المجلةبنك المعلومات

“كلية الحفاة” تبطل أساطير التكنولوجيا والتعليم بلد العجائب

“كلية الحفاة”

تبطل أساطير التكنولوجيا والتعليم

 

بقلم : د . مجدى سعيد

الهند بلد العجائب، ليس فقط لتنوع الثقافات والأديان واللغات والأعراق والطبقات، وليس فقط لما صارت عليه الهند كدولة من نمو اقتصادي وتقدم علمي، ولكن – وهو أكثر من لفت نظري وزاد هيامي بالهند – لفرادة تجارب العمل الأهلي في الهند والمستوى العالي من الإبداع الذي تتحلى به في حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية المزمنة، والتي تمزج فيه ما بين الحكمة التقليدية بما تمتلكه من معارف وخبرات مع المعارف والخبرات الحديثة، والتجربة التي نقدمها اليوم وهي تجربة “كلية الحفاة Barefoot College”، هي مثال آخر من أمثلة تلك التجارب الأهلية المبدعة.

يقول بنكر روي Bunker Roy مؤسس تجربة “كلية الحفاة”: “يعتقد الملايين في الهند أن تعلم القراءة والكتابة يؤدي – نظريا – إلى التحرر. لكنه في الواقع يتساوى مع الاستبداد والاستغلال لأن المرأة أو الرجل المتعلم في القرية هو من يقاوم التغيير، ولا يرحب بالابتكار ويقاتل حتى النهاية لبقاء الوضع الراهن. وليس من المستغرب أن جميع حالات الفساد والتمييز والغش والظلم يقوم بها رجال ونساء متعلمون. وبالمثل بالنسبة للتكنولوجيا، فإنها لا ينبغي أن تكون أداة استغلال. ونحن في كلية الحفاة لا نؤمن بالتكنولوجيا التي تكون أداة لحرمان الناس من الوظائف، وتزيد من التبعية وتؤدي إلى الاستغلال، والاستبداد والمزيد من التحكم باسم الكفاءة. كذلك الأمر بالنسبة لتقاسم المعلومات، والإدارة الأفضل والاستجابة الاسرع لا ينبغي أن تؤدي بالناس للشعور بالرهبة من الماكينات، أو للشعور بالدونية لأن التكنولوجيا بعيدة عن متناول أيديهم وعن فهمهم. الجميع يفهم ويقبل أهمية المعلومات، لكن المعلومات وحدها ليست قوة. فقط المعلومات التي تؤدي إلى المعرفة والعمل هي التي تمثل قوة وسلطة. يظل الفقراء فقراء لأنهم لا يحصلون على ما يكفي من المعلومات التي من شأنها أن تسمح لهم بالنمو، واتخاذ القرارات.”

ولد بنكر روي في الثاني من أغسطس عام 1945 لأسرة من أسر النخب الثرية، وتخرج من كلية سانت جيمس بجامعة دلهي عام 1967، وحصل على بطولة الهند للاسكواش أعوام 1965، و1976 و1971، ومثل الهند في ثلاث بطولات دولية، لكن الهند كانت تعاني من مجاعة في ذلك الوقت، وهو ما دعاه إلى التطوع عام 1965 لمعاونة الفقراء في قرى الهند، وهو ما أطلعه على معاناتهم، الأمر الذي غير مسار حياته تماما، ففي عام 1967 ، قرر أن يعيش كعامل غير ماهر يتعلم حفر الآبار لمدة خمس سنوات، وهو يصف تلك الفترة بأن تعليمه الحقيقي بدأ خلالها، وفي عام 1972 توطدت علاقة الصداقة بينه وبين أحد المزارعين الحكماء من أهل قرية تيلونيا Tilonia في مقاطعة راجستان، وأثمرت حواراتهما عن حلم بتأسيس كيان يتم فيه تطعيم المعرفة الحضرية بالحكمة الريفية لخلق عالم بلا عوز، وساعدهما صديق ثالث على تأجير مبنى حكومي مهجور كان مصحة للسل، فأسسوا “مركز العمل والبحث الاجتماعي”، والذي جاءه الخريجون وطلاب الدراسات العليا من تخصصات مختلفة لمعاونة القرويين، لكن افتراضاتهم وثمار عملهم المتباطئة قوبلت بأسئلة تشكك، من مثل: هل يحتاج إصلاح مضخة المياه “الطلمبة”، إلى مهندس؟ ولماذا لا يتم تدريب القابلات ليباشروا الولادات بشكل أفضل؟ ألا يمكن استخدام الفنون والموسيقى الشعبية الثرية للتواصل التنموي؟ وغير ذلك. ومن ثم ففي بداية الثمانينيات بدأ التحول في الحدوث، فصار العمال الأميون هم اللاعبون الأساسيون، يخططون، يديرون الأنشطة، يستحدثون أفكارا،  ومن ثم حلوا محل المهنيين العابرين من أهل المدينة من أبناء الطبقة الوسطى، ومن ثم تحول المركز إلى “كلية الحفاة”، حيث الجميع يتعلم ويعلم، وهي الكلية التي بناها ويديرها الفقراء، والتي تعتمد بالكامل على الطاقة الشمسية في احتياجاتها.

