“سيدني سميث”, هو منشئ وحدة طبيب التشريح البريطاني بوزارة العدل المصرية, عاش “سيدنى سميث” في مصر 11 سنة في النصف الأول من القرن العشرين, وهو أول من لقب بـ “كبير الأطباء الشرعيين”.
(كانت هذه هي المرة الأولى لي التي أرى فيها رجلا يُشنق، وكانت خبرة جديدة لي لكنها غير سعيدة على الإطلاق، خاصة أنني كنت أحد أسباب وصوله إلى المشنقة. وفيما بعد حضرت عدة اعدامات تجعلني لا أنسى أبدا ذلك الشعور المروع الذي ينتابني كلما رأيت شخصا يسير على قدميه أمامي وأنا أعرف أنه سيكون بعد لحظات ميت).
الفقرة السابقة، هي إحدى فقرات الكتاب الماتع (قارئ الجثث.. مذكرات طبيب تشريح بريطاني في مصر الملكية) للباحث البريطانى “سيدنى سميث” والذي صدرت له مؤخرا الترجمة العربية للكتاب والباحث والروائي المصري “مصطفى عبيد” عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة.
Table of Contents
سيدني سميث.. طبيب التشريح البريطاني:
عاش “سيدنى سميث” في مصر 11 سنة في النصف الأول من القرن العشرين، ثم سافر لاستكمال تجاربه في مجال كشف الجرائم من خلال الطب الشرعي في آيرلندا واسكوتلندا، وأستراليا، وسيلان، وقدم عنها شهادات ضمن مذكراته التي جمعت ونشرت في سنة 1959.
سيدني سميث.. أول من لقب بكبير طبيب التشريح البريطاني في يناير، 1928 ويعد أحد مؤسسي مصلحة الطب الشرعي سنة 1927، كما أنه شارك طبيباً مصرياً هو الدكتور عبد الحميد عامر في إصدار أول كتاب باللغة العربية عن الطب الشرعي سنة 1924.
سيدني سميث و”إرث قابيل”
قال عنه حكمدار البوليس في القاهرة بين عامي 1918-1946 توماس راسل: لقد وجد “سيدني سميث” في مصر حقلًا نموذجيا لمختلف الجرائم نتيجة تنوع أساليب القتل. وبين العظام، والأشلاء المجهولة، وفوارغ الطلقات يصوغ الكاتب سيدنى سميث حكايات مدهشة عن القتل، ترسم إرث قابيل الذي يطارد البشرية إلى الأبد.
حكايات مثيرة:
حياة سيدني سميث شهدت حكايات مثيرة من أماكن أخرى خارج مصر حول جرائم القتل والانتحار ودور الطب الشرعي في كشفها، كما تتضمن سيرته وقائع حول أهم عمليات التشريح التي أجراها في مصر، ومن بينها جثامين ضحايا أشهر قاتلتين متسلسلتين، وهما ريا وسكينة اللتان كوّنتا عصابة متخصصة في استدراج النساء وقتلهن بهدف الحصول على مصوغاتهن الذهبية.
سيدني سميث وتشريح السير “لي ستاك”
كان سيدني سميث طبيب التشريح البريطاني يمتلك القدرة على تحديد الشخصيات المتوفاة رغم مرور أشهر عدة على دفنها. كما تتضمن سيرة سيدني سميث تفاصيل عن تشريح جثمان السير لي ستاك، سردار الجيش البريطاني في مصر وحاكم السودان العام في 20 نوفمبر 1924، والذي لقي مصرعه على يد جماعة مسلحة أطلقت النار عليه، وأصابته بجروح خطيرة أدت إلى وفاته، بالإضافة إلى إصابة الياور والسائق الخاص به، ويعد الحادث هو أكبر عملية اغتيال لضابط رفيع المستوى في الجيش الإنجليزي بمصر، وسبب الحادث ضجة لدى الحكومتين البريطانية والمصرية.
سيدني سميث وأشهر القضايا المحيرة
سيرة سيدني سميث تحتوي على أشهر القضايا المحيرة التي شكلت ألغازاً للشرطة في بريطانيا وآيرلندا، وأستراليا وماليزيا، وكيف ساهمت الخبرات العملية التي اكتسبها الطبيب الشرعي في مصر في حل هذه الألغاز.
قضايا جنائية وسياسية معقدة
احتك سميث خلال فتره وجوده بمصر في الفترة من بداية 1917 إلى نهاية 1927 بالمجتمع المصري خلال مرحلة مهمة من مراحل تطوره عقب ثورة 1919، وما نتج منها من تطور مجتمعي واضح انعكس على التعليم طبيب التشريح البريطاني ومختلف مناحي الحياة. كما تابع الرجل خلال وجوده في مصر قضايا جنائية وسياسية معقدة انحاز فيها جميعا إلى ضميره العلمي، قبل انتمائه الوطني؛ ما جعله في بعض الأحيان يكشف بوضوح كيف كانت سلطات الاحتلال البريطاني في مصر توظف لصوصاً سابقين للعمل كخفر غير نظاميين، ثُم تستخدمهم في قتل المتظاهرين وإثارة الشغب لتحقيق أهداف سياسية. بل إننا نجده يشهد في إحدى المرات لصالح سجين مصري تعرض للتعذيب في أحد السجون.
سيدني سميث يتعاطف مع الحركة الوطنية
لـ “سيدني سميث” آراء متعاطفة مع الحركة الوطنية في مصر ومع سعد زغلول عندما يشير في مقترحاته للمسؤولين الإنجليز، إلى أنه يرى إمكانية منح مصر حكماً ذاتياً مبكراً على غرار ما حدث في نيوزيلندا، وانتخاب سعد زغلول رئيساً للمصريين، وهو ما رد عليه مرؤسوه بسخرية مكررين أنه أفرط في الشراب.
بؤس وحرمان
سيرة سميث قدمت أيضاً, وصفاً دقيقاً للقرى المصرية في بدايات القرن العشرين، وكيف كانت مرتعاً للبؤس والحرمان وموطناً للأمراض النادرة، ومركزاً للجهل والإهمال؛ ما جعلها بمثابة حقل خصب لمختلف أنواع الجرائم وطرق القتل بدءاً بالتسميم بالزرنيخ وحتى الخنق وتقطيع الضحية لأشلاء عدة. لذلك؛ ظلت مصر تعيش معه حتى بعد أن يُغادرها، فيتذكر في كل جريمة يُحقق فيها استناداً إلى خبرته في الطب الشرعي، موقفاً مشابهاً عايشه في مصر واستفاد منه.
سيدني سميث يستنطق الجثث
حياة سميث بينت بشكل تفصيلي كيف يعمل الطبيب الشرعي كمخبر ومحلل للأحداث، وكيف يستنطق الجثث ويعيد إضاءة مسرح الجريمة ويتتبع الآثار ليُخلّص بريئاً أو يُثبت الإدانة على مُجرم..
حول ألفريد سميث
ولد “سيدني ألفريد سميث” في ركسبورج بنيوزيلندا في 4 أغسطس سنة 1884، ودرس الطب في جامعة إدنبرة وتخرج سنة 1912، قبل أن يتخصص في الطب الشرعي وينبغ فيه، ثم التحق بالخدمة طبيباً بجيش إنجلترا خلال الحرب العالمية الأولى سنة 1914.
وفي سنة 1917 تقدم سميث لشغل وظيفة مستشار للطب الشرعي للحكومة المصرية، وتم تعيينه في هذا المنصب ليُنشئ وحدة للطب الشرعي بوزارة العدل. كما عمل محاضراً في كلية طب القصر العيني وتتلمذ على يديه عشرات الأطباء المصريين في مجال الطب الشرعي.
عاد سيدني سميث إلى بلاده ليتولى مناصب عدة في مجال الطب الشرعي وليحقق في قضايا كبرى، وتم تعيينه عميداً لكلية الطب بإدنبره، وحاز تكريمات عديدة بعد نجاحه في حل ألغاز قضايا جنائية عديدة. وفي سنة 1955 استقبلته كلية طب قصر العيني في مصر وتم تكريمه، ثم تقاعد ورحل عن دنيانا في 9 مايو سنة 1969 باسكوتلندا عن عمر ستة وثمانين عاماً.
من حكايات سيدني سميث..
تحكي الحكاية عن شخص شديد التشاؤم قرر إنهاء حياته وأراد التأكد من نجاحه التام في ذلك دون أي فشل في التنفيذ. ورأى أن الشنق هو الوسيلة الأنجح للنخلص من الحياة، واختار شجرة لها فرع قوي يطل على البحر أسفل منه وعلق فيها مشنقة. وأعتقد ان ذلك سيمثل نهاية حتمية. وحتى لا يشعر بأي ألم خلال الشنق فقد تناول كمية كبيرة من الأفيون. ورغم هذه الاحتياطات فقد رأى أن تأكيد موته خلال العملية يحتاج أن يطلق الرصاص على نفسه وهو معلق في المشنقة. وعندما أطلق الرصاصة أخطأت رأسه لكنها أصابت الحبل فسقط في البحر وابتلع كميات كبيرة من الماء المالح الذي أضاع آثار المخدر من جسده وخرج إلى الشاطىء، وصار رجلا حكيما.