التنوع الأحيائي biodiversity هو ما يبقي الحياة على ظهر هذا الكوكب بصحة وعافية، كما أن “في كل كبد رطبة صدقة” كما قال النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام، والحفاظ على هذا التنوع والتوازن الذي خلقه الله في الطبيعة له أساليب وطرق كثيرة، والبعض يفعل ذلك عن علم وإدراك لقيمة ما يفعل وإن بأساليب بسيطة، والبعض يفعل ذلك بدافع الرحمة التي أوجدها الله في قلبه بباقي المخلوقات.
من بين نماذج الناس الذين قاموا بأفكار بسيطة وواعية في آن للحفاظ على التنوع الأحيائي ألفريد لارسون Alfred Larson المصور والمواطن العالم Citizen Scientist الأمريكي البالغ من العمر 91 عاما وقت إنتاج الفيلم الوثائقي الذي تناول ما يفعله، وحمل عنوان “رجل الطائر الأزرق Bluebird Man“.
ولنعرف القصة علينا أن ندرك أن الطيور الزرقاء في أمريكا الشمالية قد واجهت انخفاضا شديدا خلال الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، ويرجع ذلك جزئيا إلى زيادة المنافسة على تجاويف التعشيش المتاحة.
حيث تعتمد تلك الطيور على تجاويف شجرة لبناء أعشاشها لكن أنواعا مثل النجم الأوروبي European Starlings وعصافير البيت House Sparrows غالبا ما تتغلب على الطيور الزرقاء في الفوز بتجاويف التعشيش هذه.
ومن ثم ففي عام 1978 أنشأت مجموعة من العلماء المعنيين ومحبي الطيور الزرقاء “جمعية أمريكا الشمالية للطائر الأزرق North American Bluebird Society“، وهي مجموعة غير ربحية ملتزمة بالحفاظ على الطائر الأزرق، وذلك من خلال إطلاق حملة تستهدف تشجيع المواطنين من جميع مناحي الحياة على وضع صناديق أعشاش Nestboxes مصممة خصيصا للطيور الزرقاء، وقد لعبت هذه المنظمة دورا أساسيا في تمكن الطائر الأزرق من التعافي.
واليوم توجد أعداد كبيرة من الطيور الزرقاء بالقرب من المستويات التاريخية في جميع أنحاء أمريكا الشمالية. على الرغم من هذا النجاح الملحوظ، يجب على المحافظين على الطيور الزرقاء إيجاد وسيلة لتحفيز الأجيال الشابة لمواصلة العمل الهام لرصد والحفاظ على صناديق أعشاش هذه الطيور وإلا فإن هذا الانتعاش الدراماتيكي لتلك الطيور يمكن أن يضيع.
كان ألبرت لارسون واحدا أوائل الذين استجابوا لدعوة الجمعية للعمل على وضع الأعشاش ورصدها والعناية بها وذلك منذ عام 1978، كان ألبرت في ذلك الوقت على وشك التقاعد وألهمه ذلك الأمر العودة إلى جبال أويهي Owyhee Mountains حيث أمضى معظم طفولته في هذه الجبال النائية على طول حدود بين ولايتي إيداهو وأوريغون، حيث أنشأ ألبرت أول الصناديق العشية له للطيور الزرقاء.
وبعد 35 عاما، وفي سن 91، لا يزال ألفريد لارسون يعتني بصناديقه في جبال أويهي. وهو يراقب كل مرحلة من مراحل عملية التكاثر من بناء العش، إلى وضع البيض، إلى الفقس، وأخيرا خروج الفراخ من كتاكيت الطائر الأزرق، وعندما تصل الكتاكيت إلى سن معينة، يضع ألبرت في إحدى أرجل كل واحد منها رقما فيدراليا فريدا من الألومنيوم.
وقد استطاع ألبرت إلى حين تصوير الفيلم وضع 27 ألف ترقيم للطائر الأزرق على مدى السنوات الـ 35 الماضية. ويعد استمرار ألفريد في جهوده طوال تلك السنين، مع تقدم عمره ووصوله إلى تلك السن الكبيرة تلهم الأجيال الجديدة القيام بدورها في علوم المواطنين، في الحفاظ على التنوع الأحيائي.
د. مجدي سعيد