا عالميًا، وأصبح اسمه مرتبطًا بالمفاهيم الأساسية في الكيمياء، مثل “بُنى لويس” (Lewis Structures) التي تُستخدم حتى الآن لرسم الجزيئات.
وفاته
توفي جيلبرت نيوتن لويس في 23 مارس 1946 بظروف غامضة في مختبره بجامعة كاليفورنيا. ورغم الجدل حول سبب وفاته، إلا أن إرثه العلمي ظل حاضرًا بقوة في الكيمياء والفيزياء الحديثة.
إرثه وتأثيره في العلم
لا يمكن الحديث عن الكيمياء الحديثة دون ذكر جيلبرت نيوتن لويس. فقد وضع الأسس لفهم الروابط الكيميائية، وابتكر مفاهيم لا تزال تُستخدم حتى الآن، مثل الأحماض والقواعد وفق تعريف لويس، والروابط القطبية وغير القطبية، والهياكل الجزيئية.
لقد ساعدت أبحاثه في الانتقال بالكيمياء من مجرد وصف ظواهر إلى علم دقيق قائم على النظرية والتجريب.
خاتمة
كان جيلبرت نيوتن لويس أكثر من مجرد فيزيائي أو كيميائي؛ كان مفكرًا أعاد صياغة قواعد الفهم العلمي للروابط الذرية. بفضل فرضيته حول العلاقات غير القطبية، ونظرياته الأخرى في الروابط التساهمية والأحماض والقواعد، وضع حجر الأساس للعديد من التطبيقات الحديثة في الكيمياء والفيزياء.
لقد أثبت لويس أن الذرة ليست مجرد جسيم معزول، بل هي وحدة قادرة على بناء علاقات معقدة ومتنوعة، منها ما هو قطبي ومنها ما هو غير قطبي، لتشكّل في النهاية هذا التنوع الهائل في الطبيعة.