مبدعونشهداء العلم

من قتل أول عالم ذرة عربي؟!

كرر قبل مدة الزميل أحمد المسلماني في برنامجه الشائق «الطبعة الأولى» ما كتبه عدد من كبار الكتاب المصريين كالأستاذ عادل حمود وغيره من أن عالم الذرة المصري يحيى المشد الذي اغتيل في باريس عام 1980 لم يكن أول عالم ذرة عربي يتم اغتياله بل سبقته عالمة الذرة المصرية سميرة موسى التي توفيت في حادث سيارة بالولايات المتحدة عام 52 وتم الادعاء بأن للموساد يدا في قتلها.

والحقيقة أن سميرة موسى لم تكن عالمة ذرة بل كانت رغم تفوقها مختصة بالأشعة السينية في مستشفى القصر العيني، أما عالم الذرة المصري والعربي «الأول» والذي يحتاج الى إعادة النظر في أسباب وفاته الغامضة وهو لم يتجاوز الـ 29 من عمره فهو د.إسماعيل أحمد أدهم المولود عام 1911 من أب مصري ذي أصول تركية وأم ألمانية والذي حاز عام 1931 وهو في العشرين من عمره الدكتوراه في الفيزياء الذرية من موسكو وقام بالتدريس في جامعاتها وكان عضوا في مجمع علومها ثم مدرسا في جامعة أتاتورك التركية قبل أن يستقر في مصر منتصف الثلاثينيات ويعرفه الناس عبر العديد من مؤلفاته الأدبية والعلمية.

وفي عام 1940 بدأ جمع كبار علماء الذرة في العالم للبدء في مشروع «منهاتن» الأميركي لصنع القنبلة النووية وفي نفس العام كانت طائرات هتلر تغزو بريطانيا وقوات رومل تكتسح شمال افريقيا وتدق أبواب الاسكندرية التي هجرها أهلها وانتقل اليها بالمقابل الدكتور الشاب إسماعيل أدهم ليستقبل كما قيل الجنرال رومل حال وصوله وينتقل من هناك إلى برلين التي كان على تواصل معها للمشاركة في المشروع النووي النازي.

وفي العدد 366 من مجلة «الرسالة» المصرية الشهيرة الصادر في 8/7/1940 ينتقل د.أدهم من الكتابة الأدبية المعتادة الى مقال احتل 4 صفحات مليء بالمعادلات الفيزيائية المعقدة والمعلومات العلمية أسماه «الذرة وبناؤها الكهربائي» وقد كتبه الدكتور ـ لسوء حظه لربما ـ بالإنجليزي كذلك THE ELECTRICAL STRACTURE OF THE ATOM ذكر ضمنه أن ما وصل إليه العالم الألماني «هينزنبرغ» قد أثبته هو في معامل البحث العلمي في موسكو قبله بسنوات، وأن ما أعلنه البروفيسور الروسي «سكوبلزن» عام 1938 ينسجم مع مبادئ الفيزياء الحديثة التي أثبتها د.أدهم عام 1933.

لم يمر على ذلك المقال «القاتل» إلا أيام قليلة حتى أعلن عن وفاة د.إسماعيل أحمد أدهم غرقا على ساحل «جليم» بالاسكندرية وهو لم يبلغ 29 عاما، وقيل انه وجدت في جيبه رسالة يعلن فيها انتحاره ويطلب حرق جثته وتشريح مخه، ومعروف أن دعوى الانتحار هي أقدم وأشهر وسائل الاغتيال المخابراتي وكان الغريب أن الرسالة لم يبللها ماء البحر وهي في جيب معطفه كما أن من يريد حرق جسده وتشريح دماغه لا يلقي نفسه في البحر حيث قد تختفي الجثة أو تأكلها الأسماك وقد أعلن شقيقه د.إبراهيم أدهم أن جميع أوراق وكتب وأبحاث د.إسماعيل ومنها 3 كتب في الفيزياء والذرة قد اختفت في ظروف غامضة ولا يعرف مكانها أحد.

إن عدم تسليط الضوء على مقتل أول عالم ذرة عربي قد تكون له أسباب عدة منها أن انتحاره أو قتله قد تم قبل 5 سنوات من إلقاء القنبلة الذرية على اليابان، لذا لم يعلم أحد في مصر أهمية علوم الذرة التي كتب عنها د.أدهم، كذلك كان د.أدهم قد أصدر كتابا أسماه «لماذا أنا ملحد» فيما بعد كتب الفيلسوف البريطاني برتراند رسل كتابا بنفس العنوان – مما جعل كثيرين يرون في فاجعته وهو شاب صغير عقابا ربانيا له لا يصح النقاش حوله..

آخر محطة:

(1) المعلومات السابقة لم يتطرق إليها أحد في مصر من قبل، لذا نرجو أن يعاد فتح ذلك الملف للحقيقة وللتاريخ.

(2) أتى في نفس عدد مجلة الرسالة الصادر عام 1940 مقال مترجم لمستشرق بريطاني تحدث فيه عن وحدة أمة العرب التي لم يبلغ عدد سكانها آنذاك 54.5 مليونا مقسمة كالآتي ولاحظ نسبة عدد سكان الكويت على سبيل المثال مقارنة مع البحرين وقطر وعمان: مصر (15 مليونا)، السعودية (5 ملايين)، العراق (3.5 ملايين)، سورية (3 ملايين)، لبنان (900 ألف)، الكويت (50 ألفا)، البحرين (120 ألفا)، قطر (150 ألفا)، عمان (500 ألف)، الأردن (300 ألف)، فلسطين (1.5 مليون).. الخ

سامي النصف
*نقلا عن “الأنباء” الكويتية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى