ابتكارات جديدهالمجلة

جهاز لتوليد الأوزون يبتكره علماء مصريون

استطاع الفريق العلمي بمركز تكنولوجيا البلازما بجامعة الأزهر رغم افتقاره للموارد أن يبتكر جهازا لتوليد الأوزون، وقام بتصنيعه بلا تكاليف تذكر سوى الوقت والجهد والمعلومة السليمة، مقدما البرهان العملي على أن المشاركة في المنجزات الحضارية الإنسانية لم يعد حكرا على الدول المتقدمة، وأنه بمقدور الدول الفقيرة على قلة مواردها وندرة الإنفاق والاهتمام بالبحث العلمي بها أن تفعل ذلك أيضا متى توفرت لديها الرغبة والإرادة.

وأكد د. عبده أبو والي جرامون، مدير المركز وأستاذ الفيزياء المتفرغ بكلية العلوم جامعة الأزهر، أهمية هذا الجهاز، حيث يمكن من خلاله تحقيق العديد من الإنجازات المهمة، منها:

* إنتاج غاز الأوزون بتكلفة اقتصادية وبمعدلات تماثل نظيرتها العالمية، مما يؤهل مصر لكي تصبح واحدة من دول قلائل على مستوى العالم تمتلك إمكانات إنتاج غاز الأوزون ذي الأهمية في مجالات متعددة، كالطب والصناعة والزراعة والبيئة.

* تحويل غاز كبريتيد الهيدروجين وغاز الميثان المصاحبين لعمليات استخراج البترول إلى غاز الهيدروجين ذي الأهمية الإستراتيجية البالغة؛ لكونه أنظف وأقوى وأرخص مصدر للطاقة على الإطلاق، وأهميته البالغة لإنتاج الأسمدة الآزوتية؛ مما يؤدي لخفض تكاليف إنتاجها إلى عشرة بالمائة من قيمتها الحالية، ويجعل منها صناعة غير ملوثة للبيئة.

* الاستفادة من الكبريت النقي المترسب من عملية تحويل كبريتيد الهيدروجين، والذي يعد أغلى قيمة من الذهب الخالص لندرته في الطبيعة.

بداية الفكرة
ويحكي د. محمد السواح، الباحث بالمركز، قصة ابتكار جهاز البلازما الجديد قائلا: “كنا أمام خيارين لا ثالث لهما، إما إضاعة وقتنا بالثرثرة والتحسر على قلة حليتنا، أو الإلحاح في طلب العون المادي من أحد الجهات المانحة لكي يمكن شراء جهاز صغير للأغراض البحثية فقط من الخارج بتكلفة تقدر بعشرة آلاف دولار أمريكي؛ فكان علينا البحث عن بديل ثالث، وهنا فاجأنا الدكتور عبده جرامون مدير المركز  بقوله لماذا لا نصنع الجهاز بأيدينا وبإمكانياتنا الحالية، ودون تحميل ميزانية المركز الضعيفة بأية أعباء إضافية؟! لماذا ننتظر تمويلا لن يأتي؟! لماذا لا نعتمد على أنفسنا؟!”.

ويكمل السواح قصته بالقول: “في البداية عقدت الدهشة ألسنتنا، وكأنه ألقى في فمنا حجرا، ولكن بعدما ذهبت عنا الدهشة أعجبنا كثيرا بالفكرة وتحمسنا لها، واصطحبنا الدكتور عبده في اليوم التالي إلى مخزن المتروكات بكلية العلوم، وأخذنا ننقب عن أي شيء يصلح لتصنيع الجهاز، وحملنا ما أمكنا حمله من مواد مرشحة للاستفادة بها، وكنا نقضي ساعات طوال في فرز المتروكات والتنقيب عن شيء يصلح، ولم يفت ذلك في عضدنا، فقد اعتبرنا الأمر تحديا لقدرتنا كباحثين في العلم، خاصة أن الدكتور عبده برغم تقدمه في السن كان يجلس معنا القرفصاء منقبا في المتروكات ويرشدنا للمواد التي يريدها”.

وبعد ما أعيانا التنقيب عن شيء يصلح –الكلام لدكتور السواح- فكرنا في إدخال تعديلات على ما وجدناه من أجهزة قديمة لكي يصبح صالحا، وتحول المعمل إلى ما يشبه الورشة، وقمنا باستعارة بعض الأدوات البسيطة من المعامل المجاورة، كمثقاب ومنشار وآلات طرق وكماشات ومسامير ومكواة لحام، وهكذا صارت الأمور ببطء، ولكنها كانت تسير في الاتجاه المرغوب فيه، حتى كان يوم تشغيل الجهاز للمرة الأولى ونحن نحبس أنفاسنا انتظارا للنتيجة، إلا أنه حدث ما لا تحمد عقباه، فقد كانت التوصيلات الكهربية بالجهاز غير مثبتة بشكل كاف مما أحدث دويا هائلا، وكاد يحدث بنا إصابات لولا أن الله سلم.

ويكمل حديثه قائلا: “سرعان ما تمالكنا أنفسنا وعالجنا المشكلة وتمت تجربة التشغيل بنجاح، وفي اليوم التالي شرعنا على الفور في إجراء أبحاثنا المعملية باستخدام الجهاز، وكانت فرحتنا غامرة عندما جاءت قياسات العينات التي تمت معالجتها بالجهاز لتؤكد نجاحنا في تصنيعه، ولم يكن الأمر يخلو من بعض المضايقات، مثل تكرار تلف المقاومة الكهربية لعدم تحملها الجهد الكهربي العالي، فقمنا بإضافة بعض التعديلات البسيطة عليها لكي يمكنها تحمل ذلك وشراء مقاومة جديدة، وأجزاء أخرى، ومرة بعد أخرى أثبتت قياسات العينات نجاحنا، ومن تجربة لأخرى اكتسبنا خبرات كبيرة في تطوير الجهاز”.

من جانبه، قال د. أحمد سمير، الباحث بالمركز: “لقد أدخلنا على الجهاز الكثير من التحسينات التي تتطلبها البحوث والمواد المراد معالجتها؛ بحيث يمكن القول إنه أصبح لدينا أجيال مطورة من الجهاز، وإننا اكتسبنا قدرة فائقة بحمد الله على تصنيعه بأحجام مختلفة حسب الاحتياجات الصناعية”.

مزايا لا تنتهي
ويعدد د. محمود عيسى، أستاذ فيزياء البلازما بجامعة الأزهر، مزايا الجهاز،  حيث إن جهاز “توليد الأوزون بالبلازما” له قدرة على تعقيم خزانات مياه الشرب المقامة بالبنايات السكنية، وسعر الجهاز حوالي ألف وخمسمائة دولار فقط، إذ يعمل الأوزون النشط على أكسدة الشوائب والفطريات والملوثات والميكروبات والجراثيم وتحويلها لمواد غير ضارة دون الحاجة لأية إضافات أو مطهرات ودون عمليات صيانة تذكر، مما يغني عن الحاجة لاستخدام الفلاتر أو اللجوء لمياه الشرب المعبأة ذات الأسعار المرتفعة نسبيا.

ويوصي عيسى باستخدام الجهاز في المستشفيات لحاجتها الدائمة لدرجة نقاء أعلى للمياه، تضطر معها للجوء لشركات معالجة وتنقية المياه التي تعتمد في عملها على المطهرات والمواد الكميائية، وهي ذات درجة نقاوة أقل من مثيلتها المعالجة بالأوزون، فضلا عن تكلفتها المرتفعة نسبيا.

ويشير د. عبد الدايم نصير، أستاذ فيزياء البلازما ومستشار رئيس جامعة الأزهر، أن المؤشرات الأولية لتجربة استخدام الجهاز في تنقية مياه الصرف الصحي بمحطة الصرف الصحي بمدينة الشروق (إحدى المدن الجديدة بمصر) قد أتت بنتائج مبهرة؛ مما يؤكد قدرة الجهاز الفائقة على العمل في ظروف التشغيل العادية، بل تحمل أقصى ظروف التشغيل، وفي انتظار تقييم النتائج النهائية ليصبح بإمكاننا تسويقه محليا وعالميا.

وتتعدد استخدامات الجهاز الجديد، إذ يمكن استخدامه في تطهير تربة وهواء الصوب الزراعية (الحيوانية والنباتية)، وفي حفظ الأطعمة بما يغني عن الحاجة لاستخدام المواد الحافظة التي تفسد طعمها وتمثل خطرا داهما على الصحة العامة، وكذلك حفظ  الحاصلات الزراعية مثل القمح والأرز والبطاطس والفواكه؛ فيغني عن الحاجة لاستخدام المبيدات ويقلل من الحاجة للمبردات.

كما تبرز أهمية الأوزون في صناعة المعادن، حيث يمكن استخدامه في معالجة أسطح العديد من المعادن، وكذلك المواد المستخدمة في تصنيع تركيبات الأسنان؛ مما يزيد من صلابتها لعشرة أمثال نظيرتها غير المعالجة، ويزيد من مقاومتها للصدأ إلى خمسة أضعاف مقاومتها العادية، وكذلك يمكن استخدام الأوزون في معالجة النسيج الصناعي والطبيعي لإكسابه الخصائص التي يتطلبها السوق من حيث  المتانة والنعومة وقابلية التشرب للعرق، إلى جانب إكسابه خاصية المقاومة للميكروبات، واستخدامه كذلك في عمليات تبيض القماش ولب الورق عوضا عن الكلور السام ذي الخطورة الشديدة على الصحة العامة.

طريقة عمل الجهاز
ويتكون “مولد الأوزون” من قضيب من النحاس الأصفر مثبت داخل أنبوب زجاجي أسطواني الشكل مغطى بطبقة من الكربون به فتحتان، أحدهما لدخول الهواء أو الغاز المراد معالجته، والأخرى لخروجه، ومحول كهربي لتحويل الجهد المنخفض إلى جهد عال (حوالي ألفي فولت).

وتقوم فكرة الجهاز على تحول الهواء أو الغاز المراد معالجته من عازل للكهرباء إلى موصل لها، وتأينه نتيجة تعريضه للجهد الكهربي العالي؛ مما يؤدي لتحرير بعض من الإلكترونات، والتي يتم تعجيلها بتأثير الجهد الكهربي العالي فتتصادم مع بعضها.

وينتج عن هذا التصادم تحرير المزيد من الإلكترونات وازدياد حركتها وتصادمها مع الذرات الأخرى لتحرير المزيد منها، لتعلب الإلكترونات المتحررة نفس الدور في تأيين المزيد والمزيد من الذرات والجزيئات حتى يزداد عدد الإلكترونات والأيونات داخل الغاز، محولا إياه إلى حالة البلازما أو الحالة الرابعة للمادة، حيث تتواجد الإلكترونات الحرة والأيونات بكثافة أكبر بكثير مما هو متاح في الغاز العادي، وعندها يمكن معالجته وإحداث التأثير المرغوب فيه كأحد تطبيقات تكنولوجيا فيزياء البلازما التي تعد أحدث تقنيات العصر لما تتميز به من قلة التكاليف وملائمتها البيئية.

وأوضح فريق البحث أن هذه العملية تتم عند تمرير الهواء العادي بالجهاز، ويترتب على ذلك تكسير روابط جزيء الأكسجين التي تربط ذرتيه وتتحد مع رابط ثالث لذرة أخرى وتصبح ثلاثية، مكونة غاز الأوزون ذا الفوائد المتعددة.

وكذلك تؤدي معالجة غاز الميثان بالجهاز إلى تكسير روابط جزيء الغاز التي تربط ذرة الكربون بذرات الهيدروجين الأربعة وتحررها، فنحصل على الهيدروجين، وكذلك تكسير روابط جزيء كبريتيد الهيدروجين التي تربط ذرة الكبريت بذرتي الهيدروجين فنحصل على الهيدروجين ويترسب الكبريت النقي.

مدحت الأزهري
نقلا عن إسلام أون لاين

زر الذهاب إلى الأعلى