في الوقت الذي أنفق فيه ضيوف الرحمن مليارات الريالات على هدايا ومقتنيات وسلع معظمها يحمل شعار “صنع في الصين” حاملين إياها لدى عودتهم إلى أوطانهم بعد أن من الله عليهم بأداء الركن الخامس من أركان الإسلام، دعا كتاب وخبراء اقتصاديون سعوديون استغلال الحج للترويج لسلع تحمل شعار “صنع في دولة إسلامية”، مقترحين إنشاء مصنع بمكة ومعرض مؤقت بالمشاعر المقدسة للترويج لتلك السلع خلال موسم الحج، معتبرين إياها خطوة أولى نحو التكامل الاقتصادي الإسلامي.
الفكرة طرحها د. عادل بن أحمد يوسف الصالح أمين عام غرفة تجارة الأحساء في مقال نشرته جريدة اليوم، ودعا فيه التجار ورجال الأعمال لاستغلال الحج “ليشهدوا منافع لهم ولأمتهم الإسلامية”، مستشهدا بقوله تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير} (الحج: 27-28).
وفي مقترح منه لمواجهة “غزو المنتجات الصينية للبلاد خلال موسم الحج”، دعا الصالح رجال الأعمال في الدول الإسلامية لدراسة السلع التي يقبل عليها الحجاج والعمل لاحقا على إنتاجها وتسويقها لتكون المنتجات التي تباع خلال هذا الموسم سلعا إسلامية.
وتساءل: “في مناسبة عظيمة كهذه لم لا يتدارس رجال الأعمال فرص الاستفادة منه بما يعود بالخير عليهم وعلى أوطانهم، لما لا يحدث تكامل بين الدول العربية والإسلامية؛ لتكون المنتجات التي تباع خلال هذا الموسم تحمل شعار “صنع في دولة إسلامية؟!”.
وتابع “لم لا يكون الحج فرصة أمام رجال الأعمال للخروج من نفق التبعية إلى دنيا الاستقلال الاقتصادي؟!”.
وحول رؤيته لتطبيق الفكرة، دعا الصالح إلى عقد اجتماع “لرجال الأعمال في الغرف التجارية المختلفة بالبلدان الإسلامية لبحث كيفية تحقيق هذا الأمر ليشهدوا منافع لهم ولأوطانهم”.
الفكرة التي طرحها الصالح لاقت قبولا وترحيبا من العديد من الكتاب الاقتصاديين، والذين اقترحوا بدورهم رؤيتهم لإمكانية تطوير الفكرة وتنفيذها على أرض الواقع.
معرض للسلع الإسلامية
الكاتب الاقتصادي عبد المجيد الفايز برغم ترحيبه بالفكرة على اعتبار أنها “تجسد التلاحم الإسلامي”، إلا أنه بين في تصريحات خاصة لإسلام أون لاين “أن تطبيقها ربما يشوبه نوع من الصعوبة؛ لأن العملية لا تتعلق بالتنسيق فقط بين الغرف التجارية في الدول الإسلامية”.
وأشار الفايز في هذا الصدد إلى عدد من الصعوبات أولها “يتعلق بالموردين والمستوردين، فهم عادة يستوردون السلع التي تحظى بقبول من الحجاج، وفي نفس الوقت تحقق لهم عائدا ماديا في الأرباح”.
وتابع “الأمر الآخر، وهو أنه لا يمكن أن تقصر السلع بالمشاعر على السلع الإسلامية وتضع نقاط تفتيش تمنع مرور السلع غير إسلامية، أضف إلى ذلك رغبة الحجاج أنفسهم في اقتناء بعض السلع التي لا تنتج في الدول الإسلامية مثل الأجهزة الكهربية وغيرها، والتي تكون أسعارها رخيصة مقارنة بدولهم”.
وأوضح في هذا السياق أنه “لا يمكن منع تجار من استيراد سلع من دول غير إسلامية، وكذلك لا يمكن منع دخول سلع غير إسلامية إلى المشاعر المقدسة التي يتواجد فيها الحجاج، فالسوق سوق حرة والبقاء للأقوى”.
ولكن الفايز رأى أن هناك طرقا يمكن أن تشجع على تحقيق فكرة الصالح، واقترح في هذا الشأن “أن يكون هناك معرض مؤقت -قد يتحول لا حقا إلى معرض دائم- في المشاعر المقدسة للمنتجات الإسلامية فقط، بحيث يكون هناك مكان مخصص لعرض السلع الإسلامية، وأن تكون هناك أجنحة لكل دولة تباع فيها المنتجات الخاصة بالدول”، مشيرا إلى أن هذا الأمر لن يفيد فقط في الترويج للسلع، بل والتأريخ للسلع الموجودة في الدول، والتي قد لا تعرفها دول أخرى بسبب البيروقراطية.