منذ نشأتها، كان الهدف طويل الأمد من “كلية الحفاة” هو العمل مع المهمشين، والمسنغلين من فقراء الريف، والذين يعيشون على دخل عن دولار في اليوم، ورفعهم فوق خط الفقر مع الحفاظ على الكرامة واحترام الذات. وقد تبنت الكلية أفكار غاندي في نمط الحياة وأخلاقيات العمل، ومن ثم فإن الاعتقاد المركزي السائد في الكلية أن المعرفة والمهارات والحكمة الموجودة في القرى يجب أن تستخدم لتنميتها قبل استجلاب المهارات من خارجها. والاعتقاد الثاني أن التكنولوجيا المعقدة يجب أن تستخدم في المناطق الريفية في الهند، لكنها يجب أن تكون في أيدي وتحت سيطرة المجتمعات الفقيرة حتى لا يعتمدوا ولا يتم استغلالهم من قبل غيرهم، والاعتقاد الثالث أن هناك فرقا بين محو الأمية والتعليم، والاعتقاد الرابع هو في مساواة النساء.

وفقا لتلك المعتقدات والمبادئ تعمل “كلية الحفاة” في مساحات:

  • الطاقة الشمسية: ويشمل ذلك تحويل الطاقة الشمسية إلى كهرباء (في 45 ألف منزل/ في ألف و24 قرية/ في 50 دولة من خلال تدريب 300 من الجدات من قارات العالم)، وتسخين الماء، والطهي الشمسي، وتوصيل الماء العذب من خلال أجهزة تحلية المياه التي تعمل بالطاقة الشمسية.
  • مياه الشرب: حل مشكلة مياه الشرب في المجتمعات المحرومة من خلال عدد من التقنيات، فإضافة لتحلية المياه، يتم حصاد مياه الأمطار، خزانات وسدود تستخدم تقنية التناضج العكسي بالطاقة الشمسية. الآبار والبرك لتغذية المياه الجوفية. هذا إضافة لخريطة لمصادر المياه على موقع إلكتروني يدار بواسطة الفقراء يساعد في إدارة الموارد الشحيحة للمياه في الهند.
  • تعليم كل الأطفال الفقراء من سن 6 أشهر إلى 14 عام أيا كانت طبقته ودينه وجنسه وحالته الاقتصادية: ويكشل هذا النشاط خروجا جذريا عن المفهوم التقليدي للمدرسة، لأنها تستبدل فصول التعليم الرسمية ببرامج تدريب عملي على، والتعلم من خلال الممارسة العملية لاكتساب المعارف والمهارات. حيث لا يتم فقط تعليم القراءة والكتابة، وإنما يتم تعليم المهارات وتقييم المعارف التقليدية في القرية، ولأن الأطفال عادة ما يساعدون أسرهم في الصباح يتم عقد الفصول في المساء.
  • سبل العيس المستدام: يجعل القرى مكتفية ذاتيا، بحيث لا تعتمد على مصادر خارجية من أجل التنمية أو التوظيف. ويتم تطبيق ذلك من خلال برامج للحرف، والتواصل والرعاية الصحية وغيرها.
  • تفعيل الفقراء والمهمشين: سواء من خلال مناصرة القضايا المتعلقة بهم في مجال الصحة والمياه، أو من خلال برامج تسويق منتجاتهم في المدن، أو خلال التوعية القانونية أو غيرها من البرامج.

التفاصيل الخاصة بتجربة “كلية الحفاة” كثيرة وأنشطتها متشعبة وعميقة المعاني، ويكفي أن نقول أنها تحقق “التنمية المستقلة” للقرى، مع الحفاظ على الكرامة وتقدير الذات لدى الفقراء والمهمشين من سكانها.

 

للمزيد من التفاصيل:

طالعوا موقع “كلية الحفاة”

محاضرة بنكر روي عنها في تيد:

ورقته على موقع اليونسكو عنها:

قصة امرأة أردنية بدوية تدربت في الكلية:

صفحة الدكتور مجدي سعيد على الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى