نقاط مضيئهمبدعون

رائد الصالح.. من ميادين الإنقاذ إلى قيادة الطوارئ والكوارث

في سنوات الحرب السورية الممتدة منذ أكثر من عقد، لم تكن المآسي محصورة في الأرقام والإحصاءات، بل كانت قصصًا حية لأشخاص اختاروا أن يقفوا في الصفوف الأولى لإنقاذ الأرواح وتخفيف الألم. ومن بين هذه الشخصيات، يبرز اسم رائد الصالح، الرجل الذي تحوّل إلى رمز عالمي للشجاعة والعمل الإنساني. فقد اشتهر بقيادته لمنظمة الدفاع المدني السوري المعروفة بـ”الخوذ البيضاء”، قبل أن يتقلّد في عام 2025 منصب وزير إدارة الطوارئ والكوارث في الحكومة السورية الانتقالية.


بدايات رائد الصالح

ولد رائد الصالح في مدينة إدلب السورية، حيث نشأ في بيئة بسيطة مثل ملايين السوريين. ومع اندلاع الحرب عام 2011، وجد نفسه شاهدًا على الدمار والمعاناة التي أصابت المدنيين الأبرياء. لم يقف موقف المتفرج، بل قرر أن يسلك طريقًا مختلفًا، طريقًا مليئًا بالمخاطر لكنه محفوف بالإنسانية، عبر الانخراط في العمل التطوعي والإغاثي.


تأسيس منظمة الخوذ البيضاء

مع اشتداد القصف في المدن السورية، برزت الحاجة إلى فرق إنقاذ مدنية تعمل بشكل منظم. هنا ظهر دور الخوذ البيضاء، وهي منظمة تأسست عام 2013 بمبادرة من مجموعة من المتطوعين السوريين، وكان رائد الصالح أحد أبرز مؤسسيها وقادتها.
تهدف المنظمة إلى التدخل السريع لإنقاذ المصابين جراء الغارات الجوية أو القصف، وانتشال العالقين تحت الأنقاض، وتقديم الإسعافات الأولية للجرحى.

ارتدى المتطوعون خوذًا بيضاء بسيطة، تحولت مع الوقت إلى رمز للأمل والنجاة في قلوب السوريين. لم تكن لديهم إمكانيات ضخمة أو معدات متطورة، لكن إصرارهم على إنقاذ الأرواح جعلهم قوة إنسانية معروفة عالميًا.


التحديات والمخاطر

واجه رائد الصالح ورفاقه في الخوذ البيضاء تحديات هائلة:

  • الخطر اليومي: فالقصف كان يستهدف المدنيين وفرق الإنقاذ على حد سواء.

  • قلة الإمكانيات: إذ كانت الأدوات بسيطة، تعتمد على جهود المتطوعين وشجاعتهم.

  • التشويه الإعلامي: حيث تعرضت المنظمة لحملات تشكيك واتهامات، لكن إنجازاتها على الأرض كانت أبلغ رد.

ورغم كل ذلك، لم يتراجع الصالح، بل ظل يردد أن “إنقاذ إنسان واحد يعادل إنقاذ البشرية كلها”.


الاعتراف الدولي

بفضل جهود الخوذ البيضاء، حصلت المنظمة على اعتراف عالمي واسع. فقد رُشحت لنيل جائزة نوبل للسلام عام 2016، كما فازت بجوائز إنسانية مرموقة أخرى. وكان رائد الصالح الوجه البارز الذي مثّل المنظمة في المؤتمرات الدولية، حيث دافع عن حق المدنيين السوريين في الحياة والأمان.
هذه الجوائز لم تكن مجرد تكريم شخصي، بل اعترافًا بدور آلاف المتطوعين الذين خاطروا بحياتهم من أجل الآخرين.


رائد الصالح.. وزيرًا لإدارة الطوارئ والكوارث

في عام 2025، ومع تشكيل الحكومة السورية الانتقالية، تم تعيين رائد الصالح وزيرًا لإدارة الطوارئ والكوارث. هذا التعيين لم يكن مفاجئًا، بل نتيجة طبيعية لمسيرته الطويلة في العمل الإنساني. فقد أثبت الصالح أنه ليس مجرد قائد ميداني، بل رجل دولة قادر على تحويل خبراته الميدانية إلى سياسات عامة تخدم المجتمع.


مهام وزارة الطوارئ والكوارث

من أبرز المهام التي أُنيطت بوزارة الصالح:

  1. تأسيس نظام وطني لإدارة الكوارث يعتمد على التخطيط المسبق والتجهيز اللوجستي.

  2. تدريب فرق إنقاذ متخصصة قادرة على التدخل السريع في الأزمات.

  3. التعاون مع المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والصليب الأحمر لتأمين الدعم والتمويل.

  4. إطلاق برامج توعية للمجتمع حول كيفية التصرف في حالات الطوارئ.

وبذلك، انتقل الصالح من قيادة منظمة مدنية تطوعية إلى قيادة مؤسسة حكومية مسؤولة عن أمن وسلامة الملايين.


فلسفة رائد الصالح في العمل الإنساني

ما يميز رائد الصالح هو فلسفته البسيطة والعميقة في آن واحد:

  • الإنسان أولاً: لا يهم الدين أو العرق أو الانتماء، بل المهم هو إنقاذ حياة بشرية.

  • التطوع أساس النهضة: فالمجتمعات لا تنهض إلا بجهود أبنائها، والجهد التطوعي يعكس أسمى معاني المواطنة.

  • التنظيم والتخطيط: فالعمل العشوائي لا يحقق نتائج، لذا كان الصالح دائمًا يركز على بناء فرق منظمة ومدربة.

أثر الخوذ البيضاء في الداخل والخارج

بقيادة الصالح، أصبحت الخوذ البيضاء أكثر من مجرد منظمة محلية:

  • في الداخل السوري، مثلت المنظمة بصيص أمل للمدنيين الذين فقدوا الأمان.

  • على المستوى الدولي، أصبحت نموذجًا للعمل التطوعي الإنساني في مناطق النزاع.

  • ألهمت قصتها منظمات إنسانية أخرى للعمل في أماكن خطرة حول العالم.

الانتقادات والجدل

لم تخلُ مسيرة الصالح من الانتقادات. فقد تعرضت الخوذ البيضاء لحملات تشويه تتهمها بالتحيز أو الارتباط بأطراف خارجية. إلا أن ما شهده المدنيون من عمليات إنقاذ يومية كان الرد الأقوى على هذه الاتهامات.
تعامل الصالح مع هذه الانتقادات بصبر، معتبرًا أن “العمل الإنساني النزيه دائمًا ما يتعرض للهجوم، لكنه يظل أصدق من أي رواية أخرى”.


الإرث الإنساني لرائد الصالح

يمكن القول إن رائد الصالح أصبح رمزًا عالميًا، ليس فقط للسوريين، بل لكل من يؤمن بأن الإنسانية قادرة على تجاوز الحروب والانقسامات.
إرثه يتجسد في:

  • آلاف الأرواح التي أنقذتها الخوذ البيضاء.

  • جيل جديد من الشباب السوري الذي تعلم قيمة التطوع.

  • تحول العمل الإنساني من مبادرة فردية إلى مؤسسة لها تأثير سياسي واجتماعي.

المستقبل والتطلعات

ينظر الكثيرون إلى رائد الصالح كقائد قادر على المساهمة في إعادة بناء سوريا ما بعد الحرب. فخبراته في إدارة الأزمات والكوارث، ورصيده من الثقة الشعبية والدولية، تجعله شخصية محورية في رسم ملامح المستقبل.
وإذا كانت الخوذ البيضاء قد أنقذت الأرواح وسط الركام، فإن وزارة الطوارئ بقيادة الصالح قد تكون قادرة على إعادة بناء حياة كاملة بعد الكوارث.

الخلاصة

إن قصة رائد الصالح هي قصة إنسان اختار أن يكون في قلب المأساة ليصنع الأمل. من متطوع بسيط في إدلب إلى قائد منظمة عالمية، ثم وزير في حكومة انتقالية، ظل الصالح وفيًا لمبدأ واحد: أن حياة الإنسان تستحق أن يُضحى من أجلها.
لقد جسّد الصالح أن البطولة ليست فقط في ميادين القتال، بل في ميادين الإنسانية، حيث تُنقذ الأرواح ويُزرع الأمل. مسيرته الطويلة تؤكد أن العمل التطوعي المنظم قادر على صناعة الفارق، ليس في حياة الأفراد فقط، بل في مستقبل الشعوب بأكملها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى