” شامبليون أول من فك رموز حجر رشيد “! المعلومة التي ألفتها الأسماع، وترددت كثيراً في الأوساط التعليمية، والمسابقات الثقافية، ولكن عزيزي القارئ هيأ نفسك لتصحيح هذه المعلومة، فهناك سبعة من العلماء العرب سبقوا العالم الفرنسي ” شامبليون” في الوصول إلى فك رموز اللغة الهيروغليفية التي كتبت على أشهر حجر في العصر الحديث.
Table of Contents
قصة شامبليون وحجر رشيد
تعود القصة إلى عام 1977م؛ حين عثر “بيير بوشار” أحد ضباط الحملة الفرنسية على حجر به نقوش بلغة مصرية قديمة، وذلك أثناء أعمال رفع الأتربة من قلعة ” سان جوليان”، والتي تقع بمدينة رشيد المصرية، تمهيداً لتجهيز القلعة كي تكون ملائمة للأسلحة الفرنسية الحديثة من مدافع وبنادق، للدفاع عن الحملة الفرنسية من غارات الإنجليز، والأتراك.
وما إن رأي ” بوشار” هذا الحجر، قام بإرساله إلى قائده الجنرال ” مينو”، والذي بدوره أرسله إلى الإسكندرية، ونقله إلى القاهرة إلى قائد الحملة الفرنسية ” نابليون بونابرت “، وأصدر أوامره بإعداد عدة نسخ منه لتكون في متناول المهتمين بعلم المصريات في أوروبا بوجه عام، وفي فرنسا على وجه التحديد، وقام العالم الفرنسي ” جان فرانسوا شامبليون ” بفك رموزه والتعرف على لغة قدماء المصريين.
ومع سقوط الحملة الفرنسية في مصر، استقر المطاف بالحجر في بريطانيا عام 1802م، بمقتضى ما يسمى باستسلام الإسكندرية، والذي عقد ما بين فرنسا وما بين الجيش المشترك ” إنجلترا والدولة العثمانية ” وقتها.
علماء عرب سبقوا ” شامبليون ” في معرفة لغة ” العصافير “
توصل العلماء العرب المسلمين إلى المعرفة بغالبية حروف الكتابة الهيروغليفية، وبرعوا في معرفة قراءتها ونصوصها المنقوشة على جدران المعابد المصرية، وأسموها ” لغة العصافير “، وذلك قبل أن يقوم الفرنسي ” شامبليون ” بفك رموز الهيروغليفية في القرن التاسع عشر الميلادي، ويؤكد على ذلك دراسات عديدة، كان آخرها وأهمها دراسة الدكتور عكاشة الدالي، والتي أثبتت أن العلماء العرب بذلوا جهوداً مضنية للوقوف على القيمة الصوتية والمعاني لبعض مفردات اللغة المصرية القديمة.
ابن وحشية
ومن أبرز العلماء العرب أحمد بن وحشية: صاحب كتاب ”شوق المستهام” والذي يعتبر مؤلفه من أهم ما استعان به الفرنسي “شامبليون” لفك رموز الكتابة المصرية القديمة، على الرغم من أن العالم الفرنسي لم يشر إلى كتاب هذا المؤلف!.
ذو النون المصري وابن حيان
ومعلوم لدى المؤرخين أن “ذو النون” المصري يعرف القبطية وبعض الهيروغليفية وبعض الديموطيقية، وهناك من العلماء المسلمين أيضًا عالم الكيمياء “جابر ابن حيان” الذي شمل كتابيه «حل الرموز ومفاتيح الكنوز» و«الحاصل» بعض المحاولات لقراءة بعض رموز الكتابة الهيروغليفية.
أيوب بن مسلمة وأبو القاسم والمقريزي
وأفادت الأخبار التاريخية أن العالم المصري “أيوب بن مسلمة” الذي صحب الخليفة “العباس المأمون” خلال زيارته لمصر تمكن من قراءة بعض النقوش المصرية القديمة، بالإضافة إلى عالم الكيمياء العراقي “أبو القاسم العراقي المصري”، والعلامة “ابن الفاتك”، كما أبدى “المقريزي” اهتمامًا كبيرًا “بالخط الهيروغليفي”، وأورد ترجمة لبعض نصوص مصرية قديمة، بالإضافة لعلماء آخرين.
وصف حجر رشيد
تجدر الإشارة بأن ” حجر رشيد ” عبارة عن لوحة حجرية ذات قمة مقببة، تنقسم إلى قسمين “القسم العلوي ” منقوش عليه منظر ديني يمثل تقديم قربان من الملك ” بطليموس الخامس ” لبعض الآلهة ولأجداده البطالمة الأوائل، الأمر الذي كان معتاداً في نقوش المراسيم الملكية في ذلك العصر.
يحتوي الجزء السلفي منه على متن المرسوم الملكي الذي كتب بواسطة كهنة ” منف” ومفاده تقديم الشكر للملك ” بطليموس الخامس ” لقيامه بوقف الأوقاف على المعابد، وإعفاء الكهنة من بعض الإلتزامات .
طريقة فكر رموز اللغة الهيروغليفية
في حجر لوحة رشيد ثلاثة نصوص، الأعلى كتب باللغة القديمة الهيروغليفية وهي الرموز المقدسة، وفي المنتصف كتابة باللغة الديموطيقية وهي كتابات العامة، ومن أسفل نص يوناني قديم وكانت اللغة اليونانية معروفة، وبمقارنة النصوص اليونانية بالنصوص التي فوقها غير المعروفة تم معرفة أصوات الكلمات الخاصة بالأسماء مثل اسم كيلوباترا، وفهم تماثل نطق بعض الكلمات اليونانية بالنصوص الهيروغليفية، لكن ما ميز “شمبليون” عن من سبقوه في هذا الأمر هو معرفته باللغة القبطية والتي كانت عبارة عن مزيج بين اللغة المصرية القديمة وبين اليونانية، ومن خلال هذه المعرفة تمكن من ربط اللغات ببعضها، وقد تعلم شامبليون اللغة القبطية من مصريين.
الاختلاف حول اللغة الهيروغليفية
اختلف العلماء حول ما إذا كانت اللغة الهيروغليفية لغة كتابة فقط أم لغة كتابة ونطق، لكني أرى من وجهة نظري أن اللغة الهيروغليفية لغة نطق وكتابة معا، وقد كانت لغة الملوك والقادة والوزراء، خاصة أن نسبة المتعلمين في الشعب المصري للقراءة والكتابة لم تكن كبيرة.