اختراعات تكنولوجيهاختراعات

آلة تتحرك من تلقاء ذاتها

قبل فترة شاهدت في مجلة الإيكونمست البريطانية إعلانا غريبا بخصوص اختراع آلة (تتحرك من تلقاء ذاتها).. وصاحب هذا الاختراع مهندس أيرلندي يدعى شين مكارثي سبق أن ابتكر كاميرا مراقبة تستمد طاقتها من مولد يعمل بحركة الرياح.. وسرعان ما لاحظ – حسب زعمه – أن الطاقة المنتجة من مولدات الكاميرات تزيد عن الطاقة الداخلة فيها فأدرك أنه اخترع “آلة دائمة الحركة” (لأن أي آلة تنجح في إخراج طاقة – تزيد عن الداخلة فيها – ستغذي نفسها بنفسها وتستمر بالعمل بلا توقف)..

ومعلوم أن هذا الحلم بدأ منذ عصر الفراعنة وظل مثار جدل بين العلماء والفلاسفة حتى يومنا هذا.. وخلال الأربعة آلاف عام الماضية ظهرت ادعاءات كثيرة بخصوص اختراع آلة تعمل للأبد وتنتج طاقة مجانية (تزيد عن الطاقة المدخلة فيها)..

والقضية – أيها السادة – لا تتعلق بصنع “آلة ميكانيكية” بقدر ما تتعلق بمخالفة “الفكرة” نفسها لمبادئ فيزيائية وفلكية كثيرة.. ومن هذه المبادئ استحالة إنتاج طاقة (تساوي أو تفوق) الطاقة المدخلة في أي آلة.. فلو افترضنا مثلا أننا أدخلنا في محرك كهربائي 100وحدة من الطاقة الكهربائية يستحيل أن نستعمل هذا المحرك لتوليد 100وحدة – أو أكثر – من الطاقة المماثلة !!

وهناك أسباب كثيرة – وراء هذه الاستحالة – أهمها أن قدرا كبيرا من الطاقة المدخلة تضيع في فرق الشغل وعوامل الاحتكاك والتحول إلى شكل مختلف من الطاقة (كالحرارة والضوء والإشعاع).. فمحرك البنزين في سيارتك مثلا تضيع 75% من طاقته على شكل حرارة تُفقد في الجو (وبالتالي لا تستفيد أنت فعلا إلا من 25% من البنزين الذي دفعت ثمنه). ورغم المحاولات المستمرة لتحسين كفاءة المحركات إلا أن الشركات المنتجة لا تحلم برفع كفاءتها لأكثر من 50% (وأقصى نجاح أعرفه توصلت إليه شركة مرسيدس حين رفعت كفاءة محركات الديزل لديها الى 42%).. وبناء عليه تصور حجم المبالغة في اختراع آلة تصل كفاءتها الى 100% – بل وتنتج طاقة إضافية تغلب على فرق العمل وعوامل الاحتكاك والحرارة المهدرة بحيث تتحرك إلى الأبد !!

وكان ابن سينا قد أدرك استحالة هذا الحلم حين قال قبل ألف عام “لا يجوز أن يكون في أي جسم قوة طبيعية تحركه بلا نهاية”.. وبعده بأربعة قرون كتب العبقري الايطالي ليونارد ديفنشي “أيها الحالمون بدوام الحركة توقفوا عن جهلكم قبل أن تنضموا إلى الحالمين بتحويل التراب إلى ذهب”…

غير أن دافنشي تجاهل حقيقة مهمة وهي أن من يسعون لابتكار هذه الآلة ليسوا جاهلين بمبادئ الفيزياء وقوانين الحركة (بل قد يكونون أعلم الناس بها) ؛ غير أن جاذبية الحلم وسخاء الفكرة تتغلبان أحيانا على أي مفاهيم علمية راسخة – وسرعان ما يقنعون أنفسهم بإمكانية كسرها وتحقيق فتح علمي عظيم..

ورغم أنني شخصيا لم أعد أؤمن – كما كنت قبل عشر سنوات – بوجود شيء يتحرك من تلقاء ذاته (بما في ذلك كون الله العظيم) إلا أنني مازلت أحترم أي “جهد” مخلص “يدور” حول هذا “المحور”!!

فهد عامر الأحمدي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى