من رحم الصحراء الموريتانية، برز نجمٌ لامع في سماء الرياضيات، هو العبقري يحيى ولد حامد . تميز بنبوغه المبكر وشغفه بالعلم، ليصبح أحد أبرز علماء الرياضيات في العالم، تاركاً إرثاً علمياً غنياً وإنجازاتٍ خالدة.
Table of Contents
نشأة وتعليم يحيى ولد حامد
ولد يحيى ولد حامد عام 1947 في مدينة أطار الموريتانية، ونشأ في عائلة علمية عريقة. حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، وتلقى تعليمه في العلوم الشرعية واللغوية في البيت. التحق بالمدرسة الابتدائية عام 1959، وأظهر تفوقاً استثنائياً أكسبه إعجاب أساتذته. انتقل إلى معهد بوتلميت عام 1962، حيث درس العلوم الحديثة والتقليدية.
شخصيته وعلاقته بالرياضيات
تميزت شخصيته بالهدوء والتواضع فلم يكن من محبي الظهور على العلن وقد ساهم ذلك في التفرغ لصقل ملكة التفكير المنطقي لديه ويروى أن أحد أجداده كان مهتما بدراسة علم المنطق.
يرى Plagne Alain أن تلك الصفات هي التي حرمته من نيل منصب إدارة المركز وليس حجة ضعف التأطير والإشراف على البحوث كما يقال. كما تميز بموهبته الحدسية التي ساعدته في توقع نتائج بشكل صحيح وسريع قبل إنهاء التسلسل المنطقي للاستدلال الرياضي وهو مايفسر عبقريته وتفوقه على أقرانه.
كان مولعا أيضا بألعاب الذكاء والمنطق حيث كانت ملاذه الذي يفرغ فيه شغفه بالرياضيات الذهنية طيلة السنوات الخمس التي أمضاها مدرسا في الثانوية الوطنية بنواكشوط. من بين تلك الألعاب لعبة ‘ظامت’ (الداما) التي كان من أبطالها الوطنيين ويعتبر مبتكر حركة <الأضياق المتداخلة> المشهورة ب’سلطان ولد حامد’ كما برع في لعبة الشطرنج بمجموع نقاط يتعدى ال2000 نقطة، وقد ألهمت هذه الألعاب عدة أعمال له حول نظرية المخططات في بادئ مسيرته.
الإنجازات العلمية لـ يحيى ولد حامد
سافر يحيى ولد حامد إلى فرنسا عام 1968، ليبدأ رحلته العلمية الحافلة بالإنجازات. نال شهادة الدكتوراه في الرياضيات من جامعة بيير وماري كوري عام 1973، ثم واصل أبحاثه العلمية في جامعة بوردو. تميز بنبوغه في مجال نظرية الأعداد، وقدم حلولاً لعدد من المشاكل المعقدة التي حيرت علماء الرياضيات لسنوات.
من أبرز إنجازاته:
- حلّ إشكالية كنيسير في مجال نظرية الأعداد غير التبادلية.
- إثبات نظرية غرين-تاو في المجال نفسه.
- تقديم مساهماتٍ جوهرية في نظرية الأعداد الأولية.
جوائزه وتقديره:
حظي يحيى ولد حامد بتقدير عالمي واسع، ونال العديد من الجوائز المرموقة، منها:
- جائزة الدولة للعلوم عام 1988.
- جائزة أكاديمية العلوم الفرنسية عام 1991.
- جائزة فيلدز عام 1994، وهي أرفع جائزة في مجال الرياضيات.
ارتباطه بموريتانيا
ظل يحيى بعيدا عن الأضواء والسياسة بعد مغادرته الوطن حيث خاض مسيرة قصيرة، أثناء عمله أستاذا في الثانوية الوطنية، من التجاذبات السياسية والانخراط في شباب الكادحين، صادمته مع حكومة المختار ولد داداه -رغم العلاقة التي تربطه بوالده- بحجة الدعوة إلى الانسلاخ من المستعمر ومعارضة سياسة الحزب الواحد مما أودى بها في فترات غير طويلة إلى الاعتقال التعسفي، إلا أن ارتباطه بموريتانيا لم يتوقف فقد عرف بها ودافع عنها وساهم في مشاريع تمس من واقع الديمقراطية والتعليم والبيئة فيها خصوصا ويشير بعض مقربيه أنه حتى رفض عروض الجنسية الفرنسية.
فقد كان لديه ذلك الحلم دائما بموريتانيا دولة متقدمة على جميع الأصعدة، ففي عام 2002م ساهم بعلاقاته وتبرع بريع جائزة شنقيط للعلوم في سبيل إنجاح مؤتمر علمي استثنائي جمع شمل الكثير من العلماء والباحثين الموريتانيين في انواكشوط. وفي مجال البيئة كان يشغل منصبا في المجلس العلمي للمحمية الوطنية لحوض آرغين وفي إحدى المرات قاد حملة ضد شركة أسترالية للنفط وجلب فريق صحفي من أجل إعداد فلم وثائقي يصف الفساد والكوارث البيئية التي ستتعرض لها منطقة المحمية سنة 2006.
عمل أيضا على تطوير المنظومة التعليمية في البلاد وفي أواخر عمره اشتغل مع البروفسور أستاذ الرياضيات محمدن ولد أحمدو على مشروع الأقسام التحضيرية التي تسمح لأحسن الطلاب الموريتانيين بالولوج إلى أعرق مدارس الهندسة في فرنسا إلا أن الموت تخطفه أعواما قليلة قبل تحقق الحلم.
عرف أيضا بإنفاقه وكرمه فكان يحرص على قضاء العطلة في بوادي أهله ويصرف على مئات الأسر الضعيفة.
وفاته:
توفي يحيى ولد حامد عام 2011 في باريس عن عمر يناهز 63 عاماً، تاركاً خلفه إرثاً علمياً غنياً وإنجازاتٍ خالدة.
خاتمة:
يعتبر يحيى ولد حامد رمزاً للعلم والعبقرية، ومثالاً يُحتذى به للشباب العربي. لقد أثبت للعالم أن العرب قادرون على الإبداع والتميز في مختلف المجالات، وأن الصحراء العربية ليست قاحلة كما يعتقد البعض، بل هي منبعٌ للعلم والإبداع.