مبدعوننقاط مضيئه

جورج برنارد شو .. شيخ الساخرين

كاتب مسرحي أيرلندي، كان أحد مفكري ومؤسسي الاشتراكية الفابية، كانت تشغله نظرية التطور وكان من الملحدين المتسامحين مع الأديان، يعد أحد أشهر الكتاب المسرحيين في العالم، وهو الوحيد الذي حاز على جائزة نوبل في الآداب للعام 1925م وجائزة الأوسكار لأحسن سيناريو عن سيناريو “بجماليون” في عام 1938م.

ولد الكاتب المسرحي جورج برنارد شو عام 1856م في دبلن بايرلندا من طبقة متوسطة، اضطر لترك المدرسة وهو في الخامسة عشرة من عمره ليعمل موظفاً، وكان والده سكيراً مدمناً للكحول مما جعل برنارد شو لا يقرب الخمر طوال حياته، وكان نباتياً لا يقرب اللحم الأمر الذي كان له أثراً في طول عمره وصحته الدائمة.

تركت أمه المنزل مغادرة إلى لندن مع ابنتيها ولحق بهم شو عام 1876م ولم يعد لايرلندا لما يقرب من الثلاثين عاماً، ورث من والديه الظرف والسخرية من المواقف المؤلمة والجهر بالرأي وعدم المبالاة بمخالفة المألوف والتمرد على التقاليد السائدة، ورغم تركه للمدرسة مبكراً إلا أنه استمر بالقراءة وتعلّم اللاتينية والإغريقية والفرنسية وكان بذلك كشكسبير الذي غادر المدرسة وهو طفل ليساعد والده ومع ذلك لم يثنه عدم التعلم في المدارس عن اكتساب المعرفة والتعلّم الذاتي، فالمدارس برأي برنارد شو ” ليست سوى سجون ومعتقلات”.

كان برنارد مناهضاً لحقوق المرأة ومنادياً بالمساواة في الدخل، وفي عام 1925م مُنح جائزة نوبل في الآداب لكنه رفض الجائزة المالية ساخراً منها بقوله: “إن جائزة نوبل تشبه طوق النجاة الذي يتم إلقاؤه لأحد الأشخاص بعد أن يكون هذا الشخص قد وصل إلي الشاطئ‏”، كما أنه سخر من نوبل مؤسس الجائزة الذي جمع ثروته الكبيرة بسبب اختراعه للديناميت‏ حيث يقول‏:‏”إنني أغفر لنوبل أنه اخترع الديناميت ولكنني لا أغفر له أنه أنشأ جائزة نوبل”‏.‏

عاش برنارد شو حياة فقيرة وبائسة في فترة شبابه وعندما أصبح غنياً لم يكن بحاجة لتلك الجائزة التي تُمنح أحياناً لمن لا يستحقها، ولأن حياته كانت في بدايتها نضالاً ضد الفقر، فقد جعل من مكافحة الفقر هدفاً رئيسياً لكل ما يكتب وكان يرى أن الفقر مصدر لكل الآثام والشرور كالسرقة والإدمان والانحراف، وأن الفقر معناه الضّعف والجهل والمرض والقمع والنفاق، وقد ظهر ذلك جلياً في مسرحيته “الرائد بار برا” التي يتناول فيها موضوع الفقر والرأسمالية ونفاق الجمعيات الخيرية.

بدأت مسيرة برنارد شو الأدبية في لندن حيث كتب خمس روايات لم تلق نجاحاً كبيراً وهي: “عدم النضج” و “العقدة اللاعقلانية” و “الحب بين الفنانين” و “مهنة كاشل بايرون” و”الاشتراكي واللااشتراكي” لكنه اشتُهِر فيما بعد كناقد موسيقي في أحد الصحف.

انخرط شو بعد ذلك في العمل السياسي وبدأ نشاطه في مجال الحركة الاشتراكية وانضم للجمعية الفابيّة وكان معجباً بالشاعر والكاتب المسرحي النرويجي هنريك إبسن الذي يعتبر أعظم الكتاب المسرحيين في كل العصور، وكان تأثير إبسن واضحاً على شو في بداياته.

وفي عام 1885م بدأ برنارد شو في كتابة المسرحيات حيث كتب ما يزيد على الخمسين مسرحية. عاش برنارد شو أربعاً وتسعين عاما في قراءة الوعي والتساؤل والتبصر ويقول: ” لقد كسبتُ شهرتي بمثابرتي على الكفاح كي أحمل الجمهور على أن يعيد النظر في أخلاقه، وحين أكتب مسرحياتي أقصد أن أحمل الشعب على أن يصلح شؤونه وليس في نفسي باعث آخر للكتابة إذ إننَّي أستطيع أن أحصل على لقمتي بدونها”.

وظلّت مواقفه إلى آخر عمره، كما كانت في بدايتها، فهو الذي رفض أن يزور الولايات المتحدة الأمريكية حتى لا يرى سخرية القدر بوجود تمثال للحرية في بلدٍ يمتهن الإنسان أينما.

وكان المثل الأعلى للشخصية الدينية عند برنارد شو هو محمد صلى الله عليه وسلم، فهو يتمثل في النبي العربي تلك الحماسة الدينية وذلك الجهاد في سبيل التحرر من السلطة، وهو يرى أن خير ما في حياة النبي أنه لم يدّع سلطة دينية سخرها في مأرب ديني، ولم يحاول أن يسيطر على قول المؤمنين، ولا أن يحول بين المؤمن وربه، ولم يفرض على المسلمين أن يتخذوه وسيلة لله تعالى.

ومن أقوال برنارد شو عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم : “إنّ رجال الدين في القرون الوسطى، ونتيجةً للجهل أو التعصّب، قد رسموا لدين محمدٍ صورةً قاتمةً، لقد كانوا يعتبرونه عدوًّا للمسيحية، لكنّني اطّلعت على أمر هذا الرجل، فوجدته أعجوبةً خارقةً، وتوصلت إلى أنّه لم يكن عدوًّا للمسيحية، بل يجب أنْ يسمّى منقذ البشرية، وفي رأيي أنّه لو تولّى أمر العالم اليوم، لوفّق في حلّ مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها.

“لو تولى العالم الأوربي رجل مثل محمد لشفاه من علله كافة، بل يجب أن يدعى منقذ الإنسانية، إني أعتقد أن الديانة المحمدية هي الديانة الوحيدة التي تجمع كل الشرائط اللازمة وتكون موافقة لكل مرافق الحياة، لقد تُنُبِّئتُ بأن دين محمد سيكون مقبولاً لدى أوروبا غداً وقد بدا يكون مقبولاً لديها اليوم، ما أحوج العالم اليوم إلى رجل كمحمد يحل مشاكل العالم”.

ويقول برنارد شو: “إنه لحكمة عليا كان الرجل أكثر تعرضاً للمخاطر من النساء فلو أصيب العالم بجائحة أفقدته ثلاثة أرباع الرجال، لكان لابد من العمل بشريعة محمد في زواج أربع نساء لرجل واحد ليستعيض ما فقده بعد ذلك بفترة وجيزة.

ويقال أن له مؤلف أسماه (محمد)، وقد أحرقته السلطة البريطانية، وأنه عندما كتب مسرحية جان دارك حاول أن يمرر من خلالها أفكاره عن الجهاد والاستشهاد والنضال في الإسلام.

وقد توفي الكاتب والمفكر العظيم جورج برنارد شو في الثاني من نوفمبر عام 1950م

طايع الديب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى