مؤسسة النيزك .. المنظومة الفلسطينية للتوعية العلمية
بقلم : د. مجدي سعيد
التوعية العلمية أو الـ Science Outreach هي أحد المكونات الرئيسية لمنظومة العلوم والتكنولوجيا في أي أمة، ولا أرى نفسي مبالغا إذا قلت أنها من أهم تلك المكونات، كونها المنوط بها إثارة الشغف بالعلوم وتنمية قدرات التفكير والابتكار العلمي لدى الجمهور العام على اختلاف الأعمار، ومن ثم فهي تزود منظومة العلوم والتكنولوجيا بالوقود الذي يضمن استمرار ماكيناتها في العمل والتدفق والحيوية، لأنها تمدها بأهم مورد وهو المورد البشري العاشق والمؤهل. والتوعية العلمية هذه تضم مصفوفة من أنشطة التنشئة العلمية، ومسابقات الابتكار وريادة الأعمال، ومعارض ومتاحف ونوادي ومهرجانات تضم أعمالا فنية وألعابا تقدم العلوم في صورة محببة إلى عموم الناس. هذه المصفوفة لا أعلم بوجودها بشكل متكامل في أي بلد عربي، اللهم إلا ما طالعته من معلومات حول “مؤسسة النيزك” والتي تقيم حاليا مهرجانها الممتد أيام العلوم في فلسطين (من 11 نوفمبر إلى 15 ديسمبر 2014).
“مؤسسة النيزك” هي مؤسسة غير ربحية مختصة في التعليم والإرشاد والبحث في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة وغيرها، أنشأها المهندس عارف الحسيني في القدس عام 2001، رسالتها تطوير القدرات الفكرية والتفكيرية عند النشء والشباب الفلسطيني في مجالات التفكير المنطقي والناقد والإبداعي لرفد حقل الإبداع العلمي بقدرات وامكانات واعدة، وهي تعمل على تحقيقها من خلال مجموعة من الأهداف تتمثل في: تجسيد مفهوم التعلم من خلال اللعب والتشجيع على تعلم العلوم بأساليب جديدة وشيّقة. وتطوير وسائل وبرامج تعليمية مساعدة للمنهاج الدراسي تعمل على تنمية قدرات الطلاب التفكيرية والأكاديمية وتطوير وتنفيذ خطط لتعليم التفكير المنطقي والناقد والإبداعي. رعاية شباب الموهوبين وتوفير البيئة والبرامج الملائمة لهم، وحثهم على الاختراع والإنتاج. ودعم الطواقم العاملة في القطاع التعليمي لتطوير آليات عمل ناجعة. وتكريس مفاهيم البحث العلمي والعمل على إنجاز أبحاث تطبيقية ذات أبعاد إنتاجية تنموية. وبناء المعروضات والمعارض العلمية ونشر المعرفة العلمية من خلالها في كافة المناطق المتاحة. وتأسيس وتشغيل مراكز علمية تفاعلية يرتادها الجمهور العام مثل المتاحف العلمية ودور العلوم والتكنولوجيا. وتعمل مؤسسة النيزك باستراتيجية برامجية متكاملة، تعتمد على برامج سنوية متواصلة تهدف الى احتضان المواهب والإبداعات ضمن مسار تعليمي تربوي يبدأ من مراحل عمرية صغيرة ويستمر في مرافقة الرواد حتى يتسلقون سلم النجاح، وقد قامت المؤسسة بتطوير برامج تعليمية تفاعلية مختلفة في العلوم الطبيعية والانسانية والهندسة، وتحضير المناهج الملائمة لها بما يشمل المحتوى والميسر المختص والمواد المساندة للعملية التعليمية،جميع البرامج التعليمية التفاعلية مدمجة في الخطة البرامجية تعتمد المسار الآتي: يتم الاشتراك في النيزك للأطفال بعمر 10 سنوات على أساس الموهبة في برامج الاحتضان الخاصة، ويستمرون في حاضنات الموهوبين حتى الصف الثامن الاساسي، يتخرج المشترك من الحاضنة ويستطيع عندها الانضمام الى برنامج الباحث الصغير للمهتمين بالعلوم الانسانية والعمل المجتمعي المبدع، وفي برنامج الريادة العلمية والتكنولوجية الفلسطينية الشابة ينضم طلاب المدارس ممن يفضلون البحث والانجاز في العلوم التطبيقية والهندسية ويبقون في البرنامج حتى الصف الحادي عشر، فيما بعد الدراسة الثانوية ينضم الشباب والشابات أصحاب الافكار الأصيلة إلى برنامج صنع في فلسطين أو صنع في القدس. أما مشاريع المؤسسة فهي مشاريع لها فترة زمنية محددة وهي تبقى في ذات النسق العلمي والابتكاري المبدع.
منذ عام 2004 أضافت المؤسسة إلى برامجها برنامج مسرح العلوم، والذي تقول عنه المؤسسة: ربما يكون من غير السائد الجمع بين الكلمتين”مسرح وعلوم” في مصطلح واحد، ولكن إيماننا في مؤسسة النيزك أن العلوم هي جزء من كل، واعتبارنا لها أول الفنون التي تؤثر وتتأثر بباقي أنواع الفنون المكونة للثقافة الإنسانية جعلنا نطور فكرة المسرح العلمي في النيزك كوسيلة تعليمية إضافية مرحة للعلوم والتكنولوجيا، تدمج بين الفن والدراما والقصة الإنسانية وبين العلوم والمفاهيم التي يصعب إيصالها للمتعلم بالطرق التقليدية في بعض الأحيان. وفي عام 2013 أضافت المؤسسة إلى رصيدها تأسيس “بيت العلوم” كـ “أول دار للعلوم والتكنولوجيا في فلسطين كخطوة اساسية تبادر اليها مؤسسة النيزك لمواصلة التشجيع على تعلم وتعليم العلوم والتكنولوجيا في المجتمع الفلسطيني، وكتكثيف حتمي لجهودها في توفير المعرفة العلمية والتكنولوجية الحديثة بأسلوب عملي وتفاعلي”.
من بين الفعاليات الكبرى التي تقيمها المؤسسة للتوعية العلمية المهرجان الذي يعرف باسم “أيام العلوم في فلسطين”، والذي يقام بالتزامن في عدد من المدن والبلدات الفلسطينية، ويضم معارض وعروضا تفاعلية وندوات للعلوم، كما يضم ورشا تدريبية للمعلمين والمعلمات ومشرفي الأنشطة العلمية بالمدارس، إضافة إلى مهرجان للأفلام العلمية، الذي بحد ذاته جزءا من مبادرة أطلقها معھد جوته في 2005 تستهدف جماھير الشباب بمحتويات علمية
مصممة بشكل يثير الشغف. وقد تم افتتاح مھرجان الأفلام هذا العام في نوفمبر 2014 للمرة الثانية في مدينة الناصرة بفلسطين .
إذا كان الفلسطينيون قادرون برغم الاحتلال، والانقسام الجغرافي ما بين الضفة وغزة، والانقسام الفكري ما بين السلطة والمقاومة، إذا كانوا قدرين رغم كل ذلك على بناء منظومة متكاملة للتوعية العلمية، تستخدم فيها كل تلك العناصر، تعمل في كل من الضفة وغزة متجاوزة حالة الانقسام، فماذا ينقصنا نحن في بلداننا العربية الأخرى كي نبني منظومة مشابهة؟ لدينا أهم عامل من عوامل نجاح تلك المنظومة على الأقل في بعض البلدان العربية وهي الأجيال الشابة والصغيرة الشغوفة بالعلوم أو لديها قابلية الشغف، ولدينا أجزاء من هذه المنظومة تقوم بها بعض المؤسسات والمبادرات، هنا وهناك، لكن ينقصنا أن نستكمل باقي مكونات المنظومة سواء في علاقة الفنون بالعلوم (المسرح والسينما وغيرها) أو الألعاب والعلوم وينقصنا أن تكون الأنشطة اللاصفية العلمية في جميع مدارسنا تحتوي على مكونات حقيقية وفعالة للتنشئة العلمية، وينقصنا أن تتكامل وتترابط تلك المكونات، وأن تنسق فيما بينها لتبني مهرجانات للعلوم في بلادنا تكون هي قمة فعاليات وأنشطة دائمة ومستمرة طوال العام، وتكون هي ملتقي كل الفاعلين في هذا المجال، وتكون شاملة لجميع تراب أوطاننا، لا عواصمها فقط، عندئذ وعندئذ فقط نستطيع أن نقول أن لدينا توعية علمية.
للمزيد طالعوا موقع مؤسسة النيزك:
صفحة الدكتور مجدي سعيد على الفيسبوك