تستيقظ صباحاً على موسيقى جهاز الاستيقاظ الذي قام بمتابعة مراحل نومك طوال الليل، وفي الوقت المناسب للاستيقاظ وبعد ساعات كافية من النوم رنّ ليُوقظك.. تستيقظ وتجد كوب القهوة مضافاً إليه الكمية المناسبة من السكر بجانبك قد جهزته ماكينة القهوة.. تذهب للحمام الصباح للاستحمام ولن تواجهك المشكلة المعتادة في معادلة الماء الساخن والبارد التي تناسب جسمك في ذلك الصباح، فمستشعر حرارة الجو قد أخبر الصنبور عن مستوى درجة حرارة الجو، فالماء ستخرج من الصنبور بمستوى حرارة تناسب جسمك.. لن تحتار فيما سترتديه ذلك اليوم، لن تحتار في اللون ولا الاستايل الذي يناسب لقاءك أو اجتماعك؛ فخزانة الملابس هي الأخرى قامت بتجهيز ملابس اليوم التي ستكون مناسبة لك.. تتهيأ للخروج من المنزل ولست بحاجة لوقت تبحث فيه عن مفاتيح السيارة؛ فالسيارة هي الأخرى منتظرة ركوبك ومستعدة لنقلك لحيث وجهتك.. قد تكون تأخرت قليلاً عن موعد الاجتماع وتحتاج لتخبر موظفيك بتأخير الاجتماع؛ فموبايلك هو الآخر أيضاً قد قام بإرسال رسائل نصية للمعنيين تخبرهم بذلك.
قد يتساءل الكثير: هل ما سبق هو شيء من الخيال أو مشاهد مستوحاة من أحد أفلام الخيال؟ كلا، ليس خيالاً ولا يوجد فيه أي شيء من الخيال، إنه واقع التكنولوجيا الحديثة، إنها تقنية إنترنت الأشياء IoT التي تهدف إلى تحسين الحياة وجعلها أكثر رفاهية وتوفيراً للوقت والجهد، وذلك من خلال “مكننة” و”أتمتة الحياة” (جعل كل شيء فيها يسير بشكل آلي وذاتي).
تقنية إنترنت الأشياء IoT، وأول مَن أطلق عليها هذا الاسم هو كيفن آشتون في عام 1999، ويعتبر المخترع الأول لهذه التقنية، هي التقنية القادمة من الجيل الجديد للإنترنت، وتهدف هذه التقنية إلى ربط جميع الأشياء من حولنا بالإنترنت والاستفادة منها في مختلف مجالات الحياة: كالمنازل والمكاتب والبنية التحتية، والمدن، والصحة، والصناعة، والزراعة، وغيرها.
كما تهدف إلى جعل الحياة من حولنا أكثر ذكاء وكفاءة وأيسر عملاً وأكثر إتقاناً، وذلك عن طريق ربط جميع الأشياء بالإنترنت واتصالها ببعضها وتوفير المستشعرات والحساسات التي تقوم بجمع البيانات والمعلومات من شتى مجالات الحياة والاستفادة منها.
ومن الأمثلة والتطبيقات التي ستوفرها تقنية إنترنت الأشياء IoT:
– البنية التحتية الذكية (Smart Infrastructure)، تهتم تقنية إنترنت الأشياء بتطوير البنية التحتية وتحويلها إلى بنية تحتية ذكية يتصل كل شيء فيها بالإنترنت.
– البيوت الذكية (Smart Home)، ستصبح كل الآلات والأجهزة بالمنازل متصلة ببعضها وبالإنترنت، وتصبح المنازل مغطاة بالمستشعرات والحساسات التي توفر المعلومات اللازمة، كدرجة الحرارة ومستوى الإضاءة وغيرها.
وستتبادل هذه الآلات مع المستشعرات والأجهزة الأخرى المعلومات والبيانات اللازمة لأداء وظائفها وعملها بشكل آلي دون الحاجة لتدخل الإنسان في ضبطها وتوجيهها.
فجهاز التكييف سيعمل بشكل آلي وبمستوى الحرارة اللازمة والمتناسبة مع الجو المحيط.
كما ستضيء المصابيح وتنطفئ بشكل أوتوماتيكي في حال الحاجة لها وبمستوى الإضاءة المطلوبة، وستمكن تكنولوجيا إنترنت الأشياء الإنسان القدرة على مراقبة المنزل والتحكم فيه عن بُعد ومن أي مكان.
– المدن الذكية (Smart Cities)، ستغطي المستشعرات والحساسات جميع جوانب المدن وتصبح جميع الأشياء فيها متصلة ببعضها ومتصلة بالإنترنت، كشبكة الصرف الصحي وشبكة الإنارة وإشارات المرور وشبكة الطرقات والكباري والأنفاق وغيرها، والتي ستزيد من كفاءتها وعملها وتقل فيها استهلاك الطاقة وتخفيف الازدحام المروري وتزيد الأمنية والمراقبة.
– الرعاية الصحية (Health Care)، تهدف تقنية إنترنت الأشياء لتحسين الحياة في الجانب الصحي، وذلك عن طريق زراعة مستشعرات إلكترونية في جسم الإنسان من أجل مراقبة أداء أجهزة الجسم ووظائفها الحيوية، واكتشاف الأمراض مبكراً وإخطار الإنسان بمستوى الحالة الصحية لديه.
ويمكن للطبيب مستقبلاً تحليل البيانات التي تم جمعها عن طريق المستشعرات الإلكترونية المزروعة في جسم المريض دون الحاجة لإجراء فحوصات فيزيائية أو حيوية.
– الصناعة الذكية (Smart Industry)، سيستفيد قطاع الصناعات بشكل كبير جداً من تكنولوجيا إنترنت الأشياء؛ حيث سيتم ربط الآلات والماكينات ببعضها وإتاحة التواصل وتبادل المعلومات والبيانات فيما بينها بشكل آلي والتي بدورها ستزيد من كفاءتها وإنتاجيتها بشكل كبير جداً.
– الزراعة الذكية (Smart Farming)، كما أسميه إنترنت الأشياء، فالزراعة ستكون أحد المجالات التي سيكون لإنترنت الأشياء دور بارز في تطويرها وتحسين المحصول الزراعي، وذلك عن طريق زراعة المستشعرات في الأرض الزراعية وقرب جذور الثمار والأشجار.
وستعمل هذه المستشعرات على مراقبة ومتابعة مدى حاجة النبات للماء وتوفير الري الذكي الذي يعمل على ترشيد الماء والحفاظ عليها، كما ستوفر المستشعرات أيضاً معلومات عن التربة وخصوبتها والمعادن والمكملات الغذائية ومدى حاجة النبات لها.
ليست هذه جميع القطاعات والمجالات التي ستدخلها تكنولوجيا إنترنت الأشياء فحسب، فهذه التكنولوجيا تهدف للوصول إلى جميع مجالات ونواحي الحياة بشتى تفاصيلها، والعمل على تحقيق اتصال “أي شيء بأي شيء في أي وقت وفي أي مكان”. كما ستدخل هذه التقنية في أدق التفاصيل في الحياة وجعل كل شيء فيها يعمل بشكل آلي وبأوامر الآلات والأجهزة فيما بينها.
وبحسب دراسة لشركة سيسكو Cisco IBSG، فإنه من المتوقع أن يصل عدد الأجهزة والأشياء المرتبطة بالإنترنت في عام 2020 إلى أكثر من ٥٠ مليار جهاز، ما يعني 6.58 أضعاف سكان الأرض الذي من المحتمل أن يصل إلى 7.6 نسمة في العام ذاته.
وهذا الكم الهائل والكبير في عدد الأجهزة والمستشعرات سينعكس إيجابياً في نمو اقتصاد إنترنت الأشياء الذي من المتوقع أن تصل إيراداته إلى ما يقارب 600 مليار دولار بحلول العام 2020، بحسب تقديرات بزنس إنسايدر BI Intelligence Estimates.
ورغم ما ستوفره تقنية إنترنت الأشياء من نقلة نوعية وكبيرة جداً في مجال الإنترنت بشكل خاص والتكنولوجيا بشكل عام وجعل الحياة أكثر رفاهية ويسراً، يسير كل شيء فيها بشكل آلي مما تزيد الكفاءة ويزيد الإنتاج ويوفَّر الوقت والجهد، فإن هذه التكنولوجيا تواجه تحديات كثيرة وصعوبات كبيرة في سبيل تحقيقها بالشكل المناسب.
وتعتبر بعض هذه التحديات هي مصدر قلق للمستخدم أيضاً، ومن أبرز هذه التحديات هي التحديات الأمنية وتحديات الخصوصية، وحتى تكون هذه التقنية ناجحة لا بد من ضمان عدم اختلال مسألتي الأمن والخصوصية.
فلو تعرضت هذه الشبكة لأي اختراق من أي نوع، كما حدث مؤخراً قرصنة وتشفير بيانات حواسيب آلاف الأفراد والمؤسسات بما يعرف بـ”فيروس الفدية” الذي كلف الضحايا خسائر كبيرة أدى بعضها إلى إيقاف النظام بشكل كامل، فإنه في هذه الحالة ستصبح جميع الأجهزة المرتبطة بالشبكة تحت تحكم وسيطرة طرف خارجي تُدار من قبله.
حينها أيضاً ستصبح معلومات وبيانات المستخدمين في خطر وفي حوزة الجهة المخترقة والمقرصنة للشبكة وهو الأمر الذي ينهي خصوصية المستخدمين وأمنهم وسلامتهم. كما أنه ستترتب خسائر مادية كبيرة جداً في حالة سيطرة الهاكرز والمتطفلين، على سبيل المثال، شبكة أنظمة المصانع والمصارف أو المؤسسات والشركات.
ففي مسألتي الأمن والخصوصية، فالشركات المختصة بإنترنت الأشياء تعمل بجهد كبير من أجل إيجاد آليات وطرق تمنع من اختراق الشبكة وتضمن القدر الكافي في تشفير البيانات التي تحول دون الوصول لمعلومات وبيانات المستخدمين حتى في حالة فرضية وقوع بعض هذه البيانات في حوزة المتطفلين.
وتعتبر أميركا الدولة الأولى عالمياً في الاستثمار في مجال إنترنت الأشياء تليها كوريا الجنوبية واليابان؛ حيث تعتبر جوجل، وسيسكو، و مايكروسوفت، وإنتل، وإتش بي، وآي بي إم (وجميعها شركات أميركية) من أبرز الشركات المستثمرة في مجال تقنية إنترنت الأشياء؛ حيث خصصت هذه الشركات مئات الملايين من الدولارات في الاستثمار.
الصناعة والزراعة والرعاية.. وأكثر من هذا مع “إنترنت الأشياء IoT “