بنك المعلوماتالمجلة

لوبسانج جاميانج.. فعل الخير كأفضل طريقة لرد الجميل

فعل الخير خير في كل وقت، وفي بعض الحالات يكون خيرا بزيادة، إذا كان تعبيرا عن امتنان لمكان وبشر أمدوا لك أياديهم بالخير يوما، فلا أقل من رد الخير بالخير لمن استطاع إليه سبيلا. الراهب التبتي الأصل لوبسانج جاميانج Lobsang Jamyang من خلال مؤسسته “تونج-لين الخيرية Tong-Len Charitable Trust” هو مثال مميز لرد الجميل بفعل الخيرات.
في عام 1997 تسلق لوبسانج جاميانج جبل إيفرست فارا بنفسه من بلده، وعبر الممر الوعر للوصول إلى الهند، واصفا ما حدث “لقد كان يوما صعبا، لم أكن متأكدا مما إذا كنت سأبقى على قيد الحياة أم لا”. وبعد انتقاله من مقاطعة يوتسانج بوسط التبت، انتقل بعد ذلك إلى دير سيرا جي في بلدة بيلاكوبي جنوب الهند. أصابته الغربة عن بلده بحنين عاطفي ممرض ناشئ عن الانفصال عن عائلته، وفي عام 2002، قابل رجلاً من التبت في بود جايا، أخبره أن عائلته في الوطن كانت تعده من الأموات، ومن ثم سافر إلى منطقة مكلويد جانج McLeod Ganj التابعة لمقاطعة دارامشالا، مقررا العودة إلى والديه.
لكن، وفي يوم من الأيام، بينما كان لا زال في تلك المنطقة، رأى أطفالا يتوسلون المارة الصدقة في الشوارع، ففكر كيف يمكنه مساعدتهم، لم يكن حينها يعرف اللغة الهندية ولا الإنجليزية، وهداه تفكيره إلى سؤال ما هي الظروف التي جعلتهم يلجأون إلى ما يفعلون، وإلى التساؤل عن إمكانية تعليم جميع هؤلاء الأطفال الفقراء وأمثالهم. كان هذا الحادث كفيلا بتغيير مجرى حياة لوبسانج، حيث قرر البقاء في المنطقة.

وفي عام 2004، أسس صندوق تونج-لين الخيري للوصول إلى أطفال الأحياء الفقيرة الكثيرة حول دارامشالا حيث شعر أنه من المهم بالنسبة لهم الحصول على تعليم جيد جنبا إلى جنب مع تنميتهم من الناحية الاجتماعية والأخلاقية والعاطفية.
كان لوبسانج يذهب من باب إلى باب في الأحياء الفقيرة ليطلب من الأسر إرسال أطفالها إلى المدرسة، لكن لم يكن الآباء على استعداد لإرسال أطفالهم إلى المدرسة التي كان يسعى لتأسيسها لهم، قائلين له إن التعليم لن يمنحهم الطعام، وهم لا يريدون أن يخسروا الدخل الذي يجلبه الأطفال، لذا عقد صفقة معهم، قائلا إنه سيعطيهم 150 روبية في الشهر كتعويض لكل طفل يوقف التسول ويلتحق بالمدرسة، ووعد بإمدادهم بالطعام خلال الكوارث والأوقات الصعبة، وأن يزود الأسرة بالغذاء إذا مرضت سيدة المنزل، وأن يمنحهم أدوية مجانية، ودعم على مدارس الساعة لأي حاجة طبية بما في ذلك العمليات الجراحية الكبرى والصغرى.
الآن، ومن خلال مؤسسته يقدم العاملون فيها رعاية ومدرسة نهاريتين، ويوفرون الطعام لما يزيد عن 700 طفل في الأحياء الفقيرة والعشوائية، ويطعمونهم بأنفسهم.

 

وتضم دار الإقامة التابعة للمؤسسة في قرية سارة Sarah Village أكثر من 100 طفل من مختلف الفئات العمرية من مختلف الأحياء الفقيرة. العديد من الأجيال الأولى التي قدمت المؤسسة لهم خدماتها من أطفال الأحياء الفقيرة حول دارامشالا يدرسون اليوم في جامعات مختلفة ويسعون للحصول على شهادات مهنية، بما يشهد على الجهد الكبير الذي يبذله هذا الراهب والعاملين معه.
وفي خارج المبنى المؤسسة ذي الألوان الزاهية تقف الحافلات المدرسية وسيارات الإسعاف، ويلحق بالمبنى ملعب لكرة السلة، ومنطقة ألعاب للصغار، ومنصة قدم عليها الطلاب عرضًا تقديميًا للدالاي لاما خلال زيارته للمؤسسة. والذي تدعم مؤسسته The Dalai Lama Trust البرنامج الصحي، وسيارات الإسعاف والممرضات في الأحياء الفقيرة الذين يعملون على مدار 24 يوميا.
اليوم صارت مؤسسة تونج-لين تتلقى المزيد من الأطفال، دون أن تضطر لإقناع أهلهم بالمال، وتنشط في العديد من الأحياء الفقيرة في وادي كانجرا من خلال برامج الرعاية الصحية والتعليم وغيرها من برامج رعاية الأحياء الفقيرة. وقد أصبح للمؤسسة فروع تدعمها في المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا ومجموعة دعم في أستراليا، وينتقل المتطوعون من البرازيل ومناطق أخرى من العالم لنقل المعرفة إلى الأطفال في المؤسسة.
على المستوى الشخصي، تمكن لوبسانج أخيرا من التواصل مع عائلته منذ عام 2010، بما يمكنه من الاستمرار في تكريس حياته لخدمة الإنسانية، وإذا كان هو قد أعطى فرصة جديدة وأملا في الحياة لأطفال الأحياء الفقيرة في دارامشالا Dharamshala فإنه يرى في الأمر ردا للجميل: “لقد كانت فرصة لأعود وأقول شكراً للهند”.

د. مجدى سعيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى