رغم اعترافي بأن المتفوقين في الدراسة هم “زبدة المجتمع” إلا أنني تمنيت لو يتم تقييمهم بناء على موهبتهم في الإبداع والابتكار- وليس على تفوقهم الدراسي وقدرتهم على الحفظ والاستيعاب- فتقييم العبقرية بناء علي التفوق الدراسي- والنسبة المئوية- امر ثبت خطأه منذ ثلاثينات القرن الماضي فهناك فرق شاسع بين العبقرية والتفوق الدراسي.. بين موهبة الإبداع وسرعة الاستيعاب.. بين القدرة على الابتكار والقدرة على اجتياز الامتحانات!
– ليس هذا فحسب بل- صدق او لا تصدق- ان العبقري الحقيقي قد يأتي في آخر السلم الدراسي بسبب ملله من المناهج المعتادة فحين نراجع سير العباقرة والعظماء نجد( وبصورة غريبة) ان معظمهم كان متخلفاً من الناحية الدراسية والمنهجية، فالمخترع الأمريكي توماس أديسون طرد من المدرسة بحجة انه غير قابل للتعلم (ولكنه أنجز بعد ذلك أكثر من ألف اختراع).
وألبرت اينشتاين( صاحب النظرية النسبية) كان يأتي دائماً متأخراً في العلوم والرياضيات وتشارلز داروين كان يهرب من المدرسة ليتسلق الأشجار ويراقب قوافل النمل. أما لويس باستير (مكتشف الجراثيم وطريقة البسترة) فكان كثير السرحان لدرجة صنف كمريض بالذهان… اما آخر الأمثلة فهو بيل جيتس الذي لم يكمل دراسته بجامعة هارفارد وابتكر نظام ويندوز للبرمجة- وهاهو اليوم أغنى رجل في العالم-.
وفي الحقيقة يمكن لهذه القائمة ان تطول وتملأ مجلدات ولكن يمكن القول باختصار ان معظم العباقرة لم يحصلوا على شهادات جامعية؟ ومن حصل عليها – خصوصا في العصر المتأخر- أبدع في مجال مختلف( ولعلك لاحظت بنفسك ان أعداد العباقرة لم ترتفع هذه الأيام بما يتناسب مع توفر الجامعات وازدياد الخريجين مقارنة بعصر سقراط وابن سينا مثلاً)!
– وما يجعل الأمر محيراً في أذهان الناس أنهم يخلطون بين شيئين مختلفين تماماً(العبقرية، والتفوق الدراسي) فالعبقرية تتطلب مواصفات خاصة مثل:التمرد على المعتاد، والجرأة، الاهتمام، وتمييز المعضلة، ودافع قوي لإثبات الذات.. في حين قد يأتي التفوق الدراسي نتيجة لاهتمام الوالدين، او ضغط المجتمع، او الرغبة في التميز- مع قدرة هائلة على الحفظ والاستيعاب!!
أضف لهذا هناك خلط واضح بين الذكاء والعبقرية، فالذكاء جزء من العبقرية وليس العكس- بحيث يمكن القول ان كل عبقري ذكي ولكن ليس كل ذكي عبقرياً.. فقد تصل درجة ذكاء البعض الى 200درجة ومع ذلك لا يملكون موهبة الإبداع والابتكار( رغم تميزهم وتفوقهم في أعمالهم..) وفي المقابل قد يملك هذه الموهبة ميكانيكي امي بالكاد تصل درجة ذكائه الى مائة درجة- وهي اقل بقليل من المستوى العام-!!
ما أود الانتهاء إليه هو ان يعتمد تقييمنا مستقبلاً على الإبداع الحقيقي الملموس (وعدد الابتكارات المقدمة) وليس تكريم المتفوقين دراسياً ومنهجياً باسم “المواهب المميزة”!!
فهد عامر الأحمدي