وشدد الفايز أن تنفيذ هذا المقترح “يحتاج إلى تنسيق عالي وعمل جاد، لاسيما أن كثيرا من القرارات التي تصدر نظرية، وتنسى وتذهب أدراج الرياح، ولا يوجد هناك خطوات فعلية، ومثال على هذه السوق العربية المشتركة فمنذ عقود ونحن نتكلم عنها، ولم يتحقق شيء على أرض الواقع بهذا الخصوص”.
مدينة صناعية بمكة
الكاتب الاقتصاي د. صالح السلطان اقترح بدوره آلية لتطوير الفكرة، داعيا إلى “إقامة مدينة صناعية في مكة للصناعات المحلية في العالم الإسلامي”، مدللا على أهمية تلك الفكرة بتقديرات اقتصادية تقدر حجم عوائد الحج خلال العام الحالي 2009 بنحو 20 مليار ريال، مشيرا إلى أن هذا الرقم يتضاعف إذا أضفنا عوائد العمرة.
واتفق السلطان مع الصالح فيما طرحه، قائلا في مقال نشرته جريدة الرياض: “شدة اهتمام الحجاج والمعتمرين والزائرين على شراء هدايا من الديار المقدسة أمر معروف، ولكن معظم الهدايا، بل معظم السلع التي يحتاجها الناس تنتج في بلاد غير إسلامية، ولذلك تقل استفادة البلاد الإسلامية من منافع الدنيا المحققة في الحج”.
وأشار إلى أن هذا “يلقي مسئولية على عاتق كل من يعنيهم أو يهمهم الأمر؛ لإنشاء مشروعات تتولى إنتاج وتسويق كل ما يمكن أن ينتج ويسوق على الحجاج والمعتمرين والزوار، من الطيبات طبعا، حتى يكون خير المسلمين للمسلمين، خاصة في الديار المقدسة”.
ودعا “المؤسسات المالية لدراسة النشاط الاقتصادي المترتب على الحج والعمرة، وتمويل ما يمكن من مشروعات تجارية”.
واقترح في هذا الصدد اختيار أرض كبيرة بين مكة المكرمة وجدة لإقامة مدينة صناعية تمثل فيها الصناعات والحرف المحلية في العالم الإسلامي.
واقترح أن تأخذ زمام المبادرة (لتنفيذ المقترح) الغرفة التجارية الصناعية في مكة المكرمة، وتعمل على قيام تنسيق مع منظمة المؤتمر الإسلامي، والغرفة التجارية الإسلامية، والهيئة العامة للاستثمار، وهيئة المدن الصناعية، لدراسة الفكرة وتنفيذها، على أن يباع الإنتاج على الزوار والمعتمرين والحجاج وغيرهم.
سلع وهدايا
وتزدهر عادة تجارة مستلزمات الحج قبل موعده بشهر تقريبا، وتمتد حتى صباح يوم عرفة، بينما يتغير نشاط البيع إلى الهدايا والتذكارات بنهاية يوم عرفة وتمتد لشهر بعده.
ومن أبرز المنتجات التي تم رواجها خلال موسم حج هذا العام “السروال الشرعي، والإحرام المطور، وسجادة الجيب”، إضافة إلى ساعات منبه صينية تشمل راديو وبوصلة وأذانا بأصوات عدد من المؤذنين المعروفين، ويتم بيعها بـ120 ريالا، بالإضافة إلى إحرامات وأحزمة جلدية صعبة القطع وحقائب للخصر بـ50 ريالا.
بينما شهدت أسواق مكة المكرمة نهاية موسم الحج إقبالا شديدا من الحجاج على شراء البضائع والسلع والهدايا التذكارية من الحجاج؛ لإهدائها لأقاربهم وأصدقائهم لدى عودتهم من فريضة الحج.
واعتاد الحجاج عند عودتهم إلى بلادهم أن يحملوا معهم هدايا الحج بالرغم من رمزية هذه الهدايا فإنها تحمل معاني خاصة؛ لأنها جاءت من الأراضي المقدسة.
وتتراوح الهدايا التي يقبل عليها الحجاج ما بين الأجهزة الكهربائية والملابس والسجاجيد والفضيات والسبح والمجسمات الصغيرة التي تحتوي صورا للكعبة المشرفة والمدينة المنورة، إضافة إلى الشيلان والطواقي والمصليات والجلابيب الخليجية والسعودية، وقد تكون الهدايا بعضا من ماء زمزم أو بعض المساويك التي غُمست بماء زمزم.
كما تغير نمط المشتريات التي أصبح الحاج يشتريها من الحجاز، حيث امتدت إلى كثير من المستلزمات اليومية كقطع الزي والأدوات المنزلية.
ورصدت إحدى الدراسات الاقتصادية زيادة حركة البيع للحجاج في أسواق مكة المكرمة في رحلة العودة بـ100% مقارنة بما تكون عليه عند قدومهم إلى مكة المكرمة، وأرجعت ذلك إلى كون الحجاج منشغلين عند قدومهم في أداء مناسك الحج، وبعد فراغهم منها يحرصون على شراء الهدايا للأهل والأصدقاء.
أحمد سليمان