هايكه فيبر هي فنانة ألمانية تعيش في دمشق منذ 40 عامًا، وتحرص على الحفاظ على التراث السوري والعمل على إحيائه. تعلمت اللغة العربية وأسست مشروعًا لتدريب النساء على الحياكة والتطريز وتصميم الملابس، ونجحت في إنتاج قطع يدوية باعتها في ألمانيا. وقد أقامت معرضًا لوحات التطريز في صالة الفن المعاصر في دمشق.
Table of Contents
بداية قصة هايكه فيبر
هايكه فيبر Heike Weber بدأت قصتها مع انخراطها في الحركة الطلابية منذ عام 1967، عندما بدأت في دراسة الموسيقى والأدب المقارن في برلين الغربية، وهناك التقت بالمخرج السينمائي الفلسطيني جبريل عوض، أحد كوادر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وتزوجا لاحقا.
وفي عام 1982 سافروا إلى بيروت وقاموا بتصوير فيلم عما شهداه في الحرب الأهلية اللبنانية، لكن في النهاية غادروا إلى مدينة طرطوس السورية، على متن سفينة كانت تقل يساريين تابعين للمقاومة الفلسطينية.
هايكه فيبر واستثمار الشغف
وفي دمشق، لم يكن من السهل على الشابة الألمانية هايكه فيبرأن تبدأ من جديد وتتعلم اللغة العربية، لكنها أرادت التعرف على الناس والتحدث معهم، ومن ثم قررت أن تستثمر شغفها في الحياكة والتطريز وتصميم الملابس، مستذكرة ما تعلمته من جدتها، حيث كانت قد بدأت تعلم الحرف اليدوية في سن الرابعة في منزل عائلتها في ألمانيا، حيث كان على جيلها والأجيال السابقة أن يتعلموا هذه الأشياء.
أعجبت هايكه فيبر بكيفية خياطة الفساتين التقليدية وتعلمتها بمساعدة حماتها الفلسطينية في مخيم اليرموك بدمشق، كما اكتشفت المعركة التراثية التي يخوضها الفلسطينيون ضد محاولات الاحتلال الإسرائيلي سرقة التراث العربي، حيث أبدع الفلسطينيون في الحفاظ على الهوية الفلسطينية من خلال الحفاظ على التطريز الفلسطيني، فهو اليوم يعكس الترابط بين الفلسطينيين في الداخل وفي الشتات، حيث أصبح اللباس الفلسطيني رمزا للقضية العادلة.
وعلى مدى السنوات التالية، زارت فيبر معظم أنحاء سوريا وقضت أيامًا وليالي تنقب في المعاني الأسطورية لكل نقش وتطريز ورسم، وأصبحت تستطيع بنظرة واحدة التمييز بين قطعة نسجتها يد امرأة من قرية جنوب حلب، وأخرى نسجتها امرأة من القدس أو غزة.
هايكه فيبر والعلامة التجارية
وفي أواخر الثمانينات، أسست هايكه فيبر علامتها التجارية، وعملت فيها على تصميم الملابس العصرية، بروح سورية، بالتعاون مع عمال سوريين وفلسطينيين من الريف والمدينة. فعملت على تعليمهم ومن ثم توظيفهم في الإنتاج. واختارت لعلامتها التجارية اسم “عناة Anat” لأن عناة تشير إلى الآلهة التي تمنح الحياة في الأساطير القديمة. ومن خلال هذا أرادت أن تقول إن الموت ليس النهاية، وبعد كل موت هناك بداية جديدة.
وقد أصبحت ورشة هايكه فيبر مزارا للعديد من المسئولين والمشاهر الأجانب، منهم صوفيا ملكة إسبانيا، والملكة الأردنية نور، وزوجة الرئيس التركي أردوغان، وغيرهم. لكن الحرب في سوريا غيرت كل شيء، إذ فقدت ورشتها وفقدت الاتصال بمعظم النساء اللاتي كن يعملن معها، علماً أن عددهن كان يزيد على ألف امرأة من مختلف القرى السورية والمخيمات الفلسطينية في سوريا.
كتاب لغة أنماط التطريز في بلاد الشام
مؤخرا، وخلال عام 2023، جمعت فيبر أربعين عامًا من البحث والخبرة في مجال التطريز في كتاب نشرته باللغة الإنجليزية بعنوان “عناة وبطلها بعل: لغة أنماط التطريز في بلاد الشام“. ودافعها في ذلك قناعتها أن “التطريز التراثي ليس مهماً عند العرب فقط، بل هو شأن إنساني عالمي” وتستعد فيبر لنشر كتابها هذا باللغة العربية، ليكون متاحاً لكل عربي يبحث عن أصول تراثه وقصصه.
يغطي الكتاب بحثًا في تطور الملابس في بلاد الشام والتحليل الاجتماعي لتراجع الممارسات الفولكلورية على مدى 150 عامًا الماضية. ويقارن الكتاب أنماط التطريز التقليدية في بلاد الشام مع الأنماط المبكرة للبشرية في نفس المنطقة، ويخلص إلى أن الأنماط الرمزية القديمة، التي تعبر عن فلسفة الحياة، ظلت قائمة في الممارسة الفولكلورية على مدى آلاف السنين.
الكتاب غني بالصور الفوتوغرافية والرسوم البيانية والرسومات التخطيطية لكل من التطريز والمصنوعات اليدوية، ويبدأ الكتاب بخريطة للمنطقة.
في المقدمة، تصف هايكه محاولاتها الأولى للتطريز “ما قمت بطرزه كان يشبه إلى حد ما التطريز الفلسطيني، ولكن لا يمكن لمطرز متعلم أن يفك شفرته. ومن ثم تحاول هايكه من خلال هذا الكتاب تعليم أبجدية التطريز السوري والفلسطيني من خلال توضيح أصلها ومعناها الرمزي ومدى مرجعيتها للرموز والأنماط القديمة للمنطقة التي نشأت منها.
ينقسم الكتاب إلى عشرة فصول، ينقسم فصلان منها إلى أقسام فرعية يناقش كل منها رموزًا وتراثًا مختلفًا بمزيد من التفصيل. ويتم شرح كل قسم بأمثلة حقيقية من مجموعاتها الخاصة أو غيرها من المجموعات المحترمة، ويتم وضع كل نمط أو تصميم أو فكرة في سياق إقليمي وتاريخي وثقافي. ويختتم الكتاب بفهرس شامل ومعجم للمصطلحات العربية.
في المجمل فإن كتاب هايكه يغطي ما هو أبعد من مجرد فن التطريز، حيث أنه يتناول جوانب من الثقافة، ودور المجتمع الأمومي، ومكانة الرموز والأنماط في الفولكلور، ولغة وقواعد الغرزة التي قد تبدو غامضة.
الشاهد في هذه القصة يبرز من خلال سؤال: هل لو كان هذا الكتاب الذي يتناول نفس الموضوع – التطريز – قد صدر من تأليف وإعداد امرأة سورية أو فلسطينية هل كان سيحظى بنفس القدر من الاهتمام الذي حظي به العام الماضي في الصحافة والإعلام؟ وهل كان علينا أن نكتشف ونستكشف معاني تراثنا الخاص عبر عدسات العيون الزرقاء حتى يحظى بالتقدير، وحتى نعرف ونعترف بمكانته؟
د/ مجدي سعيد