قد تكون للوراثة دورها .. لكن الاكتساب أكبر مساحة في حياة المبدعين وكما تعرّفت على مواصفات (الإبداع) .. فإنّك بحاجة إلى أن تتعرّف على صفات (المبدعين)، لتتعرف بالتالي على ما تتحلّى به منها، وما ينبغي عليك السعي لاكتسابه من الخصائص المميزة الأخرى.
وعلى نحو الاختصار، نشير إلى:
1 ـ فهم المبدع للاطلاع والقراءة:
فكثير من المبدعين بل غالبيتهم العظمى هم (دودة كتب) .. يقرأون كلّ شيء .. وفي كلّ شيء، حتى الأمور التي هي خارج اختصاصهم.
يقول أحد الكُتّاب المبدعين (عباس محمود العقّاد): «أحبّ الكتب لأنّ حياة واحدة لا تكفي»!
2 ـ القدرة على التفكير والتأمّل:
ذلك أن تأمّلات المبدعين ليست سبحات فكرية أو تحليقات في فضاءات وهميّة .. نعم، قد تكون تحليقات خارج الفضاء المعهود لكنها وهي تمد رأسها إلى الأعلى لا ترتفع بقدميها عن الأرض.
إن تفاحاً كثيراً كان يسقط قبل (نيوتن) مكتشف الجاذبية، وصابوناً كثيراً كان يزيح من الماء بقدر كثافته قبل (ارخميدس) صاحب نظرية الكثافة والإزاحة، ولكن تفاحة واحدة وتفكِّر واحد من قبل نيوتن هما اللذان أنجبا كانون (الجاذبية) .. وصابونة واحدة وعقل واحد استخدم أرخميدس هما اللذان صدرت عنهما صرخة (وجدتها .. وجدتها)! حين اكتشف قانون الإزاحة.
3 ـ القدرة على التذكّر:
فذاكرة المبدع حيوية نشطة وحاضرة للاستدعاء كلّما أراد المبدع منها شيئاً، فهي (تعينه) ولا (تخونه).
كان الشاعر أبو العلاء المعرّي وهو أعمى يتمتع بحاسة سمع حادّة، حتى أنّه استلم ذات مرّة رسالة باللغة الفارسية وهو لا يعرف هذه اللغة الأجنبية من شخص كان يسأل عن جار له فحفظها وسلّمها بأمانة لجاره حين عودته!
4 ـ الاستقلالية في التفكير والأداء:
فالمبدع لا يستطيع أن يعمل تحت الضغوط والتدخل بشؤونه وبالسير على طريقة العرف السائد .. له منهجه الحرّ في التفكير .. ولو لم يكن كذلك لما كان مبدعاً.
5 ـ عشقه لعمله:
فلقد ثبت بالتجربة، وهذا ما أثبته أيضاً تاريخ الإبداع والمبدعين، إنّ الذي يتمحّض في عمل ما، ويوقف جهده وفكره وطاقته عليه، فإنّه حتماً سوف يبدع فيه.
ولا تذهب بعيداً .. تأمّل في حركة الفنّان المبدع الذي يهوى مهنته، وحركة الحرفي اليدوي الذي يعمل بالمطرقة وأداة النقر والحفر، ماذا تبدع أنامله .. وفي النجار الذي لم يتخرج من معهد النجارة وإنّما صاحبَ مهنته منذ نعومة أظفاره .. كيف يلين الخشب تحت يديه حتى يكون مطواعاً لصناعة أي إبداع يريد!
إنّ لاعب الكرة البرازيلي الشهير (بيليه) كان يستطيع أن يحاور بالكرة (10) لاعبين ويتسلل عبرهم إلى حارس المرمى من دون أن تؤخذ الكرة منه!
6 ـ بصمة المبدع:
فالمبدع لا يكرِّر نفسه، وإنّما يحاول أن يبدو في كلّ عمل جديد يخرج به إلى الناس جديداً أيضاً .. إنّها بصمة الإبداع الحاذق التي تمهر العمل باسم صاحبها وشخصيته المبدعة، حتى أنّك لو لم تقرأ اسمه عليها لعرفت إنّها له.
7 ـ التنظيم:
فالتنظيم سمة الإبداع والمبدعين، ولا نعني بالتنظيم هنا الجدول الزمني الرتيب، فقد ينقلب المبدع على جدوله وأجندته إذا كانت قيداً يقيِّده .. ولكننا نعني بالتنظيم لدى المبدعين إنّهم يخططون لكلّ شيء بدقّة وعناية بما يضفي على أعمالهم الإبداعية سمات الإتقان والكمال.
8 ـ الشجاعة:
فلو كان المبدع خائفاً متردداً يخشى كلام الناس، ويهاب الأعراف الاجتماعية الجامدة، ويرتعد من النقد والتجريح، لمّا شهدنا مبدعاً واحداً .. ذلك أن غالبية المبدعين تحمّلوا ضربات موجعة بثقة عالية بالنفس، وبالمبدأ الذي يعتنقونه فقاوموا .. فنجحوا .. وأصبحوا مثلاً أعلى.
9 ـ المثابرة:
فالأعمال الإبداعية تحتاج إلى نفس طويل وإلى مداومة على العمل، وإلى الجديّة في متابعته وتطويره بهمّة عالية، فإذا رأيت عملاً إبداعياً فلا تسأل كم استغرق من الزمن والجهد .. بل اسأل: كم هناك وراء هذا العمل المبدع من روح كبيرة؟!
10 ـ الذكاء:
وذكاء المبدع وفطنته قد يكون 20 % وراثة و 80ب% اكتساباً، يأتي من خلال عمله المتواصل، وثقافته النامية، وتأملاته الاستيعابية، وطريقته في التفكير، وأسلوبه في العمل، وإصراره على التفوق، وقدرته على التنبّؤ.
11 ـ الخيال الخصب:
ويمكنك أن تتأكد من أنّ الكثير من الأعمال الإبداعية المنجزة كانت تطوف في ذهن المبدعين كأحلام اليقظة التي تعيشها أنت، لكن الفرق أنّ المبدع يحوّل (الخيال) إلى (مادة) عمل .. والآخرون يستغرقون في الخيال كبائعة اللبن التي كانت تحلم بما تشتريه من ثمن لبنها فلما سقط اللبن سقطت أحلامها جميعاً!
12 ـ الانفتاح:
فالمبدع ليس متعصباً ولا منغلقاً في دائرة ضيِّقة، بل يفتح صدره للنقد، وعقله لتجارب الآخرين.
ومن جرّاء هذا الانفتاح فإنّك ترى المبدع ذا روح مرحة، وأخلاق متواضعة، ذلك أنّ التواضع زينة المبدعين.