مملكة سليمان كما قصها لنا القرآن هي مملكة عظيمة وعجيبة لم يشهد لها الدهر مثيل.. فسليمان عليه السلام هو نبي ورث النبوة والحكمة عن أبيه داوود عليه السلام.. والعجيب هنا (سيرة النبي داوود وابنه سليمان) أن موطن الإعجاز لديهما والآية التي فضلهما الله بها هي: مجموعة مواهب وقدرات خارقة مثل فهم لغة الحيوان وتجييش الوحوش والشياطين وفن صناعة الحديد، وهي معجزات ليست فقط للبشر ومنهم وإليهم كمعجزة موسى وعيسى ومحمد عليهم السلام وموجهة للإنسان ولغرض أسر لبه وعقله وإيمانه فحسب، إنما بل هي معجزات تهدي قلب الإنسان إلى معرفة خالقه، كما أنها تفتح له أبواب العلم والحكمة والبناء والتعمير وصناعة حياته وعالمه كما يحب أن يعيش.
هيكل سليمان
المملكة العظيمة..
سوف أطلب منك أن تتخيل معي مملكة سليمان في صباح يوم مشمس (حاول أن تغلق أي صوت أو مشهد حتى تتخيل بشكل أفضل)، ستجد أن مملكة سليمان عظيمة حقا، بما بها من قصور رائعة، وترتيب عظيم، الكل في عمله ووظيفته، نرى هناك مجموعة من البشر ترمم جزء من سور المدينة.. ونرى ونسمع هناك في الجهة الأخرى جيش من الشياطين تقوم بنحت تمثال عملاق وتصبغة بالحديد.. ياللهول، انظروا إلى منافذ المدينة وبواباتها ما هذه الحراسات.. فرق متكاملة من الوحوش والضواري تحرس بواباتها.. وهناك في البحر فرق متكاملة من المردة والشياطين لحماية السواحل والغوص في أعماق المحيطات.. وفي الأعلى الصقور لا تكف عن التحليق والمراقبة وإيفاد القيادة بآخر التطورات أولا بأول.. (قوات برية جوية بحرية).. يمر وقت قصير.. أوه يا الله.. من هذا؟.. إنه سليمان وحاشيته يخرجون من أحد القصور!.. وفجأة يتوقف الموكب!.. نملة صغيرة تتسبب في توقف الموكب.. نعم فبعد أن خاطبت سليمان ونبهت أخواتها بمرور الموكب وأخذ الحيطة والحذر أستأنف الموكب السير.. نعم فمملكة سليمان منظمة وتحكمها قوانين صارمة لا مجال فيها للظلم إطلاقا ولو كان هذا الظلم مجرد سحق نملة.. أمّة كامله (حيوانات – طيور – شياطين – بشر) تعيش معا وبتآلف عجيب وغريب ووفق قوانين وأحكام ونظم دقيقة وصارمة.
قوى سليمان و”السر “..؟
يؤكد الكثير من العلماء والمهتمين أن الدولة العبرية الحالية “إسرائيل” تحاول وبكل ما أوتيت من جهد وقوة الوصول إلى أسرار سليمان ومفاتيح حكمته وعلومه.. وهم على هذا يوهمون العالم الإسلامي أن حفرياتهم تحت المسجد الأقصى وفي محيطة فقط لغرض الآثار والتاريخ ولكن الحقيقة “مختلفة” بالكامل.. فاليهود أمّة ذكية وليسوا أغبياء ويكفي أن نعلم أن أعظم علماء القرن العشرين هم من أصول يهودية: أنشتاين – داروين وغيرهم.. بمعنى أن اهتمام اليهود بأسرار العلوم وجديدها وأحدثها هي فطرة وصبغة لجينات دم تسير في عروقهم..
يعلم اليهود جيدا أن سليمان امتلك أسرار علوم “عجيبة” وأن لها امتداد لتطبيقات ومكاسب حياتيه عظيمة للبشرية.. وأن هذه العلوم يتم اكتسابها بالتعلُّم.. ولذلك قال سليمان (يا آيها الناس عُلمنا منطق الطير) بمعنى أنه اكتسبها بالتعلم.
والعجيب في قصص سليمان في القرآن بروز علمه (بمنطق الحيوان) بشكل واضح ومكرر.. حديثه مع الهدهد ثم النملة ثم العفريت.. بمعنى أن علم اللغويات في عهد سليمان كان متقدم جدا عما نحن عليه اليوم.. والعجيب تشديد القرآن وتكريره لصور ومشاهد حديث سليمان مع الحيوان كما أسلفنا، ولعل هذا العلم هو مفتاح علوم أخرى الله يعلم بأسرارها.. فبمخاطبته وفهمه للغة الطير والحيوان والشياطين استطاع أن يصنع منهم أمة واحدة ويستفيد من قواهم المختلفة لهدف واحد وبذلك استطاع سليمان أن يجمع عوالم مختلفه بالكامل في عالم واحد..
مقارنة..
دعني الان اخي القارئ الكريم أنقلك إلى مقارنة عجيبة وبديهيّه لطالما أرقتني وقت من الزمن.. لعلك تعلم اليوم أن الإنسان بدأ فعلا في صناعة إنسان آلي “روبوت” وهو يحاول كل يوم تطوير هذا الإنسان ليحاكي البشر من خلال بناء (هارد وير وسوفت وير) أكثر تطورا ومحاكاةً للواقع.. بل يكفيك أن تعلم أن الإنسان بصناعته للكمبيوتر وتطويره له قد خطى خطوات عظيمة جدا وليست بالسهلة. والآن، وبعد هذه المقدمه البسيطة أريد أن أسألك سؤالا: في رأيك أيهما أصعب: بناء عقل متطور يحاكي عقل البشر (الكمبيوتر والروبوت وهو في طور التطوير كل يوم).. أم البحث عن خيوط مخاطبة عقل وروح جاهز (الحيوان والطير) دون عناء الصناعة والتعب؟
من المؤكد أن ثمة علوم “غريبة” امتلكتها أمة سليمان هي اليوم وفي عالمنا من قبيل “السحر والشعوذة” وأنا هنا لا أؤيد السحر والشعوذة الحاضرة لكنني متأكد أن العلم بأسرار عقل الحيوان ومشاعره وروحه يحتاج إلى علوم ذكية وخاصة فجوابي على السوال سالف الذكر أن محاولة التعرف واستكشاف مشاعر الحيوان والطير أكثر سهولة من بناء كائن حي بالكامل وبشكل مستقل.. يبدو أن أمة سليمان كانت أكثر واقعية وعفوية وبديهية في حياتها وتعايشها مع الواقع والبيئة المحيطة بها.. إذ أن العاقل بحق سيتساءل: لماذا أمة اليوم وصلت إلى القمر وخاطبت الآلة وإلى تكنولوجيا النانو وبرمجتها ولا تعرف عن مشاعر الهدهد أو حياته شيئاًً؟.. وهو أقرب من القمر وأكثر جاهزية من الآلة للمخاطبة والحوار؟
الأمر أدهى وأعظم وأكثر خطرا؟
عندما نعود إلى المؤتمر الذي دعا له سليمان وخاطب الجميع بعد أن عاد الهدهد وأخبره بقصة قوم سبأ فقال سليمان للجميع: من يأتيني بعرشها؟ (انظر للخطاب بمن “خطاب للعاقل”) كان الطلب يعني أن تدلي كل القوى بدلوها وتستعرض أعظم ما تمتلك من قوة لجلب عرش بلقيس.. فتح سليمان الباب وأعطى الضوء الأخضر لجميع الأساطيل والقوات والقدرات الملكية.. فإذا بالجميع يتسابقون (انظر لكم القدرات ما يؤكد عدد هائل من العلوم الغريبة) “قال عفريت من الجن أنا آتيك بعرشها قبل أن تقوم من مقامك”!، وكأن سليمان استبطأ ذلك، فانتفض رجل في طرف الصف من المؤتمر (بشر آدمي) “قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك”.
الموضوع هنا خطير جدا؟ لأن الأمر ليس مسألة أن سليمان يعلم بلغة العفريت فخاطبه باستخدام قدراته الخارقه لجلب العرش، لا، إنما الموضوع هنا قريب لنا جدا، هذا بشر ويمتلك هذه القدرات الكبيرة (أغلب المفسرين يؤكدون أن الذي عنده علم من الكتاب بشر وهو كاتب لسليمان)، إذًا المسألة ليست مسألة علوم لغة للحيوان والطير وحسب، مؤكد جدا وأكثر تأكيدا أن هناك علوم غريبة ليست لدى البشر اليوم، وأن هذه العلوم في متناول الإنسان لو طرق أسبابها وبحث عن مفاتيحها والمسألة تحتاج بحوث ودراسات وهيئات ومؤسسات مستقلة بذاتها.
علوم غريبة
دعني بداية أخي القارئ الكريم اسألك مجموعة من الاسئلة ولك ان تجاوب عليها او تغض الطرف عنها:
– ما ماهية مخاطبة السحرة للشياطين؟.. (بغض النظر عن مدلول كلمة ساحر)
– ما حقيقة السحر بالصرف او غيره والتاثير بها على الانسان؟
– ما هو الدعاء ؟ (دعاء الانسان لربه) .. وهل له قوانين وقواعد؟
– كيف تتم الاستجابة لدعاء المريض أو سقوط المطر؟.. قوانينه وقواعده؟
– ما حقيقة ثورة علم النفس والروح في القرن الواحد والعشرين ؟
– لماذا الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يتكلم في الفضائل يتحدث بلغة الارقام كقوله: من قال كذا او كذا عدد كذا سيكون له كذا وكذا؟
– ما هي الاحلام وما ماهيتها ؟
اخي القارئ الكريم .. يبدو ان المسألة العلمية ومصطلح العلم بذاته كبير جدا وواسع وسع هذا الكون متلاطم الافلاك .. كما قال احد العلماء القدامى: العلم ثلاثة اشبار “من الشبر رمز للمسافة”.. من دخل في الشبر الاول تكبّر ومن دخل في الشبر الثاني تواضع أما من دخل في الشبر الثالث علم انه لا يعلم شيئا على الإطلاق!..
هناك علوم روحانية معنوية ربما لا تدخل فيها المادة إلا بالشيء اليسير والعامل المساعد فقط هو اليوم غائب عن الإنسان.. هذه العلوم هي أصل جميع التطبيقات التي نراها أمام أعيننا.. نحن اليوم نعتقد في حضارتنا وتقدمنا وأننا استطعنا أن نصنع الكمبيوتر والطائرة ونرسل الاقمار الصناعية ونخاطب الالات ونتحكم فيها، إلى غير ذلك. دون أن نعلم أن هذه العلوم (والتي نحن وللأسف نسميها علوم) وهي في الحقيقة تطبيقات بسيطة طورها الإنسان فقط لتيسير حياته وحتى ييسر على نفسه عناء التعب في البحث عن طعامه وشرابه.. سيارة – قطار – طائرة..
مع ان العلوم الحقيقية والتي ستختصر على الانسان هذا التعب كله هو ان يتجه اولاً لمكنونات نفسه: يفهمها ويتحكم فيها ؟.. تخيلوا إنسان يصنع سيارة ويتحكم فيها (عمل مادي بسيط) ولايستطيع التحكم في مشاعره او احاسيسه او حتى يفهمها؟ .. ثم بعد ذلك يتجه للتعرف على اصل خلقته : كيف أتى هذا الانسان ومن اين؟ وهل صحيح انه تتطور؟ .. من المؤكد ان الانسان لو تعرف على نفسه اولا ثم اتجه الى محيطه ومافيه سيختصر على نفسه الكثير الكثير.
أمة سليمان فهمت حقيقة النفس البشرية والتحكم فيها بعد ان فهمت اصل الانسان وماهيته.. ثم اتجهت الى محيطها وتواصلت معه وفهمته وادركت اسراره..
اخيرا ..
اعتذر للقارئ الكريم عن اي تقصير او خطأ وأسأل الله القدير ان يفتح علينا بفتوح الخير والحكمه واسرار العلوم ..
جمعان عبدالله
jab_2020@hotmail.com