ليو تولستوي : واحد من عمالقة الروائيين الروس، واحد أعمدة الأدب الروسي في القرن التاسع عشر ويعده من أعظم الروائيين على الإطلاق، كان روائيا ومصلحا اجتماعيا وداعية سلام ومفكرا أخلاقيا، من أشهر أعماله روايتي “الحرب والسلام” و “أنا كارنينا”، وهما يتربعان على قمة الأدب الواقعي، حيث يعطيان صورة واقعية للحياة الروسية في تلك الحقبة الزمنية.
ولد الكونت ليف نيكولايافيتش تولستوي في التاسع من سبتمبر عام 1828م، وتوفي والداه عندما كان صبياً صغيراً، وتولت خالاته تربيته، وقد تلقى تولستوي تعليمه الأولي، على يد مدرسين خصوصيين أجانب ثم التحق بجامعة “كازان” في عام 1844م، ولكن طريقة التدريس لم تعجبه فهجرها إلى الأعمال الحرة عام 1847م، و بدأ تولستوي بتثقيف نفسه، وشرع في الكتابة وفي تلك المرحلة الأولى من حياته كتب ثلاثة اعمال هي “الطفولة” عام 1852م، و”الصبا” عام 1854م، و”الشباب” عام 1857م، وسئم حياته تلك فالتحق بالجيش وشارك في بعض المعارك وكتب عن تجاربه موضوعات نُشرت في الصحف، وألَّف عنها كتابه “القوقاز” في عام 1863م.
وبعد تقاعده تولستوي من الخدمة العسكرية سافر إلى أوروبا الغربية وأعجب بطرق التدريس هناك، ولما عاد لمسقط رأسه بدأ في تطبيق النظريات التربوية التقدمية التي عرفها، وذلك بأن فتح مدرسة خاصة لأبناء المزارعين، وأنشأ مجلة تربوية تدعى “ياسنايا بوليانا” شرح فيها أفكاره التربوية ونشرها بين الناس.
ويُعد كتاب “الحرب والسلام” الذي نشره عام 1869م من أشهر أعماله ، حيث يتناول مراحل الحياة المختلفة، ويصف الحوادث السياسية والعسكرية التي حدثت في أوروبا في الفترة مابين عامي 1805م و1820م، ومنها غزو نابليون لروسيا عام 1812م، ومن أشهر كتبه أيضًا “أنَّا كارنينا” الذي عالج فيه قضايا اجتماعية وأخلاقية وفلسفية في شكل مأساة غرامية كانت بطلتها “أنَّا كارنينا” و” السيد والرجل” وهي قصة قصيرة كتبها عام 1895م.
وقد تعمق تولستوي في القراءات الدينية، وقاوم الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا، ودعا للسلام وعدم الاستغلال، وعارض القوة والعنف في شتى صورهما. ولم تقبل الكنيسة آراء تولستوي التي انتشرت في سرعة، فكفرته وأبعدته عنه، وأُعجب بآرائه عدد كبير من الناس وكانوا يزورونه في مقره بعد أن عاش حياة المزارعين البسطاء تاركًا عائلته الثرية المترفة.
ومن الاعمال الشهيرة ايضا لتولستوي كتاب “ما الفن؟” الذي أوضح فيه أن الفن ينبغي أن يُوجِّه الناس أخلاقيًا، وأن يعمل على تحسين أوضاعهم، ولابد أن يكون الفن بسيطًا يخاطب عامة الناس.
وفي أواخر حياته عاد تولستوي لكتابة القصص الخيالية فكتب “موت إيفان إيلييتش” في عام 1886م، كما كتب بعض الأعمال المسرحية مثل “قوة الظلام” عام 1888م، ومن أشهر أعماله التي كتبها في أواخر حياته “البعث” وهي قصة كتبها عام 1899م وتليها في الشهرة قصة “الشيطان” التي كتبها عام 1889م و”كريوتزسوناتا” عام 1891م، و”الحاج مراد” التي نُشرت بعد وفاته والتي توضح عمق معرفته بعلم النفس، ومهارته في الكتابة الأدبية.
وكفيلسوف أخلاقي اعتنق تولستوي أفكار المقاومة السلمية التي تنبذ العنف وقد تبلور ذلك في كتابه “مملكة الرب بداخلك” وهو العمل الذي أثر على مشاهير القرن العشرين مثل المهاتما غاندي ومارتن لوثر كينج في جهادهما الذي اتسم بسياسة المقاومة السلمية والتي تنبذ العنف، وقد تناول تولستوي في كتاباته الأدبية مواضيع أخلاقية ودينية واجتماعية، وكان عميق التفكير.
وعندما بلغ تولستوي 82 من عمره عانى من تناقض بين مبادئه التي نادى بها والحياة الثرية التي يعيشها ونتج عن ذلك خلافات مع زوجته التي رفضت فكرته بالتخلى عن ممتلكاته، وترك تولستوي منزله في أحد الأيام برفقة طبيبه وابنته الصغيرة، وبعد ثلاثة أيام من رحيله توفي بالتهاب في الرئتين في محطة نائية للقطارات، في 20 نوفمبر من عام 1910م .