تتم إجراءات إنتاج هيدروجين الأخضر عن طريق التحليل الكهربائي باستخدام آلاتٍ تعمل على تحليل الماء إلى عنصرَي الهيدروجين والأكسجين، دون أي نواتج ثانوية. وفي إطار التوجه الرسمي للمملكة العربية السعودية, للاعتماد على الطاقة النظيفة, أعلنت شركة أرامكو السعودية مطلع عام 2020 عن تدشين أول محطة هيدروجين لتعبئة مركبات خلايا الوقود الهيدروجيني، من خلال إطلاق مشاريع ضخمة لتطويرها وتهيئة البنية التحتية لها. ويأتي المشروع الجديد ثمرة تعاون بين أرامكو السعودية؛ المتخصصة في مجال الطاقة والكيميائيات، وشركة إيربرودكتس؛ المتخصصة في مجال الغازات الصناعية. وتسعى السعودية إلى التخفيف من الاعتماد على الوقود الأحفوري، بوضع خطط لتعزيز الاعتماد على الطاقة النظيفة؛ ومنها خطة “نيوم” الأضخم من نوعها عالميًا لبناء مدن ذكية تعتمد الطاقة النظيفة بالكامل وتوفر استثمارات لربط القارات، في المنطقة الواقعة على ساحل البحر الأحمر وخليج العقبة. في أبريل 2016، أعلنت المملكة التي تعد أكبر مُصدِّر للنفط الخام في العالم رؤيتها المستقبلية 2030، وتتضمن إحياء برنامجها للطاقة الشمسية، وتحقيق مزيد من الأهداف الطموحة، بعد إحراز تقدم محدود في تحويل إمدادات الطاقة.
طريقة انتاج هيدروجين الأخضر
الهيدروجين لا يولِّد فقط الكهرباء بل و”يخزِّنها” بشكل قابل للتصدير إلى الخارج. إنتاج الهيدروجين من طاقة الرياح والشمس الرخيصة هو تخزين لهذه الطاقة وهدف تسعى له السعودية حرصاً منها على حفظ مكانتها كمصدِّر عملاق للوقود وعلى تنويع مصادر طاقتها واقتصادها بعيدا عن النفط. تتمثّلُ الميزةُ الأساسيةُ للهيدروجين الأخضر في أنه يوفّرُ القدرةَ على توليدِ طاقةٍ هائلةٍ مع انعدام الانبعاثاتِ [الغازيَّة الضارة] تماماً.
ومن ناحيةٍ أخرى، فالهيدروجين الأخضر مادة كيميائية قابلة للانفجارِ، كما أنّ تكاليف إنتاجه تجعله أكثر كلفة من الهيدروكربونات التقليدية.
وعلى الرغمِ من هذا، تقدّرُ شركةُ ستراتيجي آند للاستشارات الاستراتيجية أنّ الطلب على الهيدروجين الأخضر سيتزايدُ بسرعةٍ في المستقبلِ، ليصلَ إلى 530 مليون طن ويُحتملُ أن يحلَّ محلَ 10.4 مليار برميل من النفطِ تقريباً بحلولِ عام 2050.
ويتكون الهيدروجين الأخضر عن طريق استخدام الطاقة المتجدِّدة لتحريضِ التحليلِ الكهربائي الذي يقسمُ جزيئات الماء إلى العنصرين المشكّلين له: الهيدروجين والأوكسجين. وقد مكّنت التطورات التكنولوجية مصحوبة بانخفاِض أسعار الطاقة المتجدّدةِ من الإنتاجِ الضخمِ للهيدروجين الأخضر، الأكثر استدامة بيئياً.
ويُعتقدُ أنّ أفضلَ طرقِ نقل الهيدروجين الأخضر تتمثّلُ في استخدام الطاقةِ المتجدّدةِ لإنتاجِ الهيدروجين الأخضر وتحويله إلى أمونيا خضراء. ويُعتبر مثل هذا الهيدروجين أحد عوامل تغيير الوضعِ الحالي فيما يتعلقُ بإزالةِ الكربون، ولا سيما في القطاعات الصناعيةِ التي واجهت صعوبة في إزالةِ الكربون فيها وحيث يتطلّبُ الإنتاجُ درجات حرارة عالية.
وستُشكِّلُ منشأة هيدروجين أخضر ضخمة جزءاً أساسياً من مشروع (نيوم “المدينة الذكية”) في المملكةِ العربيةِ السعوديةِ، وهو مشروع مدينة تعتمدُ على التقنية العاليةِ، ومركز أعمالٍ مبتكرٍ ومركز عالمي للطاقةِ المتجدّدةِ والهيدروجين الأخضر.
والمنشأةُ هي عبارة عن مشروعٍ بقيمةِ 5 مليارات دولار وهو مشروع مشترك بين ثلاثة أطراف ومملوك بالتساوي من قبل شركة أير بروداكتس الأميركية وشركة أكوا باوَر السعودية وشركة نيوم. وقالت جوان هيلز، رئيسة الاتصالات لمنطقة الشرق الأوسط والهند في شركة أير بروداكتس (ومقرها في ولاية بنسلفانيا-الولايات المتحدة الأميركية)، لموقع قنطرة إنّ المشروع “عبارة عن مشروع رائد والاستثمار الأول من نوعه على نطاقٍ كبير”.
ووفقاً لفرانك ووترز، مدير شبكةِ الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي للطاقة النظيفة، فإنّ مشروعَ نيوم السعودي فريدٌ من نوعه من حيث أنّه يجمعُ بين مزيج ملائمٍ للغايةِ من الطاقةِ الشمسيةِ وطاقةِ الرياحِ والذي يتيحُ إنتاجَ الأمونيا الخضراء والهيدروجين الأخضر التنافسيين للغايةِ. كما أنّ موقعه يسمحُ أيضاً بالتصديرِ المحتملِ إلى أوروبا وشرقِ آسيا.
إضافة إلى ذلك، وبالنظرِ إلى الأهداف الطموحةِ لاتفاقيةِ باريس للمناخ التي تسعى إلى إزالةِ الكربون، يعتقدُ أكسيل ميشائيلوفا، الشريك المؤسس الأول لشركة بيرسبيكتيف الاستشارية والباحث في جامعةِ زيورخ، أنّه سيكون على المملكةِ العربيةِ السعوديةِ الانتقال من تصديرِ النفطِ إلى تصديرِ الطاقةِ المتجدّدةِ. ويظنُّ أنّ أحداث الأشهرِ الأخيرة -من الانتخابات الرئاسية الأميركية إلى إعلان الصين عن هدفها بتحقيق صافي انبعاثات صفرية لعام 2060- تُظهِّرُ أنّ السياسة الدولية للمناخ ستتصاعدُ في السنواتِ القادمةِ وأنّه سيكون لدى المملكة العربية السعودية بالتالي الفرصة لتكون الرائدة في هذا المجال. يضيف ميشائيلوفا “إنْ تردّدت، فقد تخسر ميزتها التنافسيةَ إلى الأبد”.
المحطةُ -التي تعملُ بـ 4 غيغا واطات من طاقةِ الرياحِ والطاقةِ الشمسيةِ، مما يجعلها المشروع الأكبر من نوعه في العالم- تُعتَبرُ تحدياً حقيقياً. كما يشكّلُ التمويلُ مشكلةً أيضاً إذ أنّ المشروع يتطلّبُ، وفقاً لبعض التقديرات، 9 مليارات دولار أميركي على الأقل. وقد قال متحدثون باسم شركة أير برودكتس لموقع قنطرة أنّ المشروعَ قد يتطلّبُ استثمارات إضافية بقيمةِ مِليارَيْ دولار أميركي كاستثمار من قبل شركة أير برودكتس من أجل مرحلةِ التوزيعِ، ليصل إجمالي استثمار شركة أير برودكتس إلى 3.7 مليار دولار. ومع ذلك، تتوقع أير برودكتس أن تتجاوز حد عائداتها الأدنى.
وبالنظرِ إلى المخاوف التي أُعرِب عنها حول الافتقارِ إلى الشفافيةِ في شركةِ أكوا فقد يتساءلُ البعض إن كان هذا المشروع واقعياً في ظلِّ التحديات المالية والهندسية التي يتضمنها المشروعُ. إضافة إلى ذلك، وبالنظرِ إلى الحجمِ الهائلِ للمشروع، يخشى البعضُ أنه من دون عملياتِ الكشفِ الموسعة والبيانات المدقّقة المنشورة فلن تجد أكوا باوَر أو صندوق الاستثمارات العامة السعودي أنه من الممكن الحصول على مبالغ كبيرة من الأسواق المالية العالمية.
يبدو أنّ لدى أير برودكتس ثقةً كبيرةً في المشروعِ. فقد قال المتحدث باسمها إنّ مشروع نيوم يستندُ على تكنولوجيا عالية الجودة مجرّبة ويتضمن تكاملاً مبتكراً لأكثر من 4 غيغا واطات من الطاقةِ المتجدّدةِ من الطاقةِ الشمسيةِ وطاقة الرياح والتخزين، ومن المقرّرُ أن يبدأ تشغيله في عام 2025. تمتلك شركة أير برودكتس موارد مالية كبيرة وستواصلُ الاستثمار في مشاريع عالية الجودة (مثل مشروع نيوم) في جميع أنحاء العالم.
وقد قال دولف غيلين، مدير مركز الابتكار والتكنولوجيا التابع للوكالةِ الدوليةِ للطاقةِ المتجددة (إيرينا IRENA) في مدينة بون الألمانية: “في حين أن رأس مال المشروع كثيف بالفعل، إلا أنّ معظم نفقات رأس المال مرتبطة بمكون توليد الطاقةِ”. وبما أنّ جميع المشاركين يملكون خبرة واسعة في مجالات عملهم، فإنه يَعتبر المشروعَ واقعياً. إضافة إلى ذلك، ستنتِجُ المنشأة الأمونيا التي يمكنها أن تُباعَ في سوقِ الأسمدةِ أو كوقود للشحن البحري أو يمكن شحنها إلى وجهة التصدير وتكسيرها هناك لإطلاقِ الهيدروجين لسوقِ النقلِ، كما أضاف.
ووفقاً لووترز، فإنّ جزءاً كبيراً من حقوق الملكية سيكون من خارج المملكةِ العربيةِ السعوديةِ. “مع ذلك، سيأتي النصيبُ الأكبرُ من التمويل من مقرضين موّلوا وقدموا رأس المال لمشاريع سعودية من قبل وسيواصلون ذلك في المستقبلِ”. وبما أنّ مدينة نيوم المستقبلية كانت من العناصر الرئيسيةِ في رؤية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لعام 2030، فمن المنطقي أن نفترض أنّ دوره سيكون هاماً في “إقناعِ” مقرضين محليين. كما يمكن لولي العهد السعودي، وهو أيضاً رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة، أن “يعتمد ببساطةٍ على احتياطيات النقد الأجنبي لمؤسسةِ النقدِ العربي السعودي”.
ومع ذلك فإنّ المملكة قادرة تماماً على أن تصبح لاعباً هاماً في سوق الهيدروجين الأخضر وإمدادات الموادِ الخام الخضراء. يعتقد ميشائيلوفا أنّ مشروع الهيدرجين الأخضر التابع لنيوم، إن نُفِّذَ كما خُطّطَ له، فسيمثِّلُ منارةً تسرِّعُ وتيرة نمو سوق الهيدروجين العالمي. وهو يعتقدُ أنّ على المملكةِ العربيةِ السعوديةِ أن تدخل المشروع في آلياتِ السوق لاتفاقية باريس للمناخ، وبالتالي زيادة الإيرادات من بيع أرصدةِ الانبعاثاتِ. وهذا قد يغيّرُ من صورةِ المملكةِ العربيةِ السعوديةِ -المنظور إليها حتى هذا الوقت بوصفها معرقلاً لسياسة المناخ الدولية- ويجعلها رائدة في توليدِ الطاقةِ الخضراءِ.
السعودية ليست وحدها:
لكن السعوديين ليسوا وحدهم من يرون أن “الهيدروجين الأخضر”، يشكل التطور الرئيسي المقبل في عالم الطاقة. فباستثناء الولايات المتحدة التي يبدو أنها لا تُلقي بالا لهذا النوع من الوقود؛ يوجد اندفاع باتجاهه في بقاع مختلفة حول العالم، إذ تعتقد الكثير من الحكومات والشركات والمستثمرين ونشطاء حماية البيئة كذلك، أنه يمثل مصدرا للطاقة، يمكن أن يساعد على إنهاء عصر الاعتماد على أنواع الوقود الأحفوري المختلفة، وإبطاء وتيرة زحف العالم نحو حقبة تشهد مزيدا من ارتفاع درجة الحرارة.
وتقول “ريتشيل فخري”، المحللة المتخصصة في شؤون الطاقة في مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية، وهو منظمة غير هادفة للربح تتخذ من نيويورك مقرا لها، إن هذا النوع من الوقود “واعد للغاية”.
وترى “فخري” ونظراؤها من الخبراء أنه برغم أن بمقدورنا الاستفادة من طاقة الرياح والطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء اللازمة للمنازل والسيارات الكهربائية، فإن “الهيدروجين الأخضر”، يمكن أن يكون مصدر طاقة مثاليا، لتشغيل قطاعات صناعية كثيفة الاستهلاك للطاقة، مثل تصنيع الصلب والخرسانة. كما يمكن استخدامه في جوانب من قطاع النقل، من الصعب الاستعانة بالكهرباء لتشغيل الوسائل المُستخدمة فيه. وتوضح فخري في هذا الصدد إنه بينما يصعب تسيير مركبات كهربائية في 15% من قطاع النقل، بما يشمل “الطيران والشحن والنقل بالشاحنات لمسافات طويلة، فمن الممكن الاستعانة بـ `الهيدروجين الأخضر` في هذا الشأن”.
ويلقى هذا النوع الجديد من الوقود الترحيب في أوروبا، التي تُثقل اقتصادياتها بالتكاليف المرتفعة لاستهلاك الطاقة، وتعتمد بشدة على الغاز الطبيعي الوارد من روسيا. وتتجسد هذه الحفاوة، في صورة توفير التمويل اللازم لتشييد وحدات التحليل الكهربائي، الضرورية للفصل بين جزيئات الأكسجين والهيدروجين في الماء، وغيرها من منشآت البنية التحتية الأخرى المرتبطة بإنتاج ذاك النوع من الوقود. وفي هذا الإطار، خصصت ألمانيا لـ “الهيدروجين الأخضر”، الجانب الأكبر من ميزانيتها الرامية لتحفيز توليد الطاقة النظيفة.
أما الطريقة الأكثر انتشارا في الوقت الحالي لإنتاج الوقود الهيدروجيني، فتتمثل في ما يُعرف بـ “إصلاح الغاز الطبيعي” أو “إصلاح البخار”، وهي عملية كيمياوية، تخضع لها الهيدروكربونات الطبيعية الموجودة في أنواع من الوقود الأحفوري مثل الغاز الطبيعي، بهدف إنتاج غاز “الاصطناع”، وهو مزيج من غازيْ الهيدروجين وأحادي أكسيد الكربون. ويعني هذا أن الوقود الهيدروجيني يحتاج في هذه الحالة إلى مُدخلات من الوقود الأحفوري. ونتيجة لذلك، تشهد عملية التحضير الكيمياوية هذه، انبعاث ثاني أكسيد الكربون، ما يفضي إلى ألا يكون الوقود الناتج عنها صديقا للبيئة، ولذا يُطلق عليه اسم “الهيدروجين الرمادي”.
وحتى إذا تغافلنا عن طريقة إنتاج هذا النوع من الوقود، فمن الصعب تجاوز المشكلات، التي تكتنف مسألة تخزينه ونقله بدون وجود خطوط أنابيب. فضلاً عن ذلك، تزيد تكلفة الهيدروجين كثيراً في بعض دول العالم، ومن بينها الولايات المتحدة، على تكاليف إنتاج أنواع الوقود الأخرى، ومن بينها الغاز الطبيعي.