صباح يوم السبت ١٠ يونيو ٢٠٢٣ بعد صراع طويل مع مرض السرطان،غيب الموت عن عالمنا، عالماً فذاً، ومؤرخاً متمكن من أدوات البحث التاريخي، وطبيباً له إسهامات علمية بارزة، ألا وهو الدكتور “محمد الجوادي” رحمه الله، الكاتب المصري الذي نشر له منذ عام 1978 وحتى وفاته أكثر من 140 كتاباً في التاريخ والأدب والتراجم، فضلاً عن مئات الدراسات والمقالات.
Table of Contents
نشأة متميزة
ولد الدكتور محمد الجوادي عبد الوهاب الجوادي، في عام 1958 في مدينة فارسكور بمحافظة ” دمياط “، حصل الدكتور ” الجوادي “على الشهادة الثانوية من مدرسة المتفوقين الثانية ، بمنطقة عين الشمس ” القاهرة “، ثم التحق بكلية الطب جامعة الزقازيق، وحصل على درجة الماجستير في أمراض القلب عام 1985، وكانت رسالته العلمية عن ” مذيبات التخثر .. كمذيبات للاحتشاء القلبي “، وفي عام 1990 نال شهادة الدكتوراه في أمراض القلب والأوعية الدموية، والتي كانت عن ” تقييم أبعاد وظائف القلب في المسنين ” ..
بزغ نجمه منذ مرحلة طلبه للعلم، واستطاع أن يجمع طرفي التفوق، ما بين التفوق الدراسي، والعمل بالسياسة على مستوى متقدم، والتفوق في الأنشطة الرياضية والثقافية والاجتماعية، بالإضافة إلى عضويته الدائمة في اتحاد الطلاب، وكان منتخباً بصفة دائمة؛ نظراً لتميزه العلمي والثقافي.
الطالب المثالي .. لقب لا يفارقه
حاز لقب ” الطالب المثالي ” في جامعة القاهرة أكثر من مرة، بدءً من السنة الأولى ( المرحلة الإعدادية ) في الطب، واختير بعدها لتمثيل جامعة القاهرة في وفقد القيادات الطلابية المصرية الذي دُعي إلى ألمانيا الغربية ( قبل إتحادها) .
وكان عضواً نشطاً في الجمعية الدولية لطلاب الطب، والتي أتاحت له أن يتلقى وهو طالب تدريباً عملياً في مجال ” الجراحة ” وتحديداً ” جراحة القلب ” في مستشفى ” آخن “ بألمانيا .
الدكتور الجوادي يتألق في نوادي العلوم والجمعيات العلمية
استمرت عضوية الدكتور ” الجوادي” في نوادي العلوم طوال سنون الدراسة، وكان واحداً من اثنين أسسا نادي علوم جامعة القاهرة، ثم أسس نادي جامعة الزقازيق للشباب والعلوم والبيئة ” الزوكي “، وقد وقع عليه الاختيار ليرأس وفد الشباب بالمؤتمر الدولي للشباب والنشاط العلمي، والذي انعقد في مدينة ” تولوز” بفرنسا عام 1985، كما دُعي إلى المشاركة في أنشطة ” جمعية أصدقاء العلميين المصريين في الخارج” وواظب على حضور كافة مؤتمراتها السنوية التي انعقدت خلال حقبة السبعينيات والثمانينات.
لم يكتف الدكتور ” الجوادي ” بهذا القدر من المشاركة المتميزة في الجمعيات العلمية، وأصبح عضواً مؤسساً أيضاً في الجمعية المصرية للأطباء الشبان، وقام بتأسيس مركز للإعلام والنشر الطبي، إلى أن انتخب عضواً في مجلس إدارة الجمعية.
المجال البيئي محور الاهتمام
يحسب للدكتور ” الجوادي” أنه كان من أوائل الذين اعتنوا بقضية البيئة في السبعينات، وشارك في تأسيس أكثر من جمعية أهلية نشطة في المجال البيئي، وإصدار المجلة البيئية لجامعة الزقازيق، والتي تولى رئاسة تحريرها، بالإضافة إلى مشاركته في مؤتمر الاتحاد الدولي للشباب والبيئة الذي انعقد في الهند عام 1980، وانتخابه مقرراً دولياً للجنة العلمية للضوضاء في الفترة من 1980 إلى 1983.
واستمر اهتمامه بالمجال البيئي؛ حيث شارك في تأسيس المنظمة الإفريقية للشباب والبيئة عام 1981، ونظراً لتلك الإسهامات الفعالة، اختاره مجلس بحوث البيئة البريطاني في عام 1982، ليكون ضمن ثمانية عشر من دعاة البيئة ودارسيها على مستوى العالم للمشاركة في صياغة تقرير حول مستقبل البيئة في الثمانينات، وفق ما نشرته دار النشر الأمريكية الشهيرة ” بلنيوم ” في تقريرها السنوي لذات العام.
إسهامات في النشر العلمي والطبي
خلال منتصف السبعينيات توجه الدكتور ” الجوادي ” إلى الاعتناء بالثقافة العلمية، ونشر العديد من المقالات المتميزة في هذا المجال في عدد من المجلات المرموقة، والمشاركة في منتديات الثقافة العلمية المتعددة، كما بدأ في نشر سلسلة من كتب الطب المتخصصة باللغة العربية.
مع قدوم الألفية الجديدة، نشر الدكتور ” الجوادي ” كتابين في المجال الطبي، الأول بعنوان ” أمراض القلب الخلقية الصمامية”، والثاني ” أمراض القلب الخلقية: الثقوب والتحويلات “، واستمرت إسهاماته العلمية في الثقافة العلمية والطبية العامة، إلى أن تم اختياره منذ عام 2000 كعضو في لجنة الثقافة العلمية بالمجلس الأعلى للثقافة المصرية.
مناصب علمية متعددة
عمل الدكتور ” الجوادي ” زميلاً زائراً في أمراض القلب والأوعية الدموية في مؤسسة ” كليفلاند كلينك” منذ عام 1990، والتي تعد من أفضل ثلاث مستشفيات في الولايات المتحدة الأمريكية، ويحتل مركز القلب بمؤسسة ” كليفلاند كلينك ” المرتبة الأولى على امتداد 11سنة متتالية، كأفضل مركز لجراحة القلب في المستشفيات الأمريكية.
واشتغل كأستاذاً لأمراض القلب والأوعية الدموية في كلية الطب ( جامعة الزقازيق)، وتولى رئاسة تحرير المجلة الطبية المصرية الجديدة، ومستشاراً سياسياً للائتلاف العالمي للمصريين في الخارج، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية وعضو المجلس القومي المنتخب لحقوق الإنسان، ومسؤولاً عن ملف التعاون الألماني والأوروبي، واللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر، وعضو مجلس إدارة الشركة القابضة للأدوية ” هولدي فارما” ، وعضو مجلس إدارة الشركة القابضة ” شركة المصل واللقاح فاكسيرا”، ورئيس مجلس أمناء مدرسة المتفوقين الثانوية النموذجية.
وآخر ما قام به الراحل الدكتور ” الجوادي ” الإشراف على برنامج التعليم الطبي والتعريب في مؤسسة ” أكسفورد ” للموارد التعليمية ، وتدريس مقرر الصحافة المدرسية وتأسيس قسم الإعلام التربوي بكلية الآداب ” جامعة الزقازيق”، وترجمة المقالات الطبية لمجلة ” العلوم “، والتي تعد الترجمة العربية لمجلة ” ساينتيفك أمريكان ” .
“أبو التاريخ ” اللقب المحبب إلى قلبه
أطلق طلاب الدكتور ” الجوادي ” ومحبيه لقباً عليه ” أبو التاريخ “؛ نظراً لمؤلفاته المتعددة في التاريخ، والتي تنوعت ما بين 13 كتاباً في تأريخ العلماء وتراجمهم، وتاريخ العلم، وإحدى عشر كتاباً في تاريخ الفكر الإسلامي، وفي تاريخ الليبرالية ألف 19 كتاباً، وفي تاريخ العسكرية والأمن ألف ما يربو إلى 24 كتاباً.
ولديه العديد من الكتب عن الرحلات والوجدانيات، ومنها ” ثلاثية باريس”، و” أوهام الحب “، و” رحلات شاب مسلم “، و”حياتي في ألمانيا”، وقد طبعت هذه الكتب أكثر مرة، وتعد كتاباته أكثر من 140 مؤلفاً في شتى مجالات المعرفة.
وآخر ما أصدره كتاب ” المحققون المتحققون ” الذي تحدث فيه عن أعلام وشخصيات بارزة، منها محمد شوقي أمين، ومصطفى حجازي، وكتاب عن ” المتشابهات في القرآن “، ما يؤكد على موسوعيته، وقدرته الفائقة على الإبداع في مختلف الأشكال الثقافية والعلمية.