شاعر وفيلسوف هندي، قال عنه الزعيم “غاندي” انه “منارة الهند” وقد كان بالفعل منارة للشرق كله، ونداءاً للإنسانية والمحبة والجمال، كانت فلسفته تقوم على الأمل والثقة بالإنسان، المبنية على تفتح روحه، وتطور وعيه، وتحقيق طاقاته، فارتبطت المثالية الإنسانية عنده بالعمل والتطبيق، وكان هو نفسه مثالاً لكل مبدأ أعلنه أو فكرة نادي بها.
ولد رابندارانات طاغور في 24 ابريل من عام 1861م، وكان معلماً روحياً بالدرجة الأولى، ومجدداً أدبياً واجتماعياً، وفيلسوفاً وروائياً ومسرحياً ورساماً، وقبل ذلك كله شاعراً، كان ينهل من إرث روحي عريق في البنغال، ومن تجربة داخلية عميقة كانت ينبوعاً لا ينضب للإلهام والإبداع.
رافق أباه في رحلة إلى جبال “الهمالايا” حيث كانت لهما وقفة طويلة في منطقة بغرب البنغال تسمى “شانتينيكتان” -وهي الناحية التي أنشأ فيها طاغور فيما بعد مؤسسته التعليمية المعروفة باسم “فيسفابهاراتي” أو “الجامعة الهندية للتعليم العالمي” عام 1918م- وفي تلك الرحلة التأملية بالهمالايا غرس الأب في نفس ابنه المفاهيم البنغالية التقليدية وحرك في نفسه القيم الروحية ونمى فيه نزعة استقلال الذات والاعتماد على النفس، فقد كان يتركه وحيداً في جولات طويلة يجوب فيها مسالك تلك الجبال الخطرة.
وقد كان البيت هو مدرسة طاغور الأولى، وكان مدرسوه هم أشقاؤه إضافة إلى مدرس وحيد من خارج الأسرة وقد درس طاغور لغة قومه “السنسكريتية” وآدابها ثم الإنجليزية التي تعرف من خلالها على آداب أوروبا، وكان في شبابه الأول شديد الانشغال بأمور وطنه الأصلي “البنغال”، وحين وحد الإنجليز الهند والبنغال في مستعمرة ضخمة ألغت الوجود البنغالي، أصبح طاغور موزعاً بين مشاعره كمواطن بنغالي، وبين ولائه للكيان الكبير الهند.
وقد تميز طاغور بين أشقائه وأبناء عمومته باستقلالية الرأي والشجاعة في اتخاذ المواقف الحاسمة خاصة في الأوقات الحرجة، وقد ظهر ذلك- فيما بعد- في كثير من كتاباته، وفي حياته العامة، ومن أمثلة ذلك موقفه الواضح والمحدد من بعض مظاهر الوثنية في الطقوس الخاصة بطائفة البراهمة التي كان يرتدي وشاحها المقدس وينشد تراتيلها.
في عام 1909م قام طاغور برحلة إلي انجلترا وكانت زيارة ناجحة حيث كان قد أصاب بعض الشهرة في الأوساط الأدبية هناك من خلال بعض أشعاره المترجمة إلى اللغة الإنجليزية، وقد استمر اتصال طاغور بحركة الأدب في إنجلترا حتى بعد أن انتهت تلك الرحلة وعاد إلى وطنه فأصبح يحظى بمكانة متميزة في الحياة الأدبية الإنجليزية وذلك ما شجعه على معاودة التفكير في الارتحال بأسرته في عام 1912م حيث تعرف في لندن على بعض مشاهير الشعراء هناك.
وفي عام 1913م منح طاغور جائزة “نوبل” للآداب متجاوزاً الروائي العظيم ليو تولستوي الذي كان في قائمة المرشحين للجائزة، وقد كتب طاغور 12 رواية و11 مسرحية شعرية وموسيقية حيث كان ملحناً ومجدداً في الموسيقى البنغالية، وكتب ثلاث مسرحيات راقصة، و4 مسرحيات ساخرة، وعدداً من مجلدات القصة القصيرة، وعدداً من كتب الرحلات، بالإضافة إلي مجموعة من المقالات في الأدب واللغة والتاريخ والفلسفة والتربية، و44 ديواناً شعرياً، وعدداً من قصص وأغاني الأطفال بلغت أكثر من ثلاثة آلاف أغنية، وله ما يقرب من ثلاثة آلاف لوحة تشكيلية.
ويعرف الكثيرون عن أدب طاغور، ويعرف بدرجة أقل مسرحه، وتندر معرفة طاغور كسينمائي أخرج فيلماً واحداً ووحيداً هو “نيتير بوجا”، وعن قصة له أخرج “ساتيا جيت راي” فيلماً سينمائيا هو “البيت والعالم”، لكن الجانب الخفي من جوانب إبداعات هذا العملاق هو طاغور المصور والرسام؛ فقد بدأ مشروعه التشكيلي وهو في الثالثة والستين، وقد توفي هذا الشاعر العملاق عام 1941م عن عمر يناهز 80 عاما